ما هو العلاج المعرفي التحليلي؟ وما الاضطرابات النفسية التي يمكنه علاجها؟

4 دقيقة
العلاج المعرفي التحليلي
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: يتعمق العلاج التحليلي المعرفي في فهم كيف أثّرت تجارب الماضي في سلوكياتك ومعتقداتك الحالية، ويساعد على تغيير هذه السلوكيات والمعتقدات. لمعرفة المزيد عن هذا النهج العلاجي ومبدأ عمله والمشكلات النفسية التي يعالجها، تابع القراءة.

تخيّل أنك تعرضت في مرحلة ما من طفولتك إلى الانتقاد والعقاب الشديد نتيجة ارتكابك الأخطاء؛ ما جعلك تعتقد بضرورة أن تكون مثالياً حتى يتقبلك الآخرون؛ومن ثمّ دفعك هذا الاعتقاد لاحقاً إلى السعي نحو تحقيق الكمال في مجالات حياتك جميعها؛ وهو ما أوجد نمطاً من التفكير والشعور والسلوك جعلك تجهد نفسك في العمل والعلاقات تجنباً لأي نوع من أنواع النقد، لينتهي بك الأمر اليوم شخصاً بالغاً يشعر بالإرهاق والقلق ويعاني صعوبات في العلاقات لأنه يخشى ارتكاب أي أخطاء. فما الحل الممكن حينها؟

حسناً، أحد العلاجات النفسية التي يمكنك اللجوء إليه في هذه الحالة هو العلاج المعرفي التحليلي؛ إذ سيساعدك على التعرف إلى النمط السلوكي الذي تتبعه؛ ومن ثم تستكشف أصول هذه الأفكار وتفهم كيفية تأثيرها في حياتك الحالية، وبالطبع سيساعدك ذلك على تطوير طرائق بديلة أكثر ملاءَمة، وسنوضّح في هذا المقال كل ما تود معرفته عن العلاج المعرفي التحليلي.

اقرأ أيضاً: تعرف إلى الجلسات العلاجية المعرفية والسلوكية

ما العلاج المعرفي التحليلي؟

العلاج التحليلي المعرفي (Cognitive Analysis Therapy)، ويُدعى اختصاراً (CTA)، هو نوع حديث من أنواع العلاج النفسي بالكلام، يتميز بأسلوب تعاوني فريد بين المعالج والمريض؛ حيث يساعد الأفراد على فهم كيفية تأثير تجاربهم السابقة في الطريقة التي يعاملون بها أنفسهم ويتفاعلون بها مع الآخرين. عموماً، يركّز العلاج على تحديد أنماط التفكير والشعور والسلوك التي يمكن أن تسبب الضيق أو الخلل الوظيفي، وغالباً ما تُصنف هذه الأنماط إلى 3 أنواع هي:

  • الفخاخ (Traps): هي أنماط دورية تحدث عندما تعزز الأفكار السلبية والسلوكيات غير الصحية بعضها بعضاً. على سبيل المثال؛ قد يمتلك الشخص اعتقاداً عميقاً أنه فاشل؛ ما يجعله يتجنب مواجهة التحديات أو الفرص الجديدة في العمل خوفاً من الفشل الحتمي، فيلتزم بأداء مهام رتيبة منخفضة المخاطر لا تسمح له بإظهار قدراته؛ وهو ما يعزز في النهاية اعتقاده بأنه فاشل. وتستمر هذه الدورة؛ حيث يؤدي الاقتناع بفكرة ما إلى تبني سلوك يضمن عدم تحدي صحة هذه الفكرة قط؛ ما يُبقي الشخص مُحاصَراً في نمط من الشك الذاتي وضعف الأداء.
  • المعضلات (Dilemmas): تنشأ المعضلة عندما يشعر الأفراد بأنهم عالقون بين خيارين لا ثالث لهما؛ فإما هذا وإما ذاك. على سبيل المثال؛ تخيّل شخصاً ما في علاقة غير سعيدة. قد يفكر: "إما أن أبقى تعيساً في هذه العلاقة، وإما أن أغادرها وأخاطر بالبقاء وحدي إلى الأبد". يبدو الخوف من الوحدة أسوأ من تعاسته الحالية؛ لذلك يستمر في العلاقة على الرغم من تأثيرها السلبي في صحته النفسية والعاطفية. تمنعه هذه المعضلة من التفكير في احتمالات أخرى؛ مثل بناء شبكة دعم لمساعدته خلال المرحلة الانتقالية أو طلب الاستشارة المتخصصة أو غيرها.
  • العقبات الخفية (Snags): يظهر هذا النمط عندما يمنع توقُّع العواقب السلبية الشخص من اتخاذ الإجراءات التي يرغب فيها. على سبيل المثال؛ قد يتجنب شخص ما متابعة علاقة جديدة خوفاً من الرفض أو الأذى؛ ومن ثَمّ ينأى بنفسه عن التجارب التي يُحتمل أن تكون مرضية. ويمكن أن تكون العقبات مدفوعة بمخاوف الشخص الخاصة، أو نتيجة توقع أفعال الآخرين أو ردود أفعالهم.

من خلال العلاج، يعمل المعالج والمراجِع معاً على تحديد هذه الفخاخ والمعضلات والعقبات؛ ومن ثم تطوير استراتيجيات لكسر هذه الدورات، واتخاذ قرارات أكثر توازناً، والتصرف بطرائق أكثر توافقاً مع قيم الشخص ورغباته.

اقرأ أيضاً: هل العلاج المعرفي السلوكي فعّال ضد الاكتئاب؟ وكم جلسة يحتاج المريض؟

تعرف إلى مبدأ عمل العلاج المعرفي التحليلي

يعتمد العلاج المعرفي التحليلي في الأساس على فكرة أننا نواجه طوال حيواتنا، بدءاً من الطفولة، تحديات وضغوطاً مختلفة، ونلجأ إلى تطوير استراتيجيات معينة استجابةً لهذه المواقف الصعبة؛ أي نطوّر أنماطاً من التفكير والشعور والسلوك تساعدنا على التأقلم، وربما تكون هذه الأنماط ضرورية لنجاتنا عاطفياً في وقت مبكر من الحياة. على سبيل المثال؛ قد يتطور لدى الطفل الذي يعاني الإهمال نمطاً من الاكتفاء الذاتي العاطفي، فيتعلم الاعتماد على نفسه للحصول على الراحة والدعم.

ومع ذلك، نجد أنفسنا، مع تقدمنا في السن أو تغيّر ظروفنا، عالقين في هذه الأنماط بسبب العادة أو لأنها تأصلت في أنفسنا، فنغدو غير قادرين على التأقلم مع الظروف الجديدة أو اتباع أنماط أكثر ملاءمة للتعامل مع المواقف الحالية؛ ما قد يخلق صعوبات ومشكلات جديدة مثل القلق أو الاكتئاب أو المشكلات الشخصية. لذلك؛ ومن خلال هذا العلاج المعرفي التحليلي، يعمل المعالج بالتعاون مع الشخص على النقاط التالية:

  • تحديد الأنماط وتوضيح أيها مفيد وأيها غير مفيد.
  • فهْم كيف تطورت هذه الأنماط.
  • البحث عن الأسباب التي تجعل الشخص يستمر في تكرارها.
  • اكتشاف طرائق أكثر فعالية للتكيف مع المواقف الراهنة.

اقرأ أيضاً: لماذا تختلف استجابتنا للصدمات النفسية؟ وكيف نعالجها؟

ما الاضطرابات والمشكلات التي يعالجها العلاج المعرفي التحليلي؟

قد يساعد العلاج المعرفي التحليلي على علاج مجموعة واسعة من مشكلات الصحة النفسية، خصوصاً الأكثر رسوخاً أو التي لم تساعد أنواع العلاج الأُخرى الأقصر مدة على علاجها. عموماً، يُستخدم هذا النوع من العلاج على نطاق واسع في علاج ما يلي:

اقرأ أيضاً: التشوهات المعرفية: كيف نقع أحياناً ضحية أفكارنا؟

من الجلسة الأولى إلى الأخيرة: مراحل العلاج المعرفي التحليلي

يستمر هذا العلاج عادةً 16-24 أسبوعاً، وذلك اعتماداً على الاحتياجات الشخصية والتقدم المُنجز. مدة الجلسة عموماً نحو 50 دقيقة، وتُعقَد مرة واحدة أسبوعياً. في الجلسة الأولى، تُعرِّف بنفسك وتتعرَّف إلى معالجك على نحو أفضل قليلاً، ثم يعمل المعالج على مراجعة تاريخ صحتك النفسية وتحديد أهداف علاجك وتوضيح المزيد عن هذا العلاج وكيف يمكن أن يساعدك.

بعد الجلسة الأولى، يطلب منك المعالج ملء أداة تُعرف باسم "ملف العلاج النفسي" (Psychotherapy file)، وهي أداة فريدة من نوعها في هذا العلاج. سيساعدك الملف الخاص بك على رسم صورة لظروفك الفريدة؛ مثل الأعراض والحالات المزاجية والأفكار والسلوكيات والأنماط.

ثم وبناء على المعلومات والتاريخ الطبي الذي قدمته، سيعمل المعالج على كتابة ما يُسمى بـ "خطاب إعادة الصياغة" (Reformulation)، وذلك يحدث وفقاً للمختص النفسي، عبد العزيز الجمعية، خلال الجلسات الأربعة أو الخمسة الأولى. يحدِّد المعالج في هذا الخطاب المجالات التي ينبغي التركيز عليها، ثم تستخدم أنت ومعالجك هذه المعلومات أجل إنشاء مخططات أو خرائط توضح التغييرات التي ستجريها في أفكارك عواطفك وسلوكياتك.

اقرأ أيضاً: ما هو العلاج الجدلي السلوكي؟ وما الاضطرابات النفسية التي يعالجها؟

بالإضافة إلى ذلك، يتضمن العلاج مرحلتين تُدعيان "التعرف" (Recognition) و"التنقيح" (Revision)، تحدث كلتا المرحلتين في أثناء العمل على مخطط التعافي الخاص بك؛ إذ بمجرد التعرف إلى الأنماط الإشكالية التي انخرطت بها، يمكنك تنقيح الطريقة التي تتعامل بها مع هذه الأنماط أو تغييرها؛ وهذا يعني تطوير استراتيجيات وسلوكيات جديدة من شأنها أن تساعدك على التحرر من تلك الأنماط السلبية.

عندما تقترب من نهاية العلاج، ستتلقى من المعالج الخاص بك خطاب وداع، يوضح فيه ما أنجزته خلال جلسات العلاج الخاصة بك، ويحدِّد أيضاً موعداً للمتابعة بعد 3 أشهر للتحقق من النتائج ومراقبة مدى التحسن الذي أحرزته.