هل شعرت في إحدى المرات أن قلبك ينبض بقوة وسرعة؛ بينما تجاهد أنفاسك كي تصل إلى صدرك الذي يختنق، وتحاصرك آلام معدتك، وترتجف عضلاتك، ويتعرق جلدك بغزارة؟ قد تظن حينها أن قلبك على وشك التوقف، وربما شعرت بالاغتراب عن العالم والانفصال عن جسدك؛ بينما تغمرك مشاعر قوية من الخوف والذعر والقلق، ويمكن أن توشك وقتها على فقدان الوعي.
إذا اختبرت مزيجاً من هذه الأعراض أو كلها؛ فقد يشير ذلك إلى إصابتك بنوبة هلع (Panic Attack) أو نوبة قلق (Anxiety Attack). وعلى الرغم من تشارك هذه النوبات بعض الأعراض، فإنها تختلف بحسب شدتها ومدتها ومسبباتها المحتملة. وتعد معرفة هذه الفروقات بينهما أمراً مهماً لتحديد خطوات التعامل والعلاج. في هذا المقال، نتعرف إلى الفروقات المميزة لكل من نوبة القلق ونوبة الهلع، والأسباب والمحفزات المحتملة للإصابة بهذه النوبات، وطرائق واستراتيجيات للتعامل معهما.
ما هي أعراض نوبة الهلع؟
تحدث نوبة الهلع فجأة وبطريقة غير متوقعة، دون الحاجة إلى محفز محدد في كثير من الأحيان؛ أي يمكن أن يستيقظ أحدهم من قيلولته بنوبة هلع! حيث تغمر الشخص مشاعر مكثفة لكن تستمر مدة مؤقتة؛ مثل الرعب الشديد، والخوف من فقدان السيطرة، وقد يظن أنه على وشك الموت، ويشعر بالانفصال عن الواقع والاغتراب عن نفسه.
بالإضافة إلى وجود أعراض جسدية قوية تحدث استجابةً لمواقف عادية غير مهددة؛ حيث قد يتعرق الشخص بغزارة، ويجف فمه، أو يواجه صعوبة في التنفس، وتتسارع دقات قلبه كما لو كان على وشك الإصابة بنوبة قلبية، إلى جانب الشعور بالقشعريرة والرعشة، والوخز أو الخدر في أصابع اليدين والقدمين، وآلام البطن والغثيان والصداع، والشعور بالدوار أو الإغماء.
يمكن أن تحدث هذه النوبات لأي شخص، وعلى الرغم من شدة أعراض نوبة الهلع، فهي قصيرة الأمد، وتستمر عادة من 5 إلى 20 دقيقة، وتصل ذروتها خلال 10 دقائق من بدايتها. علاوة على ذلك، يمكن أن تزداد شدة أعراض هذه النوبات إلى درجة قد لا يتمكن خلالها الشخص من التحرك، أو التصرف عند تعرضه إلى نوبة هلع؛ حيث تنشط نوبة الهلع استجابة الجسم الآلية التي تُعرف بـ "القتال أو الهروب" (fight-or-flight).
ومع ذلك، لا تشكل هذه النوبات في حد ذاتها خطراً على صحتك؛ لكن يزيد تكرارها خطر الإصابة باضطراب الهلع؛ وهو حالة صحية نفسية تتسم بنوبات هلع مفاجئة ومتكررة؛ ما يمكن أن يؤثر في جودة حياتك.
اقرأ أيضاً: ما الفرق بين الهلع والقلق؟
ما هي أعراض نوبة القلق؟ وكيف تميزها عن نوبة الهلع؟
لا تعد نوبة القلق حالة طبية يمكن تشخيصها؛ إذ لا توجد معايير تشخيصية أو أعراض محدِّدة لها؛ لكن يمكن أن يُستدل على إصابة الشخص بنوبة قلق بناء على وجود أعراض تدل على اضطرابات القلق. حيث يشعر الشخص الذي يعاني نوبة قلق بعدم الارتياح عموماً، والتوتر، والخوف، والحزن، ويمكن أن يعاني صعوبات في التركيز، ومشكلات في النوم، إلى جانب أعراض جسدية مشابهة لأعراض نوبة الهلع؛ مثل تزايد معدل ضربات القلب، والتنفس السريع، والارتجاف، والتعرق، والشعور بالخطر المحدق.
