تكتم أهدافك أم تعلنها؟ علماء النفس يجيبون

6 دقيقة
مشاركة الأهدلف
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: كيف تتعامل مع أهدافك التي تضعها أملاً في تحقيقها؛ هل تحتفظ بها لنفسك ولا تخبر أحداً؟ أم تشاركها مع أصدقائك حتى تحصل على الدعم والتحفيز والطاقة الإيجابية؟ وأي الطريقين ستوصلك إلى أهدافك؟ تُمكنك معرفة الإجابة من خلال هذا المقال.

هل تجد نفسك دائماً تضع الأهداف لكنك تواجه صعوبة بالغة في تحقيقها؟ هل شعرت بالإحباط لأنك شاركت أهدافك مع أصدقائك وعائلتك، ولم تحقق أي تقدم حقيقي أبداً؟ ماذا لو أخبرتك إن مشاركة أهدافك مع الآخرين قد تعوقك؟ فخلال عام 2010، انتشرت محادثة رائد الأعمال، ديريك سيفرز (Derek Sivers)، على نطاق واسع بسبب نصيحته المفاجئة بشأن تحقيق الأهداف وهي: "احتفظ بأهدافك لنفسك"؛ إذ أكد سيفرز إن مشاركة أهدافك مع الآخرين ستجعلك تشعر بدافع أقل لبذل المجهود المطلوب لتحقيق الأهداف، فهل علينا مشاركة الأهداف مع الآخرين، أم الاحتفاظ بها لأنفسنا من أجل تحقيقها؟ ثمة رأيان مختلفان فيما يخص هذا الموضوع سوف نعرفهما من خلال هذا المقال.

هل يمكن أن تساعد مشاركة الأهداف على تحقيقها؟

يعد تحديد الأهداف وتحقيقها جانباً أساسياً للنمو الشخصي والنجاح، سواء كان الأمر يتعلق بالتقدم في حياتك المهنية، أو تحسين صحتك، أو متابعة شغفك، وأحد الجوانب المهمة لتحديد الأهداف هو مشاركة أهدافك مع الآخرين حتى تُمكن متابعة مدى تقدمها علنياً، وهذه أهم الأسباب التي يمكن أن تشجعك على مشاركة أهدافك:

  • مشاركة الأهداف مع الآخرين تجعلك مسؤولاً: في اللحظة التي تشارك فيها أهدافك مع شخص ما، فإنك تجعل نفسك تلقائياً مسؤولاً عن هذا الهدف المحدد. على سبيل المثال؛ إذا أخبرت أحد أصدقائك إنك تنوي خسارة بعض الوزن، فمن الطبيعي أن تركز على تحقيق هذا الهدف لأن صديقك سيسألك عن التقدم الذي حققته.
  • تحديد أهدافك بوضوح: عندما تشارك أهدافك مع الآخرين، فإنك تتمكن من تطويرها وتعديلها باستمرار؛ ففي كل مرة تتحدث فيها عن هدفك مع شخص ما، ستستمد شيئاً جديداً من تلك المحادثة، وفي النهاية، سيصبح هدفك أكثر وضوحاً ويأخذ منظوراً جديداً، ويمكن القول إن بعض أهدافنا يتبلور خلال المناقشات أو المحادثات مع الأشخاص الذين نشاركهم هذه الأهداف، وفي كل مرة تصبح أكثر وضوحاً وتنظيماً. 
  • قياس مدى التقدم في تحقيق أهدافك: في الكثير من الأوقات، قد نقع في فخ رسم الأهداف الكبرى ثم التخلي عنها بعد مرور الوقت؛ ولكن حين تشارك أهدافك مع الآخرين، قد تسهل متابعتها من أجل تحقيقها. على سبيل المثال؛ لنفرض أنك تريد الإقلاع عن التدخين، مشاركة هذا الهدف مع أصدقائك سوف تتيح لك معرفة مدى التقدم الذي تحرزه.
  • البقاء متحفزاً: عندما تشارك أهدافك مع الآخرين، فإنك تشعر بالإثارة والتحفيز نحو تحقيق هذا الهدف؛ ولهذا فإنك تبذل جهداً كبيراً من أجل تحقيقه، وفي كل مرة تحس فيها بنقص الهمة أو الفتور سوف يشجعك الآخرون على استكمال طريقك والعودة مرة أخرى إلى قائمة أهدافك.
  • التواصل مع الأشخاص ذوي التفكير المماثل: عندما تشارك أهدافك مع أشخاص ذوي تفكير مماثل، فإن ذلك يساعدك على توسيع دائرتك الاجتماعية؛ ومن ثم يشجعك على المضي قدماً. وعلى الجانب الآخر، يعزز التواصل مع الأشخاص ذوي التفكير المماثل العملية الإبداعية ويجعلك خلاقاً وقادراً على مشاركة تفاصيل تحقيق الهدف وآخر التحديثات التي وصلت إليها؛ ومن ثَمّ تتزايد رغبتك في متابعة تحقيق أهدافك.

اقرأ أيضاً: أهداف العالم الجديد لا تدوم طويلاً؟ إليك كيفية الالتزام بتحقيقها دون ضغط نفسي

لا تشارك أهدافك! لماذا قد تكون مشاركة أهدافك مع الآخرين فكرة سيئة؟

يؤكد المختص النفسي، منصور العسيري، إن غالبية الإنجازات التي العظمى التي غيرت تاريخ البشرية نفذها أشخاص وحيدون؛ ما يعني أنهم لم يشاركوا أهدافهم مع الأخرين؛ وذلك لأن مشاركة الأهداف قد تعطلك عن تحقيقها  للأسباب التالية: 

  • تقليل الدافع المطلوب لتحقيق الأهداف: لنفرض أننا في بداية العام الجديد، وتريد أن تحدد أهدافاً كبرى مثل إنقاص الوزن، أو الالتحاق بوظيفة أحلامك، أو تعلم لغة جديدة، خاصة أن مَن حولك جميعهم يضعون أهدافهم في هذا الوقت من العام. وقتها، ستشارك أهدافك عبر منشور على مواقع التواصل الاجتماعي، وسوف تنهال عليك التفاعلات الإيجابية؛ فالجميع سيكتبون تعليقات مشجعة أو مهنئة، وربما تتلقى أيضاً رسائل الدعم من الأصدقاء. والحقيقة أن هذا الدعم المتدفق أمر رائع، وسوف يؤدي إلى إطلاق هرمونات الشعور بالسعادة مثل الدوبامين ويحسن حالتك المزاجية كثيراً؛ ولكن هناك مشكلة كبرى وهي أنك تحصل على هذا الدوبامين بمجرد النشر عن أهدافك؛ لذلك فإن المكافأة التي تحصل عليها مقابل مشاركة أهدافك تشبه إلى حد كبير المكافأة التي ستحصل عليها إذا حققت أهدافك في الحياة الواقعية. وعليه؛ سوف يقلّ دافعك كثيراً ولن تتقدم في طريقك نحو أهدافك لأنك سبق وحصلت على المكافأة. ويمكن القول إن مشاركة الأهداف مع الآخرين تستفيد من احتياجاتنا الاجتماعية والنفسية للاعتراف والتحقق والدعم؛ ولكنها يمكن أن تُضعف عن غير قصد الدافع المطلوب لتحقيق الإنجاز الحقيقي.
  • تأثير الضغط الاجتماعي: عندما تعلن أهدافك للآخرين، فإنك تضع نفسك تحت ضغط اجتماعي كبير لتحقيقها، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى التوتر والقلق؛ ما قد يزيد صعوبة الوصول إلى أهدافك.
  • المقارنة مع الآخرين: عندما تعلن عن أهدافك، قد تبدأ بمقارنة نفسك بالآخرين الذين يعملون أيضاً على تحقيق أهدافهم. لنفرض أنك شاركت أهدافك في منشور على مواقع التواصل الاجتماعي، وشارك صديق آخر أحد أهدافه، وبعد مرور الوقت، وجدت أن صديقك حقق بعض الخطوات. وقتها، يمكن أن يؤدي هذا إلى الشعور بالنقص ويجعلك تواجه صعوبة كبرى في البقاء متحفزاً.
  • التعرض إلى النقد: عندما تعلن عن أهدافك، قد تكون عرضة إلى اانتقادات الآخرين؛ الأمر الذي سيجعلك محبطاً ويقلل احتمالية مواصلة العمل لتحقيق أهدافك. تخيل أنك شاركت أهدافك مع الأشخاص الآخرين، وبدلاً من تحفيزك، بدؤوا في إعطائك قائمة بالأسباب التي تجعل من متابعة أهدافك فكرة سيئة، وذلك عبر إحصاء المشكلات التي ستقف في طريقك للوصول إلى أهدافك.

اقرأ أيضاً: دوافعك الحقيقية نقطة انطلاقك لتحقيق نجاحاتك فكيف تجدها؟

شارك أهدافك مع الآخرين لكن اتبع النصائح التالية

تُمكنك مشاركة أهدافك؛ ولكن ثمة طرائق أكثر ذكاءً لفعل ذلك، وتلك الطرائق ترتكز على دوافعك الخاصة، والجوانب التي تود مشاركتها، ومتى تشاركها، وما تتوقعه من خلال مشاركة أهدافك. وحتى تضمن الاستفادة من عملية المشاركة دون أن تقع في فخ فقدان الحافز، يمكنك اتباع النصائح التالية: 

افهم طبيعة شخصيتك

توضح أستاذة علم النفس، إليزابيث لومباردو (Elizabeth Lombardo)، إن بعض الأشخاص يجدون صعوبة في تحفيز أنفسهم بمفردهم؛ لذلك فإنهم يحتاجون دوماً إلى صديق يشاركونه عملية تحقيق الأهداف؛ وذلك منعاً للوقوع في فخ المماطلة والتأجيل لليوم التالي أو الشهر التالي. هؤلاء الأشخاص يحتاجون بالفعل إلى المشاركة لأنهم يستجيبون بطريقة جيدة لتلبية التوقعات الخارجية ويجدون صعوبة في إحراز تقدم في أهدافهم الشخصية. وعلى الجانب الآخر، هناك أشخاص لا يحبون أن يُملي عليهم الآخرين ما يجب عليهم فعله، وعندما يحاول أحدهم فعل ذلك، فإنهم يضطرون إلى العكس؛ إذا كنت من هؤلاء الأشخاص لن تحصل على فائدة كبيرة من خلال الإعلان عن أهدافك.

لا تتحدث عن أهدافك حتى يكون لديك تقدم حقيقي لمشاركته

يمكنك التحدث عن أهدافك بعد أن تحقق خطوة ملموسة تجاه تلك الأهداف. على سبيل المثال؛ إذا كان هدفك هو إنقاص الوزن، فانتظر حتى تذهب إلى صالة الألعاب الرياضية عدة مرات، أو تفقد بضعة كيلو غرامات ثم شارك صورة التقدم الذي أنجزته. إذا تعلمت لغة جديدة أو كوّنت بعض الصداقات، احكِ عن قواعد تلك اللغة أو عن هؤلاء الأصدقاء مع الآخرين، فحين تحرز تقدماً حتى لو كان صغيراً، احتفل بإنجازك، وعلّم عقلك أن يكافئك على تقدمك. افعل ذلك مراراً وتكراراً حتى يستوعب عقلك إحراز التقدم تلقائياً.

لا تتحدث عن أهدافك مع الآخرين إذا كنت تحاول إنجاز شيء لم تفعله من قبل

حين ترغب في تحقيق هدف جديد وتحاول الوصول إلى إنجاز لم تفعله من قبل، لا تتحدث أبداً مع الآخرين حول هذا الهدف؛ وذلك لأن ردود الفعل السلبية يمكن أن تثبط عزيمتك وتمنعك من المثابرة، خاصة أنك تخطو في طريق جديدة لم تذهب إليها من قبل؛ ومن ثَمّ قد تشعر ببعض الخوف والتردد. وقتها، يمكن أن تدفعك ردود الفعل السلبية إلى التراجع نهائياً لأنك ستكون أكثر عرضة إلى الاستسلام. لنفرض مثلاً أنك تود تعلم اللغة الألمانية، وفي هذه الحالة قد يخبرك الآخرون إنها صعبة للغاية بالنسبة إلى المبتدئين.

حاول الموازنة بين الدوافع الجوهرية والدوافع الخارجية 

يمكن القول إن فهم الدوافع الجوهرية مقابل الدوافع الخارجية هو المفتاح لمعرفة كيفية مشاركة أهدافك مع الآخرين ومتى تفعل ذلك: 

  • الدوافع الجوهرية: يأتي هذا النوع من  التحفيز من الداخل، ويرتكز بالأساس على الوصول إلى الرضا الشخصي والمتعة الذاتية، والاهتمام الحقيقي بالهدف نفسه، وعندما يكون لديك دافع جوهري، فإنك تسعى إلى تحقيق الهدف لأنك تجده مجزياً أو مُرضياً بطبيعته ويحقق لك الإشباع المعنوي. وفي هذه الحالة، فإن الإفراط في التحدث مع الآخرين عن أهدافك، يمكن أن يقوض دوافعك الجوهرية عن طريق تحويل التركيز من القيمة الجوهرية للهدف إلى الرغبة في الحصول على الاعتراف الخارجي.
  • الدوافع الخارجية: ينشأ الدافع الخارجي من عدة عوامل مثل الحصول على دفقة من الدوبامين وتعزيز الشعور بالسعادة، أو الاعتراف من قبل الآخرين واكتساب احترامهم، وإذا كنت تفضّل تحقيق الدوافع الخارجية فستكون أكثر ميلاً إلى مشاركة أهدافك مع الآخرين أملاً في الحصول على الثناء والتقدير والإعجاب والتحقق؛ ولكن الاعتماد على الدوافع الخارجية فقط سوف يحوّل تركيزك من القيمة المتأصلة للهدف إلى البحث عن التحقق الخارجي، من المحتمل أن يؤدي ذلك إلى تقليل التزامك ومثابرتك على المدى الطويل، خاصة إذا تلاشت المكافآت الخارجية. 

لذلك؛ في المرة القادمة التي تتخذ فيها قراراً مع الآخرين، ضع في اعتبارك ضرورة الموازنة بين الدوافع الجوهرية والدوافع الخارجية. إذا كانت دوافعك جوهرية، سوف تشارك أهدافك مع عدد محدود من الأصدقاء المقربين أملاً في الحصول على الدعم والتطلع بصدق إلى مدى تقدمك وتطورك، أما إذا كانت دوافعك خارجية، ففي هذه الحالة سوف تشارك أهدافك على مواقع التواصل الاجتماعي وذلك رغبة في حصد الإعجابات والتعليقات الإيجابية.

المحتوى محمي