يُقال إن الضحك أفضل دواء؛ ولكنه قد يكون في عالم السياسة أيضاً إحدى أقوى الأدوات في ترسانة السياسي. وإن كنت قد اطلعت قليلاً على انتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، لكنت لاحظت الضحكة الشهيرة والجذابة لمرشحة الحزب الديمقراطي لرئاسة الولايات المتحدة، كامالا هاريس (Kamala Harris)؛ التي أصبحت سمة مميزة لشخصيتها العامة.
محتويات المقال
ومع ذلك، أثارت ضحكة هاريس؛ التي كثيراً ما وثّقتها الصور، نقاشاً واسع النطاق عن دور حس الفكاهة وضحكات السياسي في التواصل مع الجمهور، خصوصاً مع محاولات الرئيس السابق دونالد ترامب (Donald Trump) السخرية منها ووصفها بأنها "كامالا الضاحكة". فإلى أيّ حدّ فعلاً تسهم ضحكات السياسيين وحس فكاهتهم في زيادة شعبيتهم؟ إليك تلميحاً بسيطاً: تسهم أكثر مما تظن.
اقرأ أيضاً: ما سر حماستنا الكبيرة لخوض النقاشات السياسية؟
7 أسباب تجعل السياسيون يلجؤون إلى الضحك والفكاهة
في الواقع، تؤدي الفكاهة دوراً بالغ الأهمية بالنسبة إلى السياسيين؛ حيث تعزز التواصل مع الجماهير وتؤثّر في نوايا الناخبين؛ إذ وجدت دراسة منشورة في دورية الحدود في العلوم السياسية (Frontiers in Political Science) في منتصف يوليو/تموز 2024، أن حسّ الفكاهة عند السياسيين يعزز شعبيتهم ويزيد احتمالية التصويت لهم، وربما يُعزى ذلك إلى بعض الأسباب؛ مثل:
1. تعزيز التواصل مع الجمهور
الضحك والفكاهة أداتان فعّالتان في زيادة شعبية السياسي وتعزيز الارتباط بالجمهور؛ إذ يستطيع السياسي من خلال استخدام الفكاهة غير المرتكزة على الموضوعات السياسية؛ أي إطلاق النكات الخفيفة أو مشاركة الحكايات المسلية أو الضحكات الخفيفة، كسر الحواجز مع الناس وتعزيز الروابط معهم وخلق جو ودي فيما بينهم؛ إذ غالباً ما يبدو الساسة الذين يستخدمون هذا النوع من الفكاهة أكثر دفئاً ونزاهة وأسهل معشراً، وهي صفات تجذب الناخبين.
اقرأ أيضاً: لماذا تكون لحظات الصمت مزعجة خلال المحادثات؟
علاوة على ذلك، يمكن أن تكون الفكاهة التي تسخر من الذات فعّالة في إضفاء طابع إنساني على السياسيين أمام الجماهير؛ ما يساعدهم على تعزيز التواصل معهم وزيادة احتمالية نيل أصواتهم.
وثمة أمر مهم آخر، فكثيراً ما يفترض الناس وجود ارتباطات نمطية إيجابية بين الفكاهة وسمات إيجابية أخرى؛ مثل الانفتاح أو الذكاء؛ لذا ليس مستغرَباً أن يُعَدَّ الشخص الذي يتمتع بحسٍّ فكاهيٍ عالٍ أنه شخص ذكي وكفؤ ينبغي الوثوق برأيه. في الواقع، ثمة بعض الحقيقة وراء هذا الافتراض، فقد ذكر العديد من الدراسات أن حس الفكاهة يرتبط في كثير من الأحيان بمستويات عالية من الذكاء والإبداع.