وتتطور هذه الأعراض بمرور الوقت، وتستمر فترة أطول، قد تصل إلى أيام أو أسابيع أو أشهر، وتكون أقل حدة عادة من نوبة الهلع. وتختلف نوبة القلق عن نوبة الهلع في أنها تعد استجابة عاطفية وجسدية ناتجة من التعرض إلى بعض الضغوط أو التجارب أو المواقف المؤلمة أو الأحداث المرهقة خلال فترة من الزمن.
وبصفة عامة، يمكن أن تتشابه بعض الأعراض الجسدية لنوبة القلق أو الهلع مع بعض المشكلات الصحية الأخرى مثل النوبات القلبية؛ إذ توضح المختصة النفسية، لجين الحبيب، إن نقص المغنيزيوم بالجسم قد يسبب خفقان القلب عند الشخص، فيزداد خوف الشخص بسبب هذا الخفقان، ويظن حينها أنه يمر بنوبة هلع، وقد يؤدي خوفه بالفعل إلى إصابته بالنوبة. وفي هذه الحالة، تشير الحبيب إلى أن تناول مكملات المغنيزيوم يمكن أن يعالج هذا الخفقان من البداية، ويمنع تفاقم الخوف.
اقرأ أيضاً: كيف تميز بين التوتر والخوف والقلق والهلع؟
تعرَّف إلى الأسباب المحتملة لنوبات الهلع والقلق
قد ترجع إصابة الأشخاص بنوبات القلق والهلع إلى مجموعة من العوامل الوراثية والطبية والظروف الخارجية والتهديدات المتوقعة وغير المتوقعة، سواء كانت حقيقية أو متخيَّلة. ولا تُعرف على وجه التحديد أسباب إصابة بعض الأشخاص بنوبات الهلع؛ لكن يرجح الباحثون أن حدوث هذه النوبات قد يرجع إلى:
- الخلل الوظيفي في اللوزة الدماغية: وهي الجزء الدماغي المسؤول عن معالجة مشاعر مثل الخوف؛ ما يُحدث خللاً في عملية إدراك المخ والجهاز العصبي لمشاعر الخوف والقلق، وكيفية التعامل معها.
- اختلالات كيميائية في بعض النواقل العصبية والهرمونات: وتشمل حمض غاما أمينوبيوتيريك (GABA)؛ وهو ناقل عصبي يقلل نشاط الجهاز العصبي المركزي، ويساعد الجسم على الاسترخاء ويخفف التوتر، إلى جانب هرمون الكورتيزول المسؤول عن الشعور بالتوتر والقلق، والسيروتونين وهو مادة كيميائية مرتبطة بالشعور بالسعادة.
وترجع أسباب نوبات القلق؛ التي يمكن أن تؤدي كذلك إلى الإصابة بنوبات الهلع، إلى:
- وجود رهاب أو خوف مسبق: يمكن أن ترتبط نوبات الهلع وكذلك نوبات القلق بوجود رهاب مسبق؛ فالشخص الذي يعاني رهاب الحقن (Trypanophobia) قد يصاب بقلق شديد يؤدي إلى نوبة هلع، إذا اضطر إلى سحب دمه من أجل الخضوع إلى إجراء طبي، أو قد يصاب الشخص بنوبة هلع قبل ركوب الطائرة إذا كان خائفاً من الطيران. وفي السياق نفسه، إن الخوف الشديد من أن تصاب بنوبة هلع غالباً يكون كافياً لحدوث النوبة بالفعل، وقد يؤثر سلباً في سلوكياتك، ويدفعك إلى تجنب الأماكن أو المواقف التي قد تتعرض فيها إلى الإصابة بنوبة هلع.
