يُعرف "روبرت ستيرنبرغ" (Robert J. Steinberg)؛ أستاذ التنمية البشرية في كلية علم البيئة البشرية بجامعة كورنيل، بعدد من الأعمال الفريدة في الذكاء، وأساليب الإدراك، والحب، والإبداع. كتب ستيرنبرغ "نظرية مثلث الحب" (A triangular theory of love) في منتصف الثمانينات الميلادية من القرن الماضي، بهدف تحليل العلاقات البشرية الوطيدة ومقياس الرضا.
يشير ستيرنبرغ إلى أن مثلث الحب يتكون من ثلاثة مكونات أساسية من شأنها تحديد ماهية ذلك الحب وبعض سماته المهمة التي تُنتج لنا أنواع الحب السبعة، وهي: الشغف، والألفة أو المودة أو الحميمية، والالتزام أو القرار.
عالمية نظرية مثلث الحب
في دراسة بحثية حديثة نُشرت في شهر أغسطس/آب 2020، حلل العلماء عينة تتكون من نحو 7,332 شخصاً من 25 دولة تمثّل جميع قارات العالم التي تحتوي على حضارات إنسانية، استطاع العلماء أن يتوصلوا إلى نتائج مشابهة لما تقترحه نظرية مثلث الحب عن تفاعلات المكونات الرئيسة الثلاثة.
فعلى سبيل المثال؛ يظهر الشغف بشكل ملحوظ في أغلب علاقات الحب قصيرة الأجل، بينما يظهر الالتزام علاقة إيجابية طردية مع طول عدد السنوات - أي أن الالتزام يزداد كلما زادت مدة العلاقة.
مؤشر الرضا والعمر
وفي دراسة أخرى، وجد العلماء أن العمر لا يخلق أي فارق في حالة العلاقات العاطفية بين الشركاء، بينما يُعتبر الرضا مؤثراً رئيساً في تحديد ظهور أحد أنواع الحب السبعة؛ أي أن مؤشرات الرضا يمكن أن تتنبأ بنوع الحب الذي قد يتولد خلال علاقات الحب تلك.
وفي نفس السياق؛ وجد العلماء أن الحب الفارغ الذي يفتقر للشغف والحميمية ويُبنى على الالتزام فقط، كان الأعلى انتشاراً، مع حصوله على أعلى النسب في جميع مستويات الرضا التي تمت دراستها.
مكونات نظرية مثلث الحب
وفقاً لنظرية مثلث الحب، فالعلاقات الإنسانية المبنية على الحب يمكن فهمها من خلال ثلاثة مكونات رئيسية تتوزع على زوايا المثلث؛ بحيث تمثّل تفاعلات هذه المكونات السمات الرئيسية التي تؤثر على سمات العلاقات الوثيقة ومؤشرات الرضا فيها.
وفي نفس السياق، فغياب المكونات السابقة يعني أن تتسم العلاقات الإنسانية بعدم وجود الحب حسب مفهوم النظرية الشمولي.
الحميمية
تتربّع ”الحميمية“ (Intimacy) -أو الألفة أو المودة- على رأس المثلث كونها المكون الأول، وتشير الحميمية في الحب إلى التقارب والترابط والتواصل والاهتمام والاستثمار العاطفي من كل طرف في العلاقة.
في بعض الأحيان؛ يصف العلماء الحميمية على أنها دفء الحب. وفي الواقع، فقد تتشكل الحميمية في صور الألفة أو المودة بشكل عام؛ بحيث لا تكون حصرية على علاقات الحب العاطفية، وذلك عندما تظهر أيضاً تجاه الإخوة أو الوالِدين أو الأصدقاء المقربين.
الشغف
يتمركز ”الشغف“ (Passion) في الزاوية اليسرى للمثلث كالمكون الثاني، ويشير إلى العاطفة التي تحرّك الدوافع المؤدية للرومانسية، والجاذبية الجسدية، والإشباع الجنسي، وحتى الهوس. وبالتالي؛ يشمل الشغف تلك العاطفة الإنسانية ضمن نطاقه بحيث تنتج عنها مصادر لا نهائية من التحفيز، وأشكال متعددة من الإثارة الأخرى التي تؤدي بالنهاية إلى تجربة ذلك الشغف بشكل حقيقي في علاقات الحب.
الالتزام
يتمركز ”الالتزام“ (Commitment) -أو القرار- في الزاوية اليمنى للمثلث كالمكون الثالث، ويشير في المدى القصير إلى عملية اتخاذ قرار جدّي بدخول علاقة عاطفية بين شخص وآخر.
وعلى المدى الطويل؛ يمثّل الالتزام عملية التمسّك بذلك الشخص والحفاظ على الحب تجاهه، وهنا يُعرف الالتزام في حقيقة كونه مكوّن صنع القرار حول وجود علاقة الحب تلك، وشاهداً على احتمالية الالتزام طويل الأمد.
أنواع الحب
لا شك في أن نظرية مثلث الحب لا تتوقف عند المكونات الثلاثة السابقة؛ بل تمتد إلى تحليل وتفسير التفاعلات بينهم بمنطقية من خلال تسمية سبعة أنواع للحب تظهر كما يلي:
الحميمية فقط
يمثّل حب الحميمية فقط -أو حب الإعجاب- رأس المثلث بمعزل تام عن التفاعل مع المكونات الأخرى، ويصف هذا النوع من الحب تلك العلاقات التي تغمرها مشاعر الألفة والمودة مع غياب تام لمشاعر الشغف والالتزام، سواءً القصير أم الطويل. وقد يكون ذلك الحب المبني على الحميمية فقط، أو الإعجاب بشخص آخر، مماثلاً للصداقات العابرة، وممهداً لنشأة علاقات أكثر عمقاً.
الشغف فقط
بطبيعة الحال؛ يظهر حب الشغف، أو حب النظرة الأولى الذي يقع في الزاوية اليسرى للمثلث، نتيجة الفتنة التي تنتجها مشاعر الجاذبية الجسدية للآخر، أو الشهوة الجنسية في غياب تام للحميمية والالتزام.
ويغذي الشغف الإنسان المحب بمشاعر قوية عارمة تجعل من حب النظرة والذي لابد أن ينتهي نتيجة عدم وجود تقارب حقيقي وترابط وتواصل واهتمام. وفي نفس السياق؛ عندما يغيب الالتزام، فذلك يعني عدم ضمان استمرار ذلك الافتتان المؤقت.
الالتزام فقط
يقع في الزاوية اليمنى للمثلث، ويمثّل الحب الخاوي أو الفارغ نتيجة غياب الحميمية والشغف. فعلى سبيل المثال، قد يصف لنا هذا الحب تلك المرحلة التي تظهر بعدما تتدهور بعض علاقات الحب القوية فتصبح قائمة على الالتزام فقط.
بالإضافة إلى ذلك؛ فالحب الخاوي أو الفارغ قد يصف بداية مراحل الزواج المرتب -من قبل الأهالي- ذلك الذي يبدأ فارغاً ولكنه يزدهر إلى شكل آخر من الحب أكثر عمقاً بمرور الوقت.
وعلى سبيل المثال؛ عادةً يظهر حب الالتزام بشكل ملحوظ وجليّ بين كبار السن الذين تغيب بينهم الحميمية والشغف، ويبقى التزامهم لاعتبارات مختلفة - إمّا شخصية أو إنسانية أو مجتمعية.
الحميمية والشغف
يمثّل هذا الحب من عنوانه التفاعلات بين الحميمية والشغف؛ بحيث يجمع بين الألفة والمودة التي تظهر في صور التقارب الجسدي والمكاني والترابط الحقيقي في الواقع، والتواصل العميق والاهتمام المستمر مع العاطفة القوية التي تحرّك الدوافع المؤدية للرومانسية، والجاذبية الجسدية، والإشباع الجنسي.
وقد يسمى الحب الرومانسي الذي يصف حالة الولع والتوق التي تظهر في بداية علاقات الحب وتشعل لهيبه بين طرفين لم يقرروا بعد الالتزام لا لمدة قصيرة ولا طويلة؛ بحيث قد ينتهي ذلك الحب في مرحلة ما.
الحميمية والالتزام
يُنتج التفاعل بين الحميمية والالتزام نوعاً من الحب الحميمي غير العاطفي، فلا يكاد يحتوي على جاذبية جسدية أو جنسية، ويتضمن هذا الحب عواطف الإعجاب وقرار الالتزام الذي يجعله أقوى من الصداقات العادية العابرة، نتيجة وجود الالتزام طويل الأمد.
وعلى سبيل المثال؛ قد يظهر في العلاقات الزوجية التي قد انتهى فيها الشغف مع بقاء عواطف الارتباط العميقة والالتزام المستمر.
الشغف والالتزام
يسمى بالحب السخيف لأنه يفتقر لمكون الحميمية أو الإعجاب الذي يتمثّل في دفء الحب. بطبيعة الحال؛ يفتقر هذا الحب للتواصل العميق والاهتمام المستمر الذي يبني العلاقة بشكل عميق مع الآخر، مع إدراك حقيقي له وللتقارب الجسدي والمكاني وللترابط الحقيقي في الواقع. وفي الحقيقة؛ تتسم العلاقات الزوجية المبنية على الشغف والالتزام بقصر عمرها.
الحميمية والشغف والالتزام
يمثّل هذا الحب اكتمال التفاعل بين المكونات الثلاثة: الشغف، والألفة أو المودة أو الحميمية، والالتزام أو القرار. ويصف ستيرنبرغ ذلك الحب بنوع من الحب الذي يسعى الكثير منا إليه، خاصة في العلاقات الرومانسية، يشبه تحقيق الحب الكامل ف تحقيق هدف شخصي؛ مثل النجاح في محاولات إنقاص الوزن الحثيثة.
إن بلوغ الحب الكامل لا يضمن استمراره، ففي الواقع؛ يمر الحب بتقلبات من شأنها جعل الوصول إلى ذلك الهدف أسهل من الحفاظ عليه في أغلب الأحيان.
ختاماً؛ العمل جدياً على الوعي بماهية الحب الذي نمارسه وأسبابه ودوافعه من خلال تفحصنا لمكوناته التي حددها ستيرنبرغ، قد تجعلنا أكثر قدرة على ضمان استمراريته بأعلى مستوى من الرضا.