بينت دراسة حديثة منشورة في دورية بلوس وان (PLOS ONE) في أغسطس/آب عام 2024، أن المحتوى المؤيِّد لفقدان الشهية (pro-ana) المتداول على تيك توك، يثير شعور الشابات بعدم الرضا عن صورة أجسادهن، ويجعلهن أكثر ميلاً نحو تبني كلٍّ من معايير الجمال المجتمعية غير الواقعية وسلوكيات الأكل المضطربة. فما الذي توصلت إليه الدراسة بالتحديد؟ وكيف يمكن تجنب هذه الآثار الضارة؟ إليك التفاصيل.
محتويات المقال
اقرأ أيضاً: تعرّف إلى أنواع اضطرابات الأكل الخمسة
كيف يهدد هذا المحتوى نظرة الفتيات إلى أنفسهن؟
في البداية، المقصود بـ "المحتوى المؤيِّد لفقدان الشهية" (Pro-ana) هو الترويج للسلوكيات المرتبطة باضطراب فقدان الشهية العصابي؛ حيث يروّج هذا المحتوى إلى أن قلة الشهية (الخوف الشديد من اكتساب الوزن) هو نمط حياة قابل للاختيار والتطبيق وليس اضطراباً.
في حين يوضح الطبيب النفسي ناصر الهندي إن فقدان الشهية العصابي هو اضطراب يجعل الإنسان يرى كامل جسده أو بعض أجزائه تعاني السمنة؛ في حين أنه ليس كذلك على أرض الواقع. ونتيجة هذه الأفكار؛ فإن الشخص يقلل الطعام أو يجبر نفسه على التقيؤ أو يتناول الملينات التي تقلل الاستفادة من الطعام.
ونتيجة انتشار عدد لا يحصى من مقاطع الفيديو التي تروِّج لممارسات الأكل المضطربة والصور النمطية عن الأجساد النحيلة على تطبيق تيك توك، فقد قرر الباحثون في جامعة تشارلز ستورت (Charles Sturt) الأسترالية تقصي تأثيرها في الفتيات المتابعات.
حيث شملت الدراسة 273 مشاركة من الإناث تتراوح أعمارهن بين 18 و28 عاماً؛ بعضهن تابع محتوىً مؤيداً لفقدان الشهية في حين تابع البعض الآخر محتوىً محايداً على تيك توك، فكانت النتائج كالتالي:
- انخفاض فوري في الرضا عن صورة الجسم: شهدت الفتيات اللاتي تعرضن إلى محتوىً مؤيد لفقدان الشهية انخفاضاً كبيراً وفورياً في الرضا عن صورة الجسم مقارنة بأولئك اللاتي شاهدن محتوىً لا يركز على فقدان الشهية.
- التّطبّع بمعايير الجمال المجتمعية: وجدت الدراسة أيضاً أن التعرض إلى محتوىً مؤيد لفقدان الشهية يؤدي إلى تبني معايير الجمال المجتمعية غير الواقعية والمضرة غالباً التي يروّج لها هذا المحتوى المنشور.
- سلوكيات الأكل المضطربة: استكشف البحث أيضاً علاقة بين الوقت الذي تقضيه النساء على تيك توك وتطور سلوكيات الأكل المضطربة؛ حيث لاحظ الباحثون أن المشاركات اللواتي تابعن تيك توك متابعةً مكثفة يومياً أبلغن عن مستويات أعلى من سلوكيات الأكل المضطربة.
اقرأ أيضاً: لا تعلّق على وزنه وأكله: إليك 5 جمل لا تقُلها للمصاب باضطرابات الطعام
ليس في الفتيات فقط! كيف يؤثر المحتوى المشابه في الصحة النفسية للرجال؟
تسلط هذه الدراسة الضوء على التأثير الكبير الذي يمكن أن يُحدثه محتوى وسائل التواصل الاجتماعي في الصحة النفسية للشابات؛ إذ يبدو أن المحتوى الذي يمجّد النحافة، على وجه الخصوص، له تأثيرات مضرة فورية في صورة الجسم؛ ما قد يجعل الشابات أكثر عرضة إلى الإصابة باضطرابات الأكل أو غيرها من مشكلات الصحة النفسية ذات الصلة.
وهذا التأثير لا يقتصر على الفتيات أو النساء فقط؛ بل إن الرجال الذين يتابعون المحتوى الذي يركز على بناء العضلات ومعايير الجمال غير الواقعية معرضون أيضاً إلى تكوين صور سلبية عن أشكال أجسامهم.
ومما تنبغي معرفته أن الصورة السلبية عن الجسد لا تقتصر على عدم الرضا عن شكل الجسم فحسب؛ بل قد تكون نتائجها أفظع بكثير؛ إذ ترتبط بتدني احترام الذات وانخفاض الرضا عن الحياة وانعدام الثقة بالنفس، بالإضافة إلى العديد من مشكلات الصحة النفسية.
