ملخص: يبحث معظم الناس عن السعادة في الأنشطة المسلية مثل مشاهد فيلم سينمائي أو مقابلة الأصدقاء أو الاستمتاع بجلسة استرخاء مريحة. لهذا يتشارك الأشخاص السعداء خصائص محددة تشمل: التمتع بصداقات وعلاقات عائلية متينة وممارسة الأنشطة البدنية، والشعور بالامتنان والرفاهية العاطفية علاوة على الاهتمام بالهوايات الشخصية. لكن هل السعادة أو الرفاهية النفسية مرتبطة فقط بالأنشطة الممتعة؟ وفقاً لدراسة علمية يمكننا الحصول على قدر معين من الشعور بالسعادة والرفاهية النفسية حتّى من خلال أنشطة شاقة وأقل إمتاعاً. الدراسة العلمية التي استمرت عدة سنوات وأجرت 5 تجارب أكدت أن الشغف ليس العامل الوحيد الذي يولد السعادة في ممارسة الأنشطة المختلفة، لأن بإمكاننا الحصول على قدر معين من السعادة والرفاهية النفسية حتّى في الأنشطة الأقل إمتاعا، أو المهام التي نمارسها عادة دون شغف مثل الأعمال المنزلية والواجبات الدراسية. كما أظهرت نتائج الدراسة أن العامل الأساسي الذي يساعد بعض الأشخاص على الشعور بالسعادة في هذه الأنشطة هو: الضبط الذاتي، وإليك التفاصيل.
إذا كان الهدف الأساسي من بعض أنشطتنا اليومية هو تحقيق الشعور بالسعادة، فقد تسهم بعض الأنشطة الأقل إمتاعاً في إسعادنا بطريقة مختلفة.
لا تكمن سعادتنا اليومية دائماً في الأنشطة التي نتوقعها. في هذا السياق كشفت دراسات عديدة القواسم المشتركة بين الأشخاص السعداء. تشمل هذه القواسم دائرة الأصدقاء والعائلة والنشاط البدني المنتظم والشعور بالامتنان والرفاهية العاطفية والهوايات المسلية إلى غير ذلك. كما أننا نختار بعناية بعض عاداتنا اليومية بسبب المتعة التي تقدمها لنا.
هذا ما أكدته دراسة نشرتها مجلة الحافز والعاطفة (Motivation and Emotion) في أبريل/نيسان 2024: الأشخاص السعداء هم الذين ينغمسون بشغف كبير في الأنشطة الممتعة. لكن خلافاً لما يمكن أن نعتقده فإن بعض الأنشطة الأقل إمتاعاً قد يسعدنا أيضاً.
ما الذي توصلت إليه الدراسة؟
لتحديد البرنامج اليومي للأشخاص الأسعد خصص الباحثون روبرت فاليراند (Robert Vallerand) وجان ميشيل روبيشو (Jean-Michel Robichaud) وسونيا رحيمي (Sonia Rahimi) وجوسلين بيلونجي (Jocelyn Bélanger) عدة سنوات لإجراء 5 تجارب مختلفة، تجمع بين مناهج بحث عديدة في الولايات المتحدة الأميركية وكندا وفقاً لما أورده موقع ساي بوست (PsyPost).
كان الهدف من التجربة الأولى استطلاع آراء 409 شبان حول مدى شغفهم بالأنشطة الأربع الأساسية في الحياة وهي: الدراسة والهوايات المفضلة والعلاقات العاطفية والصداقات. علاوة على ذلك قيّم الباحثون الرفاهية النفسية للمشاركين بالاعتماد على 3 معايير: الازدهار الشخصي والشعور بالرضا عن الحياة ومعنى الحياة.
لم تظهر أيّ مفاجأة كبيرة في النتائج إذ أفاد المشاركون الذي يتمتعون بأفضل مستويات الرفاهية النفسية أنهم شغوفون بالأنشطة الحياتية الأربع كلّها. وأشارت النتائج إلى أن الأشخاص الأسعد هم أولئك الذين يشاركون بشغف في مجالات عدة من مجالات الحياة بطريقة متناغمة ومتوازنة ومرنة.
السر في الانضباط الذاتي والأنشطة الأقل إمتاعاً
في التجربة الثانية التي أجراها فريق الباحثين أجاب 516 مشاركاً شاباً عن أسئلة الاستبانة ذاتها التي جرت في التجربة الأولى، علاوة على اختبارات تقييم إضافية حول الضبط الذاتي، بما في ذلك قدرة المشاركين على تحفيز أنفسهم على إنجاز أنشطة أقلّ إمتاعاً، مثل الأعمال المنزلية أو الواجبات الدراسية.
وخلافاً لافتراضات الباحثين فقد أظهرت التجربة أن الأشخاص الأسعد لم يكونوا شغوفين بالأنشطة كلها. واتّضح مثلاً أن المشاركين الأكثر ازدهاراً لا يتعاملون مع هذه المهام بشغف، بل بالاعتماد على مستويات عالية من الانضباط الذاتي، أي وفقاً لاختيارهم الحر ومسؤوليتهم الشخصية.
في التجربة الثالثة طلب الباحثون من 251 مشاركاً اتّباع برنامج يومي نموذجي يشمل الأنشطة الممتعة والأقل إمتاعاً، ثم تقديم تقرير حول عواطفهم الحالية ورفاهيتهم النفسية العامة. كشفت النتائج ارتباط التنظيم الذاتي المحفز على إنجاز الأعمال المنزلية بعواطف أكثر إيجابية، على الرغم من أن تأثيره كان أقل وضوحاً من تأثير الشغف المرتبط بالأنشطة الممتعة.
وقد تفيد هذه النتائج أن إنجاز أنشطة أقل إمتاعاً في حياتنا اليومية يمكن أن يسهم في تعزيز رفاهيتنا الشخصية، ولو بمستويات أقل من الأنشطة التي نمارسها بشغف. وكتب الباحثون في خلاصة الدراسة ما يلي: "يمثل هذا البحث تقدماً كبيراً في دمج منظورات الشغف والتنظيم الذاتي والتأثير، وتسهم هذه الخطوة في فهم كيفية تأثير مشاركة الأفراد في الأنشطة الحياتية في رفاهيتهم النفسية".