الابتزاز الجنسي عبر الإنترنت هو شكل من أشكال الاستغلال الجنسي الذي سهّله تطور التكنولوجيا؛ والذي تصاعدت حدته بصورة درامية في الآونة الأخيرة. والابتزاز الجنسي له صور كثيرة، فقد يكون المبتز شخصاً محترفاً يستهدف الإيقاع بالضحايا وجعلهن يثقن به، ويرسلن له صوراً خاصة، أو أي شخص كانت تربطه علاقة ما بالناجية؛ مثل صديق أو شريك، أو حتى زوج سابق، يساومها على ألا ينشر صورها الخاصة على الإنترنت مقابل الأموال، أو إجبارها على ممارسة الجنس أو غيرها من صور الاستغلال. ويُعتبر الابتزاز الجنسي انتهاكاً صارخاً، وغير إنساني، يتعرض له كثير من الفتيات على مستوى عالمي، ويجعلهن يشعرن بالذنب، والعار، على الرغم من أن الأمر ليس خطأهن، وله عواقب مؤسفة آخرها على سبيل الذكر لا الحصر؛ حادث لفتاة مصرية تدعى بسنت خالد، لا تتعدى الثمانية عشر عاماً، أنهت حياتها بعد ابتزازها من قبل مجموعة من الشباب بصور جنسية.
وتبعاً لإحدى الدراسات الصادرة عام 2020 عن العنف السيبراني، فإن التهديدات الإلكترونية ينتج عنها أضرار نفسية، واجتماعية، وأيضاً اقتصادية، ويُنظر إليها عالمياً على أنها مشكلة تطرح تحديات اجتماعية وثقافية واقتصادية يجب مواجهتها. وترى الدراسة أن المبتز يمارس سيطرته من خلال تخويف الضحايا، وفرض العزلة عليهم، وعلى الرغم من أن نسبة حوادث الابتزاز الإلكتروني غير معلومة على وجه الدقة؛ فإنها تمثل مصدر قلق كبير.
في البداية؛ هناك عدة علامات يحذر منها خبراء الأمن الإلكتروني، ربما من الضروري أن تلتفتي إليها قبل إرسال صورك الخاصة إلى أي شخص؛ وهي أن الشخص الذي تتحدثين إليه عبر أي موقع تواصل اجتماعي، لا يتبين أي معلومات شخصية عنه، أو لا يحتوي ملفه على أي شيء، ثم يخبركِ بشكل سريع جداً عن قوة مشاعر الإعجاب تجاهك، ويطلب منكِ ممارسة الجنس عن طريق الفيديو أو إرسال صور إليه. قد يخبركِ أنه بحاجة إلى المساعدة المالية، للعلاج على سبيل المثال. ومن المهم أن تحرصي على أمنك الإلكتروني؛ لكن هذا ليس كل شيء، فقد يستخدم المبتز لمساومتك صوراً معدّلة عن طريق الفوتوشوب، أو حتى تقنية التزييف العميق. لا نريد أن نسبب لكِ الفزع؛ لكن كما قلنا لكِ منذ البداية، إن الأمر ليس خطأك في كل الأحوال.