على سبيل المثال؛ وجدت مراجعة منشورة في دورية الرعاية الصحية (Healthcare) في يوليو/تموز عام 2024، أن التعرض المستمر إلى صور الأشخاص الذين يتمتعون بقياسات جسدية مثالية، بناء على معايير الجمال المجتمعية، يسبب نتيجة المقارنة كلاً من تدني احترام الذات والاكتئاب واضطرابات الأكل، بالإضافة إلى القلق الشديد.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن للعلاقة السيئة بينك وبين والدك أن تصيبك بوهم التشوه الجسدي؟
3 نصائح لتستخدم وسائل التواصل الاجتماعي دون أن تضر علاقتك بذاتك
بتّ الآن على علم بما يمكن أن يُحدثه المحتوى الذي تتابعه من أثر سلبي في صحتك النفسية؛ لذا لا بد من اتخاذ بعض الخطوات لحماية نفسك. لكن من المعلوم أنه قد تَصْعُب متابعة وسائل التواصل الاجتماعي بالتزامن مع الحفاظ على علاقة صحية مع الذات، خاصة عندما يتعلق الأمر بصورة الجسم؛ لكنه ليس مستحيلاً، وإليك بعض النصائح الأساسية لتحقيق ذلك:
1. انتبه إلى طريقة عمل خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي واستخدمها لصالحك
تستخدم منصات الوسائط الاجتماعية خوارزميات معينة من أجل تحديد المحتوى الذي يظهر في موجز الأخبار الخاص بك. تحلل هذه الخوارزميات سلوكك الرقمي؛ مثل ما تتفاعل معه أو تعلق عليه أو تقضي وقتاً في مشاهدته، ثم تقترح محتوى مشابهاً لإبقائك منخرطاً في تصفحها.
لذا؛ ابحث عن المحتوى الذي يرفع معنوياتك وتفاعل معه؛ مثل المنشورات المتعلقة بقبول الجسد، أو العناية بالذات على نحو صحيح. عندما تتفاعل مع هذا النوع من المحتوى، ستتعلم الخوارزمية أن تعرض لك المزيد منه، فتملأ موجزك بالمنشورات التي تروج لعقلية صحية.
عليك أيضاً أن تتجنب المحتوى الذي يروج لمعايير الجمال غير الواقعية أو المحتوى الذي يجعلك تشعر بالسوء تجاه نفسك أو جسدك، فلا تتردد في إخفائه أو حظره أو إلغاء متابعته أو تجاهله.
اقرأ أيضاً: متلازمة بيكا: لماذا يأكل البعض الطين والطباشير؟
2. تَجنَّب فخاخ المقارنة
غالباً ما تعرض وسائل التواصل الاجتماعي لقطات جميلة من حيوات الآخرين؛ لكن ينبغي أن تعلم أن هذه الصور محررة ومفلترة وليست انعكاساً للواقع، علاوة على أنها ليست سوى جزء صغير من حيواتهم، وليست الصورة الكاملة، فمقارنة واقعك اليومي بمقطع فيديو أو صورة خضعت إلى التعديل والمونتاج هي مقارنة غير عادلة. لذا؛ تجنب مقارنة حياتك اليومية أو مظهرك بهذه المنشورات المنسقة، وركِّز بدلاً من ذلك على الجوانب الإيجابية والنعم التي تشعر بالامتنان لها في حياتك الخاصة.
اقرأ أيضاً: ما هو اضطراب الاجترار؟
3. قلل وقتك على الإنترنت
قد يؤدي تقليل متابعة وسائل التواصل الاجتماعي إلى تعزيز صورة الجسد؛ حيث أشارت دراسة منشورة في دورية سيكولوجية وسائل الإعلام الشعبية (Psychology of Popular Media) عام 2023، أن تقليل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بنسبة 50% مدة 3 أسابيع متواصلة يؤدي إلى تحسن كبير في شعور الأشخاص تجاه أوزانهم ومظاهرهم عموماً، مقارنة بأولئك الذين حافظوا على الاستخدام المنتظم. ويمكنك تقليل الوقت الذي تقضيه على وسائل التواصل الاجتماعي من خلال:
- حذف التطبيقات: إن كنت تستخدم تطبيقات التواصل الاجتماعي على نحو متكرر ودون هدف، فاحذفها عن هاتفك وأبقها على الكمبيوتر مثلاً.
- وضع حدود يومية للاستخدام: تتبع مقدار الوقت الذي تقضيه على وسائل التواصل الاجتماعي وحدد حدوداً يومية لمنع الإفراط في الاستخدام.
- إبقاء هاتفك خارج غرفة النوم: لتجنب تصفح الإنترنت في وقت متأخر من الليل أو في الصباح الباكر، اترك هاتفك في غرفة أخرى عندما تذهب إلى السرير. يمكن أن يساعد هذا على تحسين نومك وتقليل وقت استخدام الشاشة.
- إيقاف تشغيل الإشعارات: يمكن لإشعارات وسائل التواصل الاجتماعي أن تجذبك باستمرار إلى التطبيقات؛ لذا فإن إيقاف تشغيلها سيساعدك في التركيز على الأنشطة الأخرى والحد من عوامل التشتيت غير الضرورية.
- المشاركة في أنشطة متنوعة: خصص وقتاً للأنشطة الممتعة التي لا تتطلب استخدام هاتفك؛ مثل مقابلة الأصدقاء أو ممارسة الرياضة أو البستنة أو السباحة. يساعدك هذا على البقاء على اتصال بالعالم الحقيقي والحفاظ على صحتك الجسدية والنفسية.
ختاماً، تذكر أنه إذا كانت وسائل التواصل الاجتماعي تؤثر سلباً في صورة جسدك أو صحتك النفسية على نحو لا تُمكنك السيطرة عليه، ففكر في طلب المساعدة من مختص الصحة النفسية؛ إذ يمكن أن يوفر لك العلاج النفسي أدوات قيمة لمساعدتك في التغلب على هذه التحديات وتطوير صورة ذاتية أكثر صحة.