تنشأ الأفكار بمختلف أنواعها وتوجهاتها في الدماغ، وبطبيعة الحال؛ تساهم الكثير من الأفكار السلبية في دفع العديد من التغيرات النفسية والجسدية غير الصحية التي تهدد سلامة وعافية وصحة النفس والعقل والجسد، لذا يتحتّم علينا السيطرة على الأفكار السلبية والتعامل بكثير من الجدية والحزم مع الأفكار السلبية التي عادةً ما تُترجم من خلال الارتباط العالي والتفاعل المستمر بين الدماغ والجسد.
الوقوع تحت سيطرة الأفكار السلبية
درس الباحثون في ورقة علمية منشورة على موقع "نيتشر" (Nature)، ما يسمونه الذاكرة العاملة (Working Memory)؛ تتمثّل وظيفة هذا الجزء المهم من الدماغ في الاحتفاظ بالمعلومات -الأفكار- التي تشكّل الإدراك وتحرّك السلوك التكيفي لدى البشر. تشغل هذه الأفكار -المعلومات- حيزاً من الدماغ، وتؤثر في السلوك، لذا يجب علينا تحديثها، أو تغييرها، أو التخلّص منها بوجهٍ خاص إن كانت سلبية. يوضّح العلماء في البحث -المذكور أعلاه- الذي درس عمليات الإزالة في الذاكرة العاملة، أن العجز في إزالة هذه المعلومات -الأفكار- يُعتبر سمةً متكررة في كثير من الاضطرابات النفسية والعقلية؛ مثل الاكتئاب، واضطراب القلق العام، واضطراب ما بعد الصدمة، و الوسواس القهري.
على سبيل المثال: يتسم الاكتئاب بعديد من الأفكار السلبية التي تتطفل على الذاكرة، ويتميز القلق بتكرر الأفكار السلبية التي ترتبط بأحداث غير محببة مستقبلية -قد لا تحدث. بالإضافة إلى أن فهم سيطرة الأفكار السلبية ومدى تأثيرها على الشخص، يساهم في الوصف العلاجي لهذه الأمراض النفسية والعقلية. تشير دراسة أخرى إلى أن عملية تكرار التفكير السلبي بين البالغين، ارتبطت بانخفاض في مستوى الإدراك - أو ما يسمى بضعف الإدراك (Cognitive Decline)؛ ما يُسهم في مشكلات الذاكرة. وتشير تلك الدراسة أيضاً إلى ارتفاع في البروتينات الضارة في الدماغ، وزيادة نشاطها نتيجةً للتفكير السلبي المتكرر.
مشكلات الأفكار السلبية
تأثير التفكير بشكل سلبي على الصحة يتضمّن عدداً من الأمثلة التي تتعلق بضغط الدم، وجودة النوم، وأمراض القلب والأوعية الدموية، ومستويات كُلٍ من القلق والاكتئاب والتوتر، وشعور الإنسان بالسعادة والتفاؤل، وغير ذلك. وتناولنا في مقالاتنا الكثير من التفاصيل عن ارتباط الأفكار السلبية التي تتمثل في هيئة الاكتئاب والقلق، والعديد من الاضطرابات النفسية مع التغيرات النفسية والجسدية أو النفسوجسدية غير الصحية التي تهدد عموماً الصحة العامة للفرد، أو حتى بشكل خاص الصحة النفسية. سنتطرق فيما يلي لعدد من الطرق والتقنيات والتكيفات التي يمكن لنا تجربتها للسيطرة على الأفكار السلبية.
إعادة صياغة الأفكار للسيطرة على الأفكار السلبية
يمكن للشخص منّا البدء في إعادة صياغة الأفكار للسيطرة على الأفكار السلبية؛ من خلال عمليات تغيير مسار التفكير. يجب علينا تعلّم كيفية أن نتوقف لوهلة عندما نلاحظ أن عقولنا بدأت بالتفكير بطريقة سلبية؛ وبذلك نسعى جاهدين للحيلولة دون بسط هذه الأفكار السلبية سيطرتها علينا؛ مثل أن نتذكر موقفاً لطيفاً أو ذكرى سعيدة لنغيّر بها الأفكار السلبية. تكمن أهمية هذه الخطوة في أننا نحن المسؤولين عن المعلومات -الأفكار- التي تتغذى عليها عقولنا وتعمل بها، ومن خلالها تستطيع التأثير على صحتنا. ويمكن أن نسعى جميعاً لمحاربة الأفكار السلبية من خلال اختيار عبارات تحفيزية نستبدل بها تلك التي تضاعف من حجم المشاكل في عقولنا أيّاً كان نوعها.
