دراسة جديدة: تصفحك منصات التواصل الاجتماعي قد يعرضك إلى الكوابيس

5 دقيقة
تصفح منصات التواصل الاجتماعي
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: أجرت جامعة فلندرز الأسترالية (Flinders University) دراسة علمية نشرَتها مجلة بي إم سي لعلم النفس (BMC Psychology) في مارس/آذار 2024، وكشفت نتائجها أن التصفح المستمر لمنصات التواصل الاجتماعي قد يؤدي إلى رؤية الكوابيس، وإليكم تفاصيل الدراسة كافةً في هذا المقال.

توصلت دراسة بحثية علمية أجرتها جامعة فلندرز الأسترالية (Flinders University) ونشرَتها مجلة بي إم سي لعلم النفس (BMC Psychology) في مارس/آذار 2024، إلى نتيجة مفادها أن استخدام منصات التواصل الاجتماعي يمكن أن يسبب الكوابيس. وربطت الدراسة بين التفاعل المفرط على تلك المنصات وزيادة الشعور بالقلق وانخفاض الحالة المزاجية وسوء نوعية النوم، فضلاً عن مشاكلات الصحة النفسية والجسدية، فما العلاقة بين تصفح منصات التواصل الاجتماعي ورؤية الكوابيس؟ الإجابة في هذا المقال.

دراسة حديثة: تصفح منصات التواصل الاجتماعي يؤدي إلى رؤية الكوابيس

أظهرت الدراسة البحثية السابق ذكرها أن استخدام منصات التواصل الاجتماعي يرتبط برؤية الكوابيس ليلاً، وعادة ما تتعلق هذه الكوابيس بموضوع التنمر أو الكراهية عبر الإنترنت. وكلما زاد الوقت الذي تقضيه على منصات التواصل الاجتماعي، زادت احتمالية رؤية الكوابيس المزعجة التي تسبب الضيق والقلق واضطرابات النوم.

وقد أكد أستاذ علم النفس بجامعة فلندرز والباحث المسؤول عن الدراسة، رضا شابهانغ (Reza Shabahang)، إن الاعتماد الواسع على منصات التواصل الاجتماعي وتشابكها مع حيواتنا أدى إلى امتداد تأثيرها إلى ما هو أبعد مما يجول في أذهاننا خلال يقظتنا؛ إذ اقتحمت تلك المنصات عالم الأحلام أيضاً.

واستخدم الباحثون أسلوب البحث المستمر والنموذج المعرفي العصبي لاستكشاف الارتباطات بين استخدام منصات التواصل الاجتماعي وجودة النوم والأحلام والراحة النفسية؛ إذ طوّر شابهانغ مقياساً جديداً يمكنه تحديد مدى إسهام وسائل التواصل الاجتماعي في ظهور الكوابيس الليلية، مع التركيز على موضوعات معينة تتعلق بالعجز وفقدان السيطرة والإيذاء، ويتضمن هذا المقياس 14 سؤالاً حول هدوء العقل وجودة النوم والكوابيس.

وقد شارك في الدراسة 595 شخصاً يستخدمون منصات التواصل الاجتماعي في إيران، وكشفت النتائج أن المشاركين الذين تغلغلت منصات التواصل الاجتماعي في حيواتهم أبلغوا عن ارتفاع وتيرة الكوابيس المرتبطة بتلك المنصات، وأكدت نتائج الدراسة أن تلك الكوابيس يمكن أن تؤدي إلى زيادة الضغط النفسي والقلق والاكتئاب واضطرابات النوم.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الكوابيس المرتبطة بمنصات التواصل الاجتماعي يمكن أن تؤدي إلى تعطيل دورة النوم؛ ومن ثَمّ تؤثر تأثيراً بالغاً في إنتاجية الفرد ومعالجة دماغه للمعلومات وقدرته على اتخاذ القرارات نهاراً. وحذّرت الدراسة من أن كلاً من سيطرة منصات التواصل الاجتماعي على حيواتنا على نحو متزايد، بالإضافة إلى تطور المشهد التكنولوجي بما يشمل الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي، إلى جانب الاعتماد المتزايد على هذه التقنيات، سيؤدي في النهاية إلى ارتفاع معدل رؤية الكوابيس.

اقرأ أيضاً: كيف توقعنا شبكات التواصل الاجتماعي في فخ الاكتئاب؟

كيف يؤثر تصفح منصات التواصل الاجتماعي في الدماغ والعقل اللاواعي؟

هل تجلس كل ليلة تقريباً على سريرك وأنت تحدق في هاتفك قبل النوم؟ تتصفح منصات التواصل الاجتماعي وتحاول ترك الهاتف لكنك لا تستطيع؟ الحقيقة أن الرغبة في التمرير اللانهائي على تلك المنصات بسبب تدفق المنشورات والصور يؤدي إلى إطلاق الدوبامين في دماغك؛ ما يجعلك تشعر بالإشباع الفوري والمتعة، وبعد ذلك يسهل وقوعك في فخ استهلاك المحتوى؛ حيث تظن أنك ستستغرق بضع دقائق قبل النوم ولكن الأمر قد يمتد إلى ساعات دون أن تدري.

وبعد أن تنام، يمكن أن تحلم بعالم الإنترنت؛ فقد ترسل رسالة خيالية إلى أحد الأصدقاء أو تتصفح التغريدات! وتُعد دراسة الأحلام معقدة للغاية وفقاً لما ذكره مختص علم النوم، رافائيل فالات (Raphael Vallat)؛ حيث أكد إن الأحلام غامضة، والطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها التأكد من أن شخصاً ما يحلم هي إيقاظ النائم ومن ثَمّ إنهاء الحلم. ولذلك؛ عادة ما يُعتمد على ما يتذكره الناس عن أحلامهم، بدلاً من البيانات التي تُمكن ملاحظتها مباشرة. وعلى الرغم من ذلك، هناك خيط يربط بين مشاهدة المقاطع المرئية والأحلام؛ حيث أوضحت دراسة بحثية نشرَتها المكتبة الوطنية الأميركية للطب (The National Library of Medicine) أن استهلاك وسائل الإعلام يؤثر في الأحلام؛ إذ أكد المشاركون الأكبر سناً في الدراسة الذين نشؤوا وهم يشاهدون التلفزيون الأبيض والأسود أنهم يحلمون بتدرج رمادي أكثر من أولئك الذين شاهدوا التلفزيون الملون.

ويمكن القول إن تفسير هذه الظاهرة يكمن في مصطلح "فرضية الاستمرارية" ويُقصد به أننا نميل إلى الحلم بالأشخاص والقضايا التي تشغلنا في اليقظة؛ وهذا يعني أن الأحلام والكوابيس تعكس حيواتنا اليومية ولكنها نادراً ما تعيد إنتاج تلك الأحداث بحذافيرها؛ بل تدمج أحد عناصرها في سرد أوسع وأكثر تشوهاً، فإذا كنت مهووساً بتعليقات أحد أصدقائك على منصة إنستغرام، فوفقاً لفرضية الاستمرارية؛ سوف يظهر هذا الصديق في كوابيسك المزعجة ليلاً!

لماذا نرى الكوابيس؟

يعرّف مختص علم النفس، عادل محمد عبد الرحيم، الأحلام بأنها أحداث وتصورات في الذهن أو اللاوعي، وهذه الأحداث عادة ما تكون مرتبطة بصورة جزئية أو كلية أو خيالية بالواقع، والكابوس هو أحد أنواع الأحلام ولكنه مزعج. وتحدث الكوابيس في أثناء مرحلة نوم حركة العين السريعة (REM) خلال النصف الثاني من الليل، وعادة ما تشكل تلك المرحلة نحو 25% من إجمالي وقت نومك. وتشرح أستاذة علم النفس، ألينا تياني (Alaina Tiani)، إن رؤية الكوابيس المتكررة تدل على أنك تمر بوقت عصيب. وتضيف تياني إنها لا تؤثر في وقت النوم فحسب؛ لكن تأثيرها يمتد إلى ساعات الاستيقاظ. وعادة ما نرى الكوابيس للأسباب التالية:

  1. ضغوط الحياة: إذا كنت تمر بوقت عصيب خلال ساعات استيقاظك، سواء كان ذلك بسبب خطوة كبيرة، أو وظيفة جديدة، أو انفصال صعب، أو فقدان أحد أفراد أسرتك، فقد يؤثر ذلك في الطريقة التي يعمل بها دماغك ليلاً. وفي هذا السياق، توضح تياني إن المشكلات التي لم تُحل أو تُواجَه في أثناء ساعات النهار تتحول إلى كوابيس في الليل.
  2. اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD): تحدث الكوابيس في الكثير من الأحيان استجابة للتوتر والقلق الناتجَين عن الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة، وعادة ما تكون الكوابيس المرتبطة بهذا الاضطراب متكررة ومزعجة وذات علاقة قوية بالتجربة المؤلمة التي واجهَتك.
  3. عدم الحصول على قسط كافٍ من النوم: عندما لا تحصل على قسط كافٍ من النوم، فإن صحتك تتأثر سلباً؛ حيث يرتبط الحرمان المزمن من النوم بالإصابة بالاكتئاب وزيادة خطر التعرض إلى النوبات القلبية، وتعتقد تياني إن اضطرابات النوم ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالكوابيس.

اقرأ أيضاً: هل يمكن أن تكون الكوابيس جرس إنذار للإصابة بداء باركنسون؟

كيف تحمي نفسك من رؤية الكوابيس ليلاً؟

لا يمكنك أن تمنع نفسك من رؤية الكوابيس نهائياً، ولا توجد طريقة لضمان ذلك؛ ولكن جرّب اتباع هذه الإرشادات لمحاولة تجنب الكوابيس في أثناء النوم:

  1. حاول تخفيف التوتر والضغط اليومي: الإرهاق الذي تشعر به في أثناء النهار سيظل يدور في ذهنك طول اليوم ثم سيزورك ليلاً متجسداً في الكوابيس؛ لذا فإن تعلم كيفية التعامل مع التوتر سيساعدك على إبعاد الكوابيس. وتنصح تياني بضرورة تطوير مهارات التأقلم اللازمة لإدارة الضغوط اليومية التي تواجهك.
  2. كن حذراً بشأن المحتوى الذي تتابعه قبل النوم: أي شيء تقرؤه أو تشاهده أو تستمع إليه قبل وقت النوم سوف يشق طريقه إلى دماغك ويتحول إلى كوابيس؛ ولذلك انتبه جيداً إلى نوعية المحتوى الذي تطلع عليه قبل نومك؛ سواء كان مقاطع فيديو أو منشورات على منصات التواصل الاجتماعي.
  3. خذ وقتاً للاسترخاء قبل النوم: نظن أحياناً أن شعورنا بالتعب والإرهاق طوال اليوم سوف يجعلنا نخلد إلى النوم فور الاستلقاء على السرير؛ ولكن ذلك قد لا يحدث. لذلك؛ خصص هذا الوقت للاسترخاء، وامنح نفسك بعض الراحة بين يومك المزدحم ووقت النوم. يمكنك على سبيل المثال استغلال هذا الوقت في الأنشطة الهادئة مثل القراءة أو إجراء روتين للعناية بالبشرة.
  4. لا تتصفح منصات التواصل الاجتماعي فور الاستيقاظ من النوم: لنفرض أنك رأيت كابوساً مزعجاً خلال الليل. لا تستيقظ من نومك وتمسك بهاتفك على الفور من أجل تصفح منصات التواصل الاجتماعي؛ لأنك عندما تستيقظ في الصباح، يتحول دماغك من موجات دلتا (Delta waves) التي تحدث في حالة النوم العميق، إلى موجات ثيتا (Theta waves) التي تحدث في حالة أحلام اليقظة. بعدها، يتحرك الدماغ لإنتاج موجات ألفا (Alpha waves) عندما تكون مستيقظاً ولكن مسترخياً ولا تُمكنك معالجة الكثير من المعلومات. أما حين تلتقط هاتفك فور الاستيقاظ من النوم، تجبر دماغك على تخطي مرحلتَي ثيتا وألفا المهمتين للانتقال مباشرة إلى حالة اليقظة الكاملة المعروفة باسم "موجات بيتا" (Beta waves).

أخيراً، يمكن القول إن تصفح منصات التواصل الاجتماعي مباشرة بعد الاستيقاظ يشتت انتباهك، وإذا شاهدت محتوىً سلبياً في أول الصباح سوف تشعر بالضغط النفسي والتوتر، خاصة إذا كنت قد قضيت ليلة مع الكوابيس. وعلى الجانب الآخر، يجب أن تعلم أن عقلك الإبداعي يكون أكثر نشاطاً في الصباح الباكر؛ ولهذا استغل هذا الوقت جيداً بعيداً عن الشاشات وخصصه لنفسك.