تتجلى الحاجة إلى إرضاء الناس في إعطاء الأولوية لاحتياجات الآخرين قبل الاحتياجات الشخصية، وقد يحدث ذلك أحياناً على حساب راحتك ورفاهيتك. ترى المعالجة النفسية إلين ستراوس (Ilene Strauss) في مقال نشره موقع سايكولوجي توداي (Psychology Today) أن جذور هذا السلوك تعود إلى مرحلة الطفولة التي نتعلم خلالها البحث عن استحسان الآخرين وتأييدهم للشعور بالطمأنينة والحب. ثم يتحول هذا السلوك بمرور الوقت إلى استجابة تلقائية، إذ نحرص على تلبية توقعات الآخرين حتّى لو كانت غير عادلة أو مبالغاً فيها.
محتويات المقال
يمكن أن يقود سلوك الحرص على إرضاء الناس إلى دورة مفرغة لا نستطيع ونحن عالقون فيها أن نقول لا، أو نعبر عن احتياجاتنا الشخصية خوفاً من عدم رضاهم. قد يصبح هذا السلوك مرهقاً لصاحبه لأنه يتطلب يقظة مستمرة للحفاظ على تأييد الآخرين. والأسوأ من هذا أنه يعرّضنا إلى التلاعب لأن المتلاعبين يدركون فطرياً كيف يستغلون هذا الضعف لمصالحهم الشخصية.
لماذا يوقعك الحرص على إرضاء الناس ضحية للتلاعب؟
توضح ستراوس أن المتلاعبين يكشفون بسرعة الأشخاص الذين لديهم حاجة قوية إلى إرضاء الآخرين. فيستغلون موطن الضعف هذا من خلال خلق بيئة يجد فيها الآخر نفسه مجبراً على إرضاء المتلاعب لتجنّب النزاع أو الرفض. ويمكن أن يتجلى هذا الاستغلال في صور عديدة مثل طلب الخدمات باستمرار أو ممارسة الضغط أو الابتزاز العاطفي.
يبرر الأشخاص الذين يحبون إرضاء الآخرين في معظم الأحيان السلوكيات المسيئة التي يتعرضون إليها أو يقللون من تأثيرها، ويعتقدون أن الموقف سيتحسن بمجرد بذل مزيد من الجهد لإرضاء الآخرين. لكن هذه الدينامية لا تؤدي في الواقع إلّا إلى تعزيز موقف المتلاعب وسلطته، وإرهاق الضحية أكثر.
اقرأ أيضاً: كيف تبقى لطيفاً دون الوقوع في فخ الإرضاء المفرط للآخرين؟
كيف تتخلص من الحاجة إلى إرضاء الآخرين؟
الخطوة الأولى في عملية التخلص من الحاجة إلى إرضاء الآخرين هي إدراك أن هذا السلوك يتغذى في الغالب على خوفك العميق من الرفض أو عدم التأييد. من المهم أن تفهم أن قول لا أو التعبير عن احتياجاتك الشخصية لا يعني أنك ستتعرض تلقائياً إلى الرفض. يسمح لك قبول هذه الحقيقة بالشروع في مواجهة هذه المخاوف غير المنطقية.
ثم من المهم أن تتعلّم فرض حدودك الشخصية حتّى لو أدى ذلك إلى عدم رضا البعض. قد يبدو إعطاء الأولوية لاحتياجاتك الشخصية نوعاً من الأنانية في البداية، لكنه في الحقيقة فعل يعبر عن احترامك لذاتك. قد يتطلب هذا النهج وقتاً وممارسة لكنه ضروري لحماية نفسك من التلاعب واستعادة توازن عاطفي صحي.
اقرأ أيضاً: هل تحتار بين إرضاء الآخرين وإسعاد نفسك؟ إليك الحلول النهائية
اكتشف الطريق نحو الاستقلالية العاطفية
تتطلب الطريق نحو الاستقلالية العاطفية أيضاً إعادة تقييم علاقاتك. إذا كان بعض الأشخاص في محيطك يُشعرك باستمرار بأنك يجب أن تُرضيه كي يتقبلك، فقد حان الوقت كي تعيد النظر في علاقتك به. إن الارتباط بأشخاص يتقبلوننا بفضل شخصياتنا الأصيلة وليس بسبب ما نقدمه إليهم ضروري لصحتنا النفسية.
في النهاية يجب أن تدرك أن التخلص من الحاجة إلى إرضاء الآخرين فعل يعبر عن شجاعتك وحبّك لذاتك. فهو يسمح لك بإعادة اكتشاف إحساس أكثر أصالة بذاتك وبناء علاقات أكثر توازناً. كما أنّ تعلّم قول لا للآخرين واحترام حدودك الشخصية لن يحميك من المتلاعبين فحسب، بل يمكن أن يفتح الباب على مصراعيه أمام تفاعلات أكثر صدقاً مع الآخرين.