اقرأ أيضاً: لماذا يكشف المؤثرون أسرار حيواتهم الشخصية أمام ملايين المتابعين؟ العلم يجيب
2. التأثير في عواطف الناخبين
من المعروف أن الفكاهة تثير مشاعر إيجابية مثل السرور والأُنس والابتهاج؛ ما يزيد إفراز الدوبامين في الدماغ ويعزز الشعور بالسعادة. وبالطبع، يمكن لهذا التأثير الإيجابي أن يحسّن صورة السياسي بين الناس ويزيد شعبيته.
علاوة على ذلك، يمكن للسياسيين استخدام الفكاهة لتخفيف حدة الحالة المزاجية والقلق في أثناء المواقف المتوترة أو لمعالجة بعض القضايا الجدية بطريقة أكثر قبولاً؛ ما يجعل الخطاب السياسي أسلس وأخف وطأة؛ الأمر الذي يكسب السياسي في المحصلة دعماً أوسع. علاوة على ذلك، يمكن للنكتة أو الضحكة في الوقت المناسب أن تغير مزاج المناقشة أو المناظرة وأن تجعلها أكثر ملاءمة للسياسي؛ وهو ما قد يكون فعالاً على نحو خاص في تحييد الهجمات أو الانتقادات.
3. زيادة الكاريزما والجاذبية
تعرّف مختصة الصحة النفسية، غالية شامة، الكاريزما بأنها صفات ومهارات شخصية يتمتع بها الفرد تجعله يؤثّر في الآخرين. وعلى الرغم من أن الفكاهة والكاريزما لا تعادل القدرات القيادية الجيدة التي ينبغي أن يتحلى بها السياسيون، فإنها سمات تعزز جاذبية السياسي عند العامة وتساعده على نيل الإعجاب والثقة في كثير من الأحيان.
لذلك؛ ليس غريباً أن يلجأ السياسيون ذوو الكاريزما العالية إلى استخدام الفكاهة أداةً لتعزيز جاذبيتهم. في الواقع، يمكن استحضار العديد الأمثلة، سواء من الشخصيات المؤثّرة التاريخية مثل الفيلسوف الروماني شيشرون (Cicero)، أو الرؤساء المعاصرين مثل الرئيسَين الأميركيَين جون كينيدي (John Kennedy) وباراك أوباما (Barack Obama)؛ اللذَين غالباً ما كانت خطبهم البليغة، المدعومة بالفكاهة، تثير التفاعل وتكسب الإعجاب والدعم.
اقرأ أيضاً: هل صحيح أن ثقة الأذكياء بأنفسهم أقل من غيرهم؟ خبيرة نفسية تجيب
4. زيادة التسامح بين الجمهور والسياسي
وفقاً للأستاذ الفخري السابق في الدراسات السياسية في جامعة ليفربول هوب (Liverpool Hope University)، بيل جونز (Bill Jones)؛ فإن الفكاهة تسهم في النجاح السياسي؛ إذ إن الناس يميلون إلى مسامحة أولئك الذين يجعلونهم يضحكون، على حد قوله، ويمكن لهذه السمة أن تساعد الساسة على تجاوز الفضائح أو الأخطاء.
5. تبسيط القضايا المعقدة
تبسِّط الفكاهة القضايا المعقدة وتجعل الخطاب السياسي أكثر سهولة في الوصول إلى الجماهير وتعزز عملية فهمه؛ ما يجعل السياسيين في المحصلة أكثر ارتباطاً بالناخبين، خصوصاً الناخبين الأقل اطلاعاً على القضايا السياسية المعقدة. بالإضافة إلى ذلك، فإنها تجذب انتباه وسائل الإعلام وتشرك الجماهير الأقل اهتماماً بالأخبار التقليدية.
6. كسر الصورة النمطية عن السياسيين
يمتلك الناس توقعات محددة حول كيفية تصرف السياسيين؛ لذلك وعندما يستخدم السياسي الفكاهة أو الضحك والروح المرحة، وخصوصاً في سياقات غير متوقعة، فقد ينتهك هذه التوقعات؛ ما يؤدي إلى تغيير الصورة النمطية المأخوذة عنه وإعادة تقييمها. وبالطبع، يمكن أن يؤدي هذا إلى تصورات إيجابية أو سلبية، اعتماداً على كيفية تلقي الفكاهة.