يُنصح أيضاً بتخصيص وقت لعدّ الامتيازات التي نحظى بها -صغيرها وكبيرها- كوسيلة نسعى من خلالها لزيادة شعور الامتنان في أنفسنا وفي عقولنا. ومن طرق إعادة صياغة الأفكار للسيطرة على الأفكار السلبية، التحدث مع الأشخاص الإيجابيين من حولنا؛ والذين يمكنهم مساعدتنا على فَهم سبل التعامل مع هذه الأفكار السلبية. ويمكننا أيضاً الحرص على نمط معيشي صحي نحظى فيه بوجبات صحية كاملة، ونوم هانئ ليلاً، ورياضة بدنية متزنة ومستمرة. ومن طرق إعادة صياغة الأفكار للسيطرة على الأفكار السلبية أن يفكر الإنسان بشكل إيجابي تفاؤلي واقعي -قد يبدو هذا صعباً؛ إلّا أن تمرين التنفس بشكل مستمر يساعد على التفكير في الأمور الحالية التي تسير بشكل سليم، وتعزيز شعور الامتنان، وتحفيز النفس، وتصوّر المستقبل بما يحمله من تغيرات إيجابية، ويكبح سيل الأفكار السلبية.
التأمل واليقظة الذهنية للسيطرة على الأفكار السلبية
يعد التأمل من أنجع الطرق التي يمكننا من خلالها السيطرة على الأفكار السلبية، ويتضمّن التأمل وممارسات اليقظة الذهنية فوائدَ إيجابيةً تقودنا للوصول إلى الاسترخاء الجسدي والعقلي والنفسي، وتساهم في تحقيق السلام الداخلي. فعلى سبيل المثال: يجب على المتأمل أو الممارس لليقظة الذهنية، أن يعزز تركيزه ويستغرق في اللحظة الحالية؛ ما يعني تغييره أو تخلّصه من الأفكار السلبية التي تشغل عقله. وفي التأمل واليقظة الذهنية، أيضاً يركّز الممارسون على تنفّسهم واستعراض أفكارهم دون إصدار أي أحكام مسبقة.
ما الذي تعلمناه عن الأفكار السلبية؟
تنشأ الأفكار، وتحرّك إدراكنا ومعرفتنا، وتؤثر في سلوكياتنا التكيفية. يجب أن نعي أيضاً أن الوقوع تحت سيطرة الأفكار السلبية سمة بارزة في كثير من الاضطرابات النفسية والعقلية التي تحتّم علينا التعامل مع تلك الأفكار السلبية بكثير من الجدية والحزم، ويجب علينا أن لا نغفل عن تأثير الأفكار السلبية على الصحة ككل، والصحة النفسية والعقلية بشكل خاص. بطبيعة الحال؛ الطرق والتقنيات والتكيفات التي يمكننا من خلالها السيطرة على الأفكار السلبية كثيرة، وتشمل إعادة صياغة الأفكار، والتأمل واليقظة الذهنية، والحرص على العيش بصحة فيما يتعلق بالنوم والحركة البدنية والأكل الذي نتناوله، والامتنان، والتفاؤل بشكل إيجابي عقلاني، وتحفيز النفس على التفكير الإيجابي، والحرص على بناء علاقات اجتماعية قوية تساعدنا على تجاوز التفكير بشكل سلبي.
أخيراً؛ يمكنكم الاستفادة وتعزيز الصحة النفسية ذاتياً مع التنويه على أن ذلك لا يُغني بطبيعة الحال زيارة المعالجينً النفسيين، والكشف حال الحاجة الملحّة للتعامل مع الأفكار السلبية التي قد تهدد سلامة الفرد وصحته.