- التعرض إلى ضغوط أو تجارب سابقة: في المقابل، يرتبط التعرض إلى نوبة قلق عادة بوجود مصدر تهديد، أو ضغوط، أو موقف يُشعرك بالقلق؛ مثل مقابلة عمل، أو مواجهة مشكلة طارئة، أو التعرض إلى مواقف اجتماعية مختلفة. ويزداد خطر الإصابة بنوبات القلق؛ التي يمكن أن تتطور إلى نوبة هلع، في حالة تعرض الشخص إلى صدمات، أو أحداث مؤلمة، سواء في الطفولة أو بعد البلوغ؛ مثل وفاة شخص عزيز، أو الطلاق، أو بسبب تزايد شعور القلق والإرهاق الناجم عن مسؤوليات العمل، أو الصراعات العائلية، أو المرور بضائقة مالية مثلاً.
- وجود حالات صحية جسدية أو نفسية: قد تزداد احتمالية أن يعاني الشخص نوبات القلق أو الهلع عند الإصابة ببعض الأمراض المزمنة أو المهددة للحياة؛ مثل أمراض القلب، والسكري، والربو، ومتلازمة القولون المتهيج، أو إذا كان الشخص أو أحد أفراد عائلته المقربين يعاني اضطرابات نفسية مثل القلق والاكتئاب. ويمكن أن تختلف حدة هذه الأعراض بحسب عوامل مثل؛ وجود أشخاص داعمين، أو سمات الشخص النفسية.
اقرأ أيضاً: كل ما تريد معرفته عن القلق
7 استراتيجيات فعالة للتعامل مع نوبات القلق والهلع
يمكن أن يؤثر تكرار هذه النوبات أو استمرارها فترات طويلة سلباً في جودة حياتك، ويعوق إنجاز مهامك اليومية. لكن تُمكن إدارة هذه النوبات، أو حتى منعها، عن طريق تعلم تقنيات وآليات تعامل مختلفة، وفقاً لأعراض النوبة ومسبباتها. وتشمل هذه الاستراتيجيات:
- مارس التنفس العميق: يعد التنفس السريع والسطحي من أعراض نوبة الهلع التي قد تُفاقم شعور الخوف. وبصفة عامة، لا يمكن إيقاف نوبة الهلع على الفور بعد بدايتها؛ لكن إذا شعرت بتسارع أنفاسك، حاول أن تتنفس ببطء وعمق قدر الإمكان من أنفك، ثم ازفر ببطء عبر فمك، وأغمض عينيك، وركز على كل شهيق وزفير، وكرر ذلك حتى يتباطأ تنفسك.
- مارس تقنيات الاسترخاء: قد تؤدي نوبة القلق أو الهلع إلى شد عضلاتك. لذلك؛ يمكن أن تساعدك ممارسة تمرين استرخاء العضلات التدريجي على تقليل التوتر الجسدي، عن طريق شد مجموعة من العضلات في منطقة واحدة، ثم محاولة إرخاء هذه العضلات تدريجياً بالتركيز على مجموعة عضلية واحدة تلو الأخرى. بالإضافة إلى ذلك، يمكنك أن تجرب ممارسة أشياء تُشعرك عادة بالراحة؛ مثل الاستحمام، أو استخدام الروائح العطرية مثل رائحة اللافندر التي تساعد على تهدئة الجسم، أو الانخرط في نشاط مهدئ للذهن أو مشتت للانتباه؛ مثل الاستماع إلى الموسيقا، أو حل الألغاز، أو المشي.