التأثيرات النفسية للابتزاز الجنسي
بينت إحدى الدراسات الكندية الصادرة عام 2018، التأثيرات النفسية للابتزاز الجنسي للفتيات المراهقات؛ من تأثيرات سيئة على الأداء الدراسي، والإصابة بالقلق، والاكتئاب، وقلة الثقة بالنفس، وقد يمتد الأمر للإصابة بأعراض جسدية مثل الصداع، وآلام المعدة، والظهر، والدوخة، وإيذاء النفس، واضطرابات الطعام. ويندرج الابتزاز الجنسي تحت مظلة العنف ضد المرأة؛ الذي ينتشر بشكل كبير في المنطقة العربية، وتقدر "منظمة الصحة العالمية" أن 37% من النساء اللواتي كان لهن شريك في السابق، في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط قد تعرضن للعنف الجسدي، أو الجنسي في مرحلة من حياتهن، والعنف الجسدي له آثار نفسية سيئة على النساء، فتبعاً للدراسات؛ يتسبب عنف الشريك على النساء في الإصابة بمتلازمة ما بعد الصدمة، والقلق، والاكتئاب، واضطرابات الطعام، وأحيانا الانتحار. وللعنف أيضاً تكلفة اقتصادية على المجتمع بأكمله، ففي مصر، بيّن مسح التكلفة الاقتصادية للعنف القائم على النوع الاجتماعي في عام 2015، أن نحو 5 ملايين و600 ألف امرأة يتعرضن للعنف على يد الزوج أو الخطيب. وقد قُدرت تكلفة العنف الذي تعانيه النساء وأسرهن في مصر، بما لا يقل عن 208 ملايين دولار أميركي في عام 2015.
كيف تتصرفين إذا تعرضتِ للابتزاز الجنسي؟
بحسب الخبراء، فإن هدف المبتز هو أن يصيبك الذعر من أن تنتشر صورك الحميمية بين أهلك، وأصدقائك، وأقاربك. ويستخدم خوفك ضدك لحثك على تلبية طلبه -سواء كان مالياً، أو جنسياً. ابدئي بالتحدث مع شخص تثقين به، سواء من أصدقائك، أو أهلك.
تنصحك "وكالة الجريمة الوطنية" بعدة نصائح:
- لا تفزعي: حاولي أن تبقي هادئة، وتتمالكي مشاعرك.
- لا تستجيبي للابتزاز وتدفعي أموالاً أو أي شيء يطلبه المبتز. وينصحكِ الخبراء بألا تتواصلي مع المبتز، حتى لو كان تهديده عنيفاً، وهو الأمر ذاته الذي تنصح به حملات مكافحة الجرائم الرقمية في دولة الإمارات.
بعد ذلك؛ تواصلي مع شخص تثقين به من أهلك، أو أصدقائك، أو طبيبك النفسي، أو المنصات المعنية بالأمر، من الضروري أن تقطعي كل سبل التواصل مع المبتز، وتسجلي دلائل تهديد المبتز لكِ؛ مثل تسجيل المحادثات، وتصوير للشاشة (screenshots).
هل تعرضت ابنتكم للابتزاز؟ ما العمل؟
إذا وقعت ابنتكم ضحية للابتزاز الجنسي الإلكتروني؛ فينصحكم "مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي" (FBI) بأن تستمعوا لها، وبأن تدعموها، أخبروها أنها ضحية، وليست المخطئة، وأنكم على استعداد لمساعدتها. أخبروها أنها ليست وحدها في المعركة، ولا داعي للشعور بالوصمة، فهي ليست مذنبة.
لا تخافي.. والجئي إلى الشرطة
تذكري أن ما يفعله المبتز ضد القانون، في أي بلد. الجئي إلى الشرطة، فمع انتشار الابتزاز الجنسي، أصبح هناك اهتمام أمني كبير. يمكنكِ اللجوء إلى مبادرة "قاوم" التي تتعقب من يقومون بالابتزاز الجنسي، أو مباحث الإنترنت إذا كنتِ في مصر، أما إذا كنت تعيشين في دولة الإمارات، فقد أُطلقت حملات لمواجهة الابتزاز الإلكتروني، أبلغي مركز الشرطة القريب منكِ، وسيؤكد لكِ المختصون أنهم يتعاملون مع مثل هذه البلاغات بسرية تامة.
ختاماً؛ إذا تعرضتِ لهذا الحادث المؤسف، فلا تلقي باللوم على نفسكِ، كما أخبرتِك.. أنتِ الضحية في القصة، وعادةً ما يكرر المبتز فعلته مع أخريات، اكسري الحلقة ولا تخضعي للابتزاز، واطلبي الدعم، وستجدين من هم على استعداد للمساعدة.