اقرأ أيضاً: ما الفرق بين الشخصية السيكوباتية والشخصية المضادة للمجتمع؟
7. ترسيخ المعلومات السياسية
بالإضافة إلى أن الفكاهة تثير المشاعر الإيجابية على نحو يجذب الانتباه، فإن معالجة الفكاهة في الدماغ في حد ذاتها تُعد نشاطاً معرفياً معقداً يتطلب تنشيط مناطق متعددة مرتبطة بمعالجة اللغة والفهم الدلالي ونظام المكافأة؛ ما يعزز في المحصلة الاتصالات العصبية في الدماغ؛ الأمر الذي يزيد المرونة والإبداع في التفكير ويزيد احتمالية الاحتفاظ بالمعلومات السياسية وتذكرها لاحقاً.
اقرأ أيضاً: علامة واحدة تكشف ذكاء الشخص الذي تتحدث إليه
3 عوامل تؤثّر في نجاعة الفكاهة وقدرتها على إحداث أثر إيجابي
على الرغم من أن روح الفكاهة عند السياسيين قد تكون مفيدة في كثير من الأحيان، فإن تأثيرها يعتمد على عوامل عدة؛ مثل:
1. الخلفية السياسية والثقافية للجمهور
تدرك الفئات المجتمعية المختلفة الفكاهة السياسية وتفسرها بطرائق مختلفة؛ وذلك بناءً على معاييرها الثقافية وقيمها وثقافتها السياسية. على سبيل المثال؛ قد يفضِّل الجمهور المحافظ السلوك الجدّي والتقليدي؛ في حين قد تقدّر فئات المجتمع الأكثر انفتاحاً الفكاهة السياسية أكثر من غيرها، وقد يعدّونها علامة على الإبداع والانفتاح. لذلك؛ غالباً ما يلجأ السياسيون إلى استخدام الفكاهة بما يتماشى مع تفضيلات جمهورهم وتوقعاته.
اقرأ أيضاً: كيف تحدد الأشخاص المصابين بجنون العظمة في محيطك؟
2. نوع الفكاهة
تشكّل طبيعة الفكاهة في حد ذاتها أهمية بالغة، فالفكاهة التي تبعث على التعاطف وتلك التي تسخر من الذات تحظى عموماً بقبول جيد؛ لأنها تبني الروابط وتظهِر التواضع. ومع ذلك، فالفكاهة العدوانية التي تستهدف الآخرين وتسخر منهم، قد تأتي بنتائج عكسية من خلال الظهور بمظهر الحقود أو المثير للنعرات. لذا؛ يتعيّن على الساسة أن يكونوا على دراية بالتأثير المحتمل لفكاهتهم وأن يسعوا إلى استخدامها بطرائق تعزز الوحدة بدلاً من الانقسام.
3. السياق
والسياق مهم أيضاً؛ فقد يُنظر إلى الفكاهة في أثناء الخطب الرسمية أو المناقشات الجادة على أنها غير مناسبة وتقلل مصداقية السياسي. وعلى العكس من ذلك، يمكن أن تكون الفكاهة في المواقف غير الرسمية أو التفاعلات عبر وسائل التواصل الاجتماعي أداة قوية للاندماج مع الجمهور.
ختاماً، يمكن القول إنه على الرغم من أن الفكاهة ليست من أهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها السياسيون، فإنها، عندما تُستخدَم بفعالية، قد تشكّل أداة قيمة في التواصل مع الناخبين وربما التأثير في نتائج الانتخابات. ومع ذلك، فإن تأثيرها يعتمد إلى حد كبير على السياق السياسي، والصورة الحالية للمرشح، ونوع الفكاهة المستخدمة.