- مارس اليقظة الذهنية: يمكن أن تشعر بالانفصال عن الواقع أو الاغتراب عن جسدك خلال نوبة الهلع. لكن يمكن أن تساعدك تمارين اليقظة الذهنية على الانغماس في اللحظة الحاضرة، من خلال التركيز على حواسك، ومراقبة الأفكار والمشاعر دون التفاعل معها، وعد الأشياء الموجودة في الغرفة، بهدف البقاء في الحاضر؛ ما يمكن أن يقلل مشاعر الانفصال والاغتراب.
- اتبع نمط حياة صحياً: يزيد تناول المواد المنبهة والتدخين خطر التعرض إلى نوبات القلق والهلع؛ لكن يمكن لاتباع نظام غذائي صحي ومتوازن، والحصول على قسط كافٍ من النوم نحو 8 ساعات ليلاً، وممارسة التمارين الرياضية بانتظام، المساعدة على إدارة القلق، وتخفيف التوتر، وتحسين المزاج، وتعزيز الصحة العامة.
- ابنِ شبكة علاقات داعمة: تحدث إلى شخص موثوق؛ مثل صديقٍ لك أو أحد أفراد العائلة، أو انضم إلى مجموعات دعم للأشخاص الذين يعانون نوبات القلق والهلع. إذ يساعدك وجود شبكة دعم على تقليل شعور الوحدة، ويزودك بخبرات ونصائح يمكن أن تسهم في إدارة هذه النوبات.
- استعن بمختص الصحة النفسية: إذا كانت أعراض نوبات الهلع تستمر أكثر من 15 دقيقة، أو كنتَ تعاني قلقاً طويل الأمد يعوق حياتك اليومية، أو تواجه مشكلات مثل صعوبة التركيز، أو اضطرابات النوم، أو تشعر بالتهيج والخوف الشديد؛ كأن تخشى مغادرة المنزل، أو ما يُعرف بـ "رهاب الخلاء" (Agoraphobia)، فاستعن بمختص الصحة النفسية، لتحديد إذا كان ما تعانيه نوبة هلع أم قلق؛ فمعرفة هذه الفروقات أمر مهم في التشخيص، وتحديد العلاج في بعض الحالات، وتوفير الرعاية اللازمة، إذا تطلب الأمر. يمكن لمختص الصحة النفسية أن يساعدك على تحديد مثيرات نوبات الهلع، وأسباب القلق؛ ومن ثم تغيير أفكارك، وسلوكياتك، وردود أفعالك، بالإضافة إلى أنه يمنحك أدوات للتعامل مع التوتر بطرائق صحية؛ ما يمكن أن يقلل تعرضك إلى هذه النوبات، أو يمنعها تماماً. علاوة على ذلك، يمكن أن يساعدك المختص على تخفيف الخوف الشديد وراء حدوث نوبات الهلع عن طريق التعرض التدريجي والمتكرر، سواء في خيالك أو الواقع، إلى ما يمكن أن يثير نوبة الهلع لديك؛ ما يقلل حالة الذعر، ويزيد شعورك بالارتياح عند التعرض إلى هذه المثيرات.
- استشر مقدم الرعاية الصحية: يمكن أن يشير بعض الأعراض الجسدية لنوبات القلق والهلع إلى وجود حالات صحية أخرى؛ لذلك تحدَّث إلى طبيبك الخاص لاستثناء الأمراض الأخرى التي قد تسبب الأعراض الجسدية المشتركة مع نوبات القلق والهلع، أو قد يحيلك الطبيب إلى مختص الصحة النفسية، في حال عدم وجود أمراض جسدية مسببة لهذه الأعراض. أما إذا كنت تعاني أعراضاً جسدية معينة؛ مثل آلام الصدر، أو صعوبات التنفس، أو فقدان الوعي، فاتصل بمقدم الرعاية الطبية الطارئة على الفور.
في النهاية، لا تنسَ استشارة طبيبك الخاص قبل تناول أي مكملات عشبية، أو أدوية لا تستلزم وصفة طبية، فبعض المكونات يمكن أن يزيد القلق.
اقرأ أيضاً: 3 تمارين للتعامل مع نوبات الهلع