"لا أريد أن أتحدث الآن، فأنا لست بمزاج جيد". قد تبدو تلك العبارة صادرة عن شخص تعرّض لمضايقة أو موقف سيئ، أو ربما أنهى للتو جدالاً استنزفه نفسياً، ولم يعد قادراً على الخوض في أي حديث آخر.
على الرغم من أن الأمثلة السابقة هي أمثلة خارجية في جوهرها؛ إلا أن الحالة التي يمر بها الفرد قد تحدث دون تعرّضه لأي مؤثرات خارجية، فالأمر نابع من داخله، ويسبب له شعوراً بعدم الأريحية أو الاستقرار. تلك الحالة من عدم الاستقرار النفسي تسمّى بالتقلبات المزاجية.
ما هي التغيّرات أو التقلبات المزاجية؟
إن التقلبات المزاجية شائعة جداً، وهي تشير إلى التحولات المفاجئة في المزاج أو الحالة العاطفية، وتُعتَبَر جزءاً طبيعياً من الحياة، خاصةً عندما نعاني من التوتّر والإجهاد؛ لكنها قد تتداخل في بعض الأحيان مع الأنشطة اليومية والعلاقات، وتؤثر عليها سلباً؛ ذلك عندما تكون ناجمةً عن اضطراب في الصحة النفسية مثل الاكتئاب، اضطراب الشخصية الحدية أو الاضطراب ثنائي القطب؛ والذي يتميز بتأرجح الحالة المزاجية بين مرتفعة ومنخفضة جداً.
إن اختبار التقلبّات المزاجية قد يشبه في بعض الأحيان قطار الملاهي، فقد تشعر بسعادة بالغة في لحظة واحدة دون سبب، وحزن شديد في اللحظة التي تليها دون معرفة السبب أيضاً. قد تكون هذه التغيرات المزاجية مصحوبةً أيضاً بتغيرات في أنماط النوم ومستويات النشاط والسلوك.
أوضحت دراسة لتقييم مدى انتشار التقلبات المزاجية لدى البالغين في إنجلترا، أن هذه النسبة تصل إلى 13.9%، وأن التقلبات المزاجية أكثر شيوعاً بين النساء من الرجال، بالإضافة إلى أن ذروة انتشارها كانت في أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و24 عاماً، وانخفضت تدريجياً مع تقدم العمر لتصل إلى 7% في الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 65 و74 عاماً.
لماذا أعاني من تقلّب شديد في المزاج؟
تتنوع أسباب التغيرات المزاجية لدى الأطفال والبالغين، فقد تشمل تلك الأسباب القلق والإجهاد، بالإضافة إلى التغيرات الحياتية، خاصةً تلك ذات التأثير القوي والتي تسبب ضغطاً كافياً لإحداث تقلّبات مزاجية مثل تفكك العلاقات والطلاق والتغيرات في المدرسة والوظيفة.
كذلك؛ عندما يصل الأطفال إلى مرحلة البلوغ، يمكن أن تسبب التغيرات الهرمونية تقلبات مزاجية تكون أكثر حدةً من المعتاد. كما أن الأطفال والمراهقين المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD) يعانون من تغيرات في المزاج يمكن أن تتداخل مع الواجبات المدرسية والصداقات.
في حالات أخرى؛ يمكن أن تحدث تغيرات في المزاج نتيجةً لبعض الأمراض مثل الصداع النصفي وداء باركنسون وغيرهما. علاوةً على ذلك؛ يمكن أن يكون للعديد من الأدوية كمضادات الاكتئاب وأدوية تحديد النسل الهرموني والمنشّطات الهرمونية، تأثير سلبي على الحالة المزاجية كأثر جانبي.
كما قد يعاني الشخص الذي يتّبع نظاماً غذائياً لا يحصل فيه على طعام كافٍ، من تغيرات مزاجية استجابةً لتقلب مستويات السكر في الدم وسوء التغذية.
التقلبات المزاجية والاضطرابات النفسية
في سياق ارتباط بعض الاضطرابات النفسية بالتقلبات المزاجية؛ تم الإبلاغ في دراسة عن انتشار تقلب المزاج بين 40-60% من الأشخاص المصابين بالاكتئاب واضطراب القلق وكرب ما بعد الصدمة والوسواس القهري. كما أوضحت أن التقلبات المزاجية ليست مجرد سمة من سمات الاضطرابات النفسية؛ بل يمكن التنبؤ بها أيضاً، فهي جزء من بداية الاضطراب ثنائي القطب، ويمكن أن تحدث في المراحل الأولى من اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط والاضطراب الاكتئابي.
إذاً؛ كيف تبدو ملامح التقلبات المزاجية في تلك الاضطرابات النفسية؟
1- الاضطراب ثنائي القطب: يتسبب هذا الاضطراب في نوبات من الهوس (السعادة أو الانفعال بشكل غير طبيعي) والاكتئاب (الحزن الشديد). على عكس التقلبات المزاجية العادية؛ يمكن أن تستمر هذه النوبات لفترات طويلة - عدة أيام أو أسابيع.
عندما يعاني الفرد من نوبة هوس، فقد نلاحظ الأعراض:
- التحدث بسرعة أو أكثر من المعتاد.
- الانخراط في سلوكيات محفوفة بالمخاطر.
- سرعة الانفعال وزيادة الطاقة.
- النوم أقل من المعتاد.
- الشعور بتسابق الأفكار وعدم القدرة على السيطرة عليها.
- الشعور بالقوة والأهمية بشكل غير عادي.
بينما عندما يعاني الفرد من نوبة اكتئاب، فقد تظهر عليه الأعراض التالية:
- التحدث ببطء أكثر من المعتاد.
- الشعور بالحزن واليأس.
- صعوبة في النوم أو النوم كثيراً.
- المعاناة من زيادة الشهية وزيادة الوزن.
- صعوبة في التركيز والشعور بالإرهاق.
- انخفاض الاهتمام بالأنشطة التي كانت من قبل مصدراً للمتعة.
- وجود أفكار انتحارية أو إيذاء النفس.
2- اضطراب الشخصية الحدية (BPD): يعاني الشخص المصاب باضطراب الشخصية الحدية من تقلبات مزاجية شديدة، ويمكن أن تستمر نوباته من دقائق إلى ساعات. نتيجةً لتلك التقلّبات؛ يمكن أن تتغير اهتمامات وآراء الفرد عن الآخرين بسرعة، و يمكن أن تؤدي هذه المشاعر المتغيرة إلى علاقات فاترة وغير مستقرة.
3- الاكتئاب: يمكن للأشخاص المصابين بالاكتئاب، خاصةً الاكتئاب غير المعالَج، أن يواجهوا تقلبات مزاجيةً شديدةً تؤثر على مستويات الطاقة والنوم والشهية.
أسباب التقلبات المزاجية عند النساء والرجال
تعاني النساء من تقلّبات هرمونية طبيعية في ظروف عدة؛ مثل الفترة التي تسبق الحيض وما يصاحبها من تغيّرات في مستويات هرمونيّ الإستروجين والبروجستيرون، أو خلال فترة الحمل والأشهر التي تسبق سن الأمان (سن انقطاع الطمث).
1- متلازمة ما قبل الحيض والاضطراب المزعج السابق للحيض: على الرغم من أن كل امرأة تعاني من تغيرات هرمونية شهرية مختلفة؛ إلا أن الفتيات والسيدات اللاتي يعانين من متلازمة ما قبل الحيض (PMS) والاضطراب المزعج السابق للحيض (PMDD) يعانون من تقلبات مزاجية شديدة.
تشير متلازمة ما قبل الحيض (PMS) إلى مجموعة من الأعراض التي يمكن أن تحدث في حدود أسبوع إلى أسبوعين قبل الدورة الشهرية. أكثر من 90% من الإناث يعانين من بعض أعراض ما قبل الحيض؛ والتي يمكن أن تشمل التقلبات المزاجية.
بينما يسبب الاضطراب المزعج السابق للحيض (PMDD) تهيجاً أو قلقاً أو اكتئاباً شديداً لمدة أسبوع إلى أسبوعين قبل بدء الدورة الشهرية، تتحسن الأعراض عادةً بعد فترة وجيزة من بدء الدورة الشهرية.
2- الحمل: تُعد التقلبات المزاجية إحدى العلامات الشائعة للحمل، ويمكن أن تبدأ خلال الأسابيع الأولى منه. تشمل الأعراض المبكرة الأخرى للحمل التعب والرغبة الشديدة في تناول الطعام والغثيان، بالإضافة إلى حرقة في المعدة وكثرة التبول.
3- سن الأمان: عادة ما تبدأ فترة ما قبل انقطاع الطمث عندما تصل المرأة إلى منتصف الأربعينيات؛ ولكن يمكن أن تبدأ في بعض الأحيان في وقت مبكر. تتقلب خلال هذا الوقت مستويات هرمونيّ الإستروجين والبروجسترون؛ ما قد يؤثر على إنتاج السيروتونين، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى مجموعة من الأعراض؛ بما في ذلك التقلبات المزاجية.
كما تحدث التقلبات المزاجية عند الذكور بسبب التغيّرات الهرمونية أيضاً؛ حيث ينخفض هرمون التستوستيرون مع التقدم في السن، ويمكن أن هذا لاانخفاض إلى تدني الحالة المزاجية.
ماذا أفعل حيال التقلبات المزاجية؟
إلى جانب العلاج المعرفي السلوكي (CBT)؛ وهو نوع من العلاج النفسي يمكن أن يساعد في التعرف على محفزات التقلبات المزاجية والعلامات التحذيرية قبل حدوثها، ومن ثم تفاديها أو التأقلم معها بشكل أسهل؛ هناك عدد من الطرق الفعّالة للتعامل مع التقلبات المزاجية:
- التعاطف مع الذات: في بعض الأحيان؛ قد لا يكون هناك مفر من التقلبات المزاجية؛ ما يجعل الشخص يشعر بالإحباط أو الانفعال دون سبب واضح. قد يكون من المفيد أن تتذكر أن هذا أمر شائع وطبيعي، وأنه ليس خطأ شخصياً.
- ممارسة التأمل اليقظ: يمكن أن يساعد ذلك الشخص على ملاحظة تغيّر مشاعره؛ وبالتالي ملاحظة التقلبات المزاجية عند ظهورها وتلاشيها.
- تجنّب الكافيين والتدخين: يمكن أن يؤدي تناول الكافيين إلى تفاقم أعراض ما قبل الدورة الشهرية وانقطاع الطمث. يعاني الأشخاص الذين يدخنون أيضاً من أعراض متلازمة ما قبل الحيض أكثر حدةً مقارنةً بمن لا يدخنون. لذلك؛ يمكن لتجنّب الكافيين والتدخين تقليل حدة التقلبات المزاجية.
- الحصول على قسط كافٍ من النوم: حيثما أمكن؛ حاول الحفاظ على جدول نوم منتظم. فيمكن أن تؤدي قلة النوم إلى تفاقم التهيج والقلق والاكتئاب والإرهاق.
- تجربة تقنيات الاسترخاء: يمكن أن يقلل الاسترخاء من التوتر ويحسن النوم، وكلاهما له تأثير إيجابي على الحالة المزاجية. تشمل الأمثلة تمارين التنفس أو اليوغا أو التاي تشي أو التدليك.
- الحفاظ على النشاط: يزيد النشاط البدني من إنتاج الهرمونات التي يمكن أن تعزز الحالة المزاجية للشخص، لذلك فهي إحدى الطرق الفعّالة في مواجهة التقلبات المزاجية.
- ممارسة الأنشطة الممتعة: حاول الاستمرار في الأنشطة الممتعة، حتى لو كانت التقلبات المزاجية تجعل الأمر أكثر صعوبةً. يمكن أن يكون لقضاء الوقت في الطبيعة والأنشطة الإبداعية والاستماع إلى الموسيقى تأثيراً إيجابياً على الصحة النفسية.
في حين أن التغيرات المزاجية هي جزء طبيعي من الحياة؛ إلا أنها يجب ألا تؤثر على جودة حياتك. إذا لم تتحسن التقلبات المزاجية، أو ازدادت سوءاً بممارسة تلك الطرق الفعّالة، فعليك إخبار الطبيب النفسي لتحديد سبب تقلباتك المزاجية ومعرفة إيجاد الحل الأمثل لها.