هذه السمة الشخصية تجعلك فريسة سهلة للمتلاعبين

3 دقيقة
المتلاعبون
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: وفقاً للمختصين في علم النفس الاجتماعي فإن ضحايا التلاعب يتميزون بسمة مشتركة. ولكي تحصّن نفسك ضد تحايل المتلاعبين عليك إذاً أن تفهم أساليبهم وتعرف هذه الصفة. في هذا السياق كشف الباحث الفرنسي روبير فانسان جول بعد أن قضى سنوات طويلة في دراسة سلوك التلاعب أننا لسنا سواسية في مواجهة هذا السلوك. وأكد أن هناك أشخاصاً أكثر عرضة إلى التلاعب من غيرهم، وذلك من خلال تجربة شارك فيها عدد كبير من المدخنين الذين تجاوبوا مع أوامر التوقف عن التدخين بطريقتين مختلفتين، بعد تعرّضهم إلى الخداع. وهذا ما يدفع المتلاعبين إلى التركيز على نقاط الضعف لدى ضحاياهم مثل الحاجة الماسة إلى نيل حبّ الآخرين، والسعي إلى إرضائهم. وينبع هذا الضعف وفقاً للمختصين في علم النفس الاجتماعي من سمة أساسية هي غياب الثقة بالنفس. كما يستغل المتلاعبون بعض السمات النفسية التي تُضعف الضحية مثل: الحسّ العاطفي المفرط واللطف والسعي إلى الكمال، والتعلق بالعمل.

كل يوم نمارس التلاعب أو نقع ضحية له من خلال سلوكيات الإقناع أو الإغراء أو التأثير. وسواء كان هذا التلاعب عن وعي أو دونه، فإنه يسيطر على تفاعلاتنا الاجتماعية. لكن البعض يستسلم لأساليب التلاعب والخداع بسهولة أكثر من غيرهم.

بحسب علماء الاجتماع فإن ضحايا التلاعب يتميزون بسمة شخصية مشتركة. إليك تفاصيل هذه السمة وفقاً لأستاذ علم النفس ومؤلف كتاب "بروتوكول الخداع المختصر للأشخاص النزهاء" (Petit traité de manipulation à l’usage des honnêtes gens)، روبير فانسان جول (Robert-Vincent Joule)، الصادر عن دار النشر بوغ (éditions PUG).

هل هناك أشخاص "أكثر عرضة إلى التلاعب" من غيرهم؟

يدرس الكاتب روبير فانسان جول منذ فترة طويلة حيل التأثير في الآخرين. ويتناول في كتابه الأساليب المختلفة التي تتيح للمرء أن يخدع أقرب الناس إليه، ويدفعهم بسهولة إلى فعل ما يريده. وهناك فعلاً أشخاص بارعون في ذلك. وقد شكّلت هذه الأساليب التي بدأنا نتعرّف إليها مؤخراً، موضوع العديد من الأبحاث في علم النفس الاجتماعي خلال السنوات الأخيرة.

لكي تحصّن نفسك ضد تحايل المتلاعبين من الضروري أن تفهم أساليبهم وحيلهم. لذا؛ سألنا المختص في علم النفس إن كان هناك أشخاص "أكثر عرضة إلى التلاعب" من غيرهم. فأجاب قائلاً: "هناك أشخاص أقلّ عرضة للتلاعب من غيرهم، ولهذا السبب فإن نجاح أساليب التلاعب ليس مضموناً بنسبة 100%".

هذا التفسير المنطقي إلى حدّ ما، هو الذي حاول الباحث التحقق منه من خلال إجراء تجربة على نطاق واسع، في مدينة إكس أون بروفانس جنوب فرنسا. يروي فانسان جول تفاصيل هذه التجربة قائلاً: "طلب العلماء من بعض المدخنين المشاركين في الدراسة التوقف عن التدخين 24 ساعة، لاختبار درجة تركيزهم قبل الحرمان من التدخين وبعده، وافق 10% من المشاركين على التوقف عن التدخين (النية السلوكية)، لكن 4% فقط منهم توقفوا عن التدخين (السلوك الفعلي)، ثم تعامل الباحثون بعد ذلك بطريقة مختلفة مع مدخنين آخرين. فطلبوا منهم التوقف عن التدخين ساعتين فقط، (الإجراء التحضيري) ثم اجتياز اختبار التركيز في 3 دقائق. فوافقوا جميعاً على ذلك. ثم طلبوا منهم التوقف عن التدخين طوال 24 ساعة. فوافق هذه المرة 50% منهم على ذلك، في حين توقف 44% منهم فعلاً عن التدخين، ثم ارتفعت نسبة السلوك الفعلي من 4% إلى 44%؛ أي بمعدل 10 أضعاف".

تثبت هذه التجربة أن تقنية تلاعب واحدة لقيت تجاوباً مختلفاً لدى شخصيات مختلفة، على الرغم من خضوعها إلى آليات التأثير نفسها. لا شك في أننا لسنا سواسية في مواجهة التلاعب وفقاً لهذه النتائج، لذلك يتعين علينا تحديد الشخصيات الأكثر عرضة إليه.

اقرأ أيضاً: ما الذي يضمره المتلاعبون عاطفياً في صدورهم؟ وكيف تتعامل معهم؟

غياب الثقة بالنفس: سمة تجذب المتلاعبين

قد نعتقد للوهلة الأولى أن المتلاعبين يستهدفون الشخصيات الأكثر سذاجة. ولكن هل يتسم ضحايا المتلاعبين بالسذاجة فعلاً؟ هذا مستبعد جداً. يركز المتلاعبون في الواقع على نقاط ضعفنا لفرض سيطرتهم. تقول الطبيبة النفسية ماري فرانس هيريغويين (Marie-France Hirigoyen): "لدينا جميعاً نقاط ضعف، لكن بعضها يجعلنا أكثر عرضة للتلاعب مقارنة بنقاط ضعف أخرى، ولا سيّما عندما نفتقر إلى الثقة بالنفس، أو نشعر بحاجة شديدة إلى أن نكون محبوبين، أو نحاول تلبية توقعات الآخرين ونيل رضاهم".

من البديهي أن يكون الأشخاص الذين يسعون جاهدين إلى الامتثال لشروط المجتمع، ويحاولون باستمرار نيل استحسان مَن حولهم، أضعف من الآخرين. وبالإضافة إلى الضرر الذي يلحقه هذا السلوك بأصحابه، فإنه ينتشر أيضاً على نطاق واسع بين الآخرين. وليس هناك ما هو أكثر إثارة للدهشة والاستغراب من انتشار هذا الضعف، في عصر يتعايش فيه الامتثال لتوقعات المجتمع مع النزعة النرجسية، وتؤدي فيه صورة المرء دوراً أساسياً في رفاهيته.

هذا ما يؤكده الطبيب والمعالج النفسي فريدريك فانجيه (Frédéric Fanget) إذ يقول: "ينبع ضعف ضحايا التلاعب من غياب الثقة بالنفس، وعادة ما يشعرون بالذنب دون سبب". ثم يواصل تحليله قائلاً: "يتناغم سلوك التلاعب مع بعض الاستجابات العاطفية والسلوكية والمعرفية، هناك سمات نفسية تُضعف الضحية مثل الحسّ العاطفي المفرط واللطف والسعي إلى الكمال، والتعلّق بالعمل والحاجة الماسة إلى نيل حب الآخرين، وغير ذلك، هذه الخصائص كلّها تمثل مزايا هائلة في العلاقة الصحية والمتوازنة، لكنها تجعلنا أكثر عرضة إلى الخطر في سياق التلاعب". ومن هنا تبرز أهمية العناية بالذات لزرع الثقة بالنفس، وحمايتها من الشخصيات السامة.

اقرأ أيضاً: كيف يخدع المتلاعبون بالمشاعر ضحاياهم؟

المحتوى محمي