ملخص: قد يشعر البعض بتسارع مرور الوقت مع التقدم في العمر. يمكن أن يرجع ذلك إلى عدة أسباب نفسية؛ منها تأثير الروتين اليومي الذي يقلل إدراك الوقت، وتناقص الوعي بالزمن مع التقدم في العمر، وزيادة المسؤوليات التي تشغل الوقت. إلى جانب تأثير التكنولوجيا وضغط التوقعات الاجتماعية في تسارع الشعور بالوقت. قد يؤدي هذا الشعور إلى التحسر على ما مضى، ويزيد الإحساس بضرورة تعويض ما لم يُنجَز سابقاً في الوقت المتبقي. ويمكن التعامل مع هذا الشعور عن طريق ممارسة التأمل، والاحتفال بالإنجازات الصغيرة، وتعلم مهارات جديدة، وتنظيم الوقت. بالإضافة إلى بناء علاقات قوية، والتمتع بالاستقرار الذي تجلبه مرحلة النضج.
محتويات المقال
إذا عدنا بالذاكرة إلى طفولاتنا، قد نجد أن العطلة الصيفية كانت تبدو لنا طويلة جداً؛ مليئة بالأحداث والأنشطة المختلفة. بالمقارنة، قد نشعر عندما نكبر أن الوقت يمضي بسرعة مذهلة. في الحقيقة، يعد الوقت أحد أكثر المفاهيم غموضاً وإثارة للتفكير في حيواتنا اليومية. قد يلاحظ كثيرون أنه يمر أسرع كلما تقدموا في العمر؛ ما يمكن أن يُشعرهم بالتحسر على ما فات، أو ما لم ينجزوه. تثير هذه الظاهرة الشائعة عدة تساؤلات حول أسباب هذا الشعور. في هذا المقال، نستعرض الأسباب النفسية التي قد تفسر هذه الظاهرة، وطرائق التعامل مع الشعور بتسارع الوقت كلما تقدمنا في العمر، ونصائح لاستعادة الاستمتاع باللحظات الثمينة في الحياة.
اقرأ أيضاً: لماذا نشعر بأن وقت الإجازة ينقضي بسرعة؟ وكيف نبطئ الوقت خلالها ونستمتع به؟
5 أسباب نفسية تجعلك تشعر أن الوقت يمضي بسرعة مع التقدم في العمر
يعد إدراك الوقت شعوراً ذاتياً، فبعكس الساعة، إدراك الوقت ليس ثابتاً، ويمكن أن يختلف بين الأشخاص وعلى حسب المواقف. ويتأثر الوقت بعدة عوامل؛ تشمل الانتباه والعاطفة والذاكرة. فعلى سبيل المثال؛ يميل الأطفال إلى الاعتقاد أن الأحداث المثيرة للاهتمام والممتعة تستمر فترة أطول؛ بينما يعتقد البالغون أن الأنشطة المملة تستغرق وقتاً أطول. هناك العديد من الأسباب النفسية وراء هذه الظاهرة، وفيما يلي بعض التفسيرات المحتملة:
- التعود على الروتين: تؤدي الذاكرة دوراً كبيراً في كيفية إدراكنا للوقت؛ حيث تترك التجارب الجديدة والمكثفة انطباعاً أكبر خاصة في الصغر، فيزداد تركيزنا على التفاصيل الدقيقة، وننشئ ذكريات أكثر تفصيلاً؛ ما يزيد حاجة الدماغ إلى وقت أطول لمعالجتها، فنشعر أن الوقت يمر بسرعة أقل. مع التقدم في العمر، وتكرار الأنشطة نفسها، نعتاد الروتين اليومي، ونعيش تجارب جديدة بوتيرة أقل، فنشعر أن الوقت يمضي أسرع، فالعقل البشري يميل إلى تقليص الفترات الزمنية التي تكون مليئة بالأحداث المألوفة وغير المميزة. يقول الطبيب النفسي، عمر عادل، لمنصة نفسيتي، إن من أسباب الإحساس بتسارع الوقت مع التقدم في العمر توقف الذاكرة عن أداء وظيفتها في الترميز أو تخزين الذكريات الجديدة؛ ويرجع ذلك بطبيعة الحال إلى ضعف الذاكرة مع مرور العمر، وعدم وجود أحداث جديدة تستحق التخزين.
- تناقص الوعي بالزمن: قد تقل حساسية الدماغ في إدراك مضي الوقت مع التقدم في العمر؛ بسبب التغيرات في معالجة المعلومات الزمنية. فمع التقدم في العمر، تمثل السنوات الجديدة جزءاً أصغر من حيواتنا الإجمالية؛ ما يفسر شعورنا بتسارع الوقت. فعلى سبيل المثال؛ تمثل السنة بالنسبة إلى طفل سنّه 10 سنوات 10% من حياته؛ بينما تمثل هذه السنة 2% بالنسبة إلى شخص سنّه 50 سنة.
- زيادة المسؤوليات والانشغالات: تزداد المسؤوليات مع التقدم في العمر، سواء في العمل أو الحياة الشخصية، فيزداد انشغال الشخص، وتملأ هذه المهام الوقت، فتمر الأيام والأسابيع بسرعة دون ملاحظة.
- التكنولوجيا وضغط التوقعات: أدى انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، واقتناء الهواتف الذكية إلى زيادة غير مسبوقة في سرعة الحياة. فتدفق المعلومات على مدار الساعة قد يزيد الشعور بتسارع الأحداث، وصعوبة مواكبتها؛ حيث يحاول الكثيرون استيعاب كميات هائلة من المعلومات في وقت أقصر؛ لذلك قد يشعرون بمضي الوقت بسرعة أكبر. إلى جانب الإجهاد الذهني؛ حيث يتطلب من الدماغ تحليل معلومات جديدة ومعالجتها باستمرار في فترة وجيزة، فتمر الأيام بسرعة دون أن ندركها. علاوة على ذلك، مع تزايد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، تزداد التوقعات الاجتماعية في المقابل حول المشاركة الدائمة والرد السريع على الرسائل والإشعارات. يزيد هذا الضغط الاجتماعي الإحساس بسرعة الحياة؛ بسبب زيادة انشغال الأشخاص ومحاولاتهم الاستجابة لتلك التوقعات لحظياً؛ ما يعزز الشعور بمضي الوقت بسرعة أكبر.
- الثقافة والتقاليد المجتمعية: تسهم الثقافة في كيفية إدراكنا للوقت، وتتأثر توقعاتنا حول الوقت بالتقاليد والقيم المجتمعية. فمثلاً؛ قد يُنظر إلى الوقت في الثقافات الغربية على أنه مورد يجب استغلاله بكفاءة؛ ما يعزز قيمة السرعة والإنتاجية. لكن قد يشعر أفراد هذه المجتمعات بمضي الوقت بسرعة؛ لأنهم يسعون دائماً إلى تحقيق أهداف جديدة. بينما في مجتمعات أخرى، تُعطى الأولوية للتوازن بين العمل والحياة الشخصية؛ حيث يزداد التركيز على أهمية التفاعل الاجتماعي، والعيش في اللحظة الراهنة، فيشعر الأفراد في هذه الثقافات بأن لديهم مزيداً من الوقت للاستمتاع بالحياة؛ ما قد يُشعرهم ببطء مرور الوقت.
اقرأ أيضاً: الكرونوفوبيا: لماذا يرتعب البعض من مرور الوقت؟ وماذا يفعلون للتغلب على خوفهم؟
كيف تتعامل مع شعورك أن الوقت يمضي بسرعة؟
لن يمكننا أن نوقف الزمن، ولن يفيد التحسر على ما مضى منه. ومع ذلك، يمكن أن نجرب طرائق لتقليل وطأة الشعور بسرعة مضي الوقت كلما تقدمنا في العمر، وتطبيق مجموعة من الاستراتيجيات والحلول لتحقيق أقصى استفادة من وقتنا الذي نمضيه في هذه الحياة؛ مثل:
- مارس تمارين التأمل اليقظة الذهنية (Mindfulness): خصص 10-15 دقيقة يومياً لممارسة التأمل أو تمارين اليقظة الذهنية؛ مثل التركيز على التنفس، أو ملاحظة ما حولك، ومحاولة الاستمتاع باللحظات العابرة والتفاصيل البسيطة في الحياة اليومية؛ مثل تناول الطعام، أو مشاهدة غروب الشمس. يمكن أن تزيد هذه الممارسات والتمارين وعيك باللحظة الحالية، وتعزز شعورك بقيمة الوقت، وتقلل إحساسك ببطء مروره.
- احتفل بإنجازاتك الصغيرة: احتفظ بمفكرة لتسجيل إنجازاتك اليومية، مهما كانت صغيرة؛ مثل إنهاء قراءة فصل من كتاب، أو قضاء وقت ممتع مع العائلة، فتدوين الإنجازات يعزز الشعور بتحقيق الذات، ويُشعرك بقضاء الوقت بطريقة فعالة. وتُمكنك ممارسة تمارين الامتنان يومياً عن طريق كتابة 3-5 أشياء تُشعرك بالامتنان مهما كانت بسيطة؛ مثل الاستمتاع بفنجان قهوة في الصباح، أو ملاحظة جمال الطبيعة في طريقك إلى العمل. بالإضافة إلى ذلك، يشير الطبيب النفسي، عمر عادل، إلى أهمية التركيز على الذكريات الإيجابية، بدلاً من استحضار الذكريات السلبية، وتذكر كل ما هو جميل في الحياة، وما حققه الشخص من إنجازات.
- تعلم باستمرار وخض تجارب جديدة: تسهم ممارسة أنشطة يومية متنوعة؛ مثل القراءة، أو الطبخ، أو ممارسة الرياضة، في الحفاظ على النشاط الجسدي والعقلي. لكن يمكنك تعزيز قدراتك العقلية والإدراكية بتجربة الاشتراك في دورات تعليمية، عبر الإنترنت مثلاً، لتعلم مهارات جديدة؛ مثل البرمجة أو اللغات، أو ممارسة رياضة جديدة؛ مثل ركوب الدراجات أو اليوغا، أو العمل على مشروعات إبداعية؛ مثل الكتابة، أو الرسم، أو الحرف اليدوية. تتطلب هذه الأنشطة مستوىً عالياً من التركيز والانخراط العميق، وتقلل الشعور بمضي الوقت بسرعة، وتساعدك على البقاء نشطاً عقلياً وجسدياً. وفي السياق نفسه، يمكن أن يساعدك التخطيط لرحلات إلى أماكن جديدة واستكشاف ثقافات مختلفة، على كسر الملل الذي قد يرافق الروتين اليومي، ويضيف تحديات جديدة إلى الحياة اليومية، ويصنع ذكريات مميزة وتجارب مختلفة تدوم فترة أطول.
- تنظيم الوقت وتحديد الأهداف: استخدم تقنيات إدارة الوقت؛ مثل تقنية بومودورو (Pomodoro Technique)، لتنظيم العمل والراحة، من خلال العمل فترات زمنية محددة، وأخذ استراحات قصيرة فيما بينها؛ ما يعزز الشعور بالتحكم في اليوم، ويقلل الإحساس بمرور الوقت بسرعة.
- ابنِ علاقات قوية: انضم إلى مجموعات دعم، أو نوادٍ اجتماعية أو مجموعة قراءة، أو فرقة موسيقية، أو نادي رياضة محلي. تسهم هذه الأنشطة في تكوين ذكريات جديدة، وتعزيز الروابط الاجتماعية، وتحسين العلاقات مع الآخرين؛ حيث تزيد العلاقات الاجتماعية القوية الرفاهية النفسية، وتقلل الشعور بالوحدة. ويمكنك الانخراط في أنشطة تطوعية؛ مثل تعليم الأطفال، أو المشاركة في برامج بناء المنازل في المجتمعات الفقيرة؛ ما يضيف قيمة ومعنىً إلى الوقت.
- كن ممتناً للاستقرار: قد لا تكون مرحلة النضوج مليئة بالتجارب الغامرة، مقارنة بسنوات الحياة الأولى؛ إلا أنها تتسم بالاستقرار. فبمرور الوقت، نزداد معرفة وقدرة على إدارة مشاعرنا وأفكارنا؛ ما يزيد سيطرتنا على حيواتنا، ويعزز الشعور بالرضا. لذلك؛ قدّر اللحظات الصغيرة، واستمتع بالاستقرار الذي تجلبه مرحلة النضج.