ملخص: ماذا يمثل الملل في نظرك؟ هل هو مصدر انزعاج أم مورد من موارد التأمل ومراجعة الذات؟ هذه الإشكالية شغلت مجموعة من الباحثين الذين اهتموا بدارسة العلاقة بين الملل ومعنى الوجود والحياة، فاكتشفوا أن هذا الشعور ليس سيئاً دائماً وأنه قد يشكل فرصة مهمة للإنسان. إليك التفاصيل.
هل شعرت بالملل يوماً منذ نهاية مرحلة طفولتك؟ فمن المعروف أن الأطفال يشعرون بثقل الزمن ولا يعرفون كيف يملؤون لحظات فراغهم. أنت اليوم شخص بالغ مشغول ومسؤول، فهل أصبحت من أولئك الذين يشعرون بمرور الوقت بسرعة ولا يحسون بالملل أبداً؟
إذا كان الأطفال الذين لا يشعرون بالملل أبداً هم أولئك الأوسع خيالاً والأقدر على شغل أنفسهم، فماذا عن البالغين الذين يشعرون بالملل باستمرار؟ هل لديهم سمات مشتركة؟ هذا السؤال هو الذي طرحه الباحثون موريان أوديا (Muireann O’Dea) وإريك إيغو (Eric Igou) وويناند فان تيلبورغ (Wijnand van Tilburg) خلال دراسة العلاقة بين الملل والبحث عن المعنى.
غياب الامتنان يقود إلى الشعور بالملل
ورد في الدراسة التي نشرها هؤلاء الباحثون في ديسمبر/كانون الأول 2023 في مجلة الحافز والعاطفة (Motivation and Emotion): "يشير الملل إلى غياب المعنى، ويعزز الامتنان الشعور بالمعنى في الحياة، ونحن نفترض أن الامتنان يحمينا من الملل من خلال توليد هذا المعنى". والملل شعور ينتابنا خلال الفترة التي لا نمارس فيها أي نشاط محفز، فنحس بحاجة ماسة إلى فعل شيء أو إحداث تغيير ما أو البحث عن الجديد. إنه يمثل فترة بينية.
للتحقق من الفرضية أجرى الباحثون 5 تجارب سألوا خلالها مئات المشاركين حول مستوى الملل والامتنان الذي يشعرون به، وعلاقتهم بمسألة الشعور بمعنى الحياة. وأظهرت النتائج أن الأشخاص الذين يعبرون عن أكبر قدر من الامتنان يميلون إلى الشعور بملل أقل وفقاً لما أورده موقع ساي بوست (PsyPost)، علاوة على أنهم يميلون إلى إضفاء معنىً أكبر على حيواتهم.
وتشير تحليلات الباحثين إلى أن الامتنان يمكن أن يعزز تجربة الشعور بمعنى الحياة، وهو الأمر الذي يؤدي إلى تقليل الشعور بالملل. وكتب الباحثون في تقرير الدراسة: "الامتنان مورد يمكن أن يقلل الشعور بالملل من خلال زيادة مستويات إدراك معنى الحياة على المستوى الظرفي أو العام، وتعزّز هذه الدراسة الأدلة المتزايدة التي تؤكد أنّ مصادر المعنى يمكن أن تحدّ من الشعور بالملل".
هل يجب أن نستمتع بالملل؟
يشجعنا المجتمع على الهروب من الملل في حياتنا اليومية المهنية أو الشخصية. وعادة ما ننظر إلى الروتين في العلاقات العاطفية باعتباره مملاً، وسبباً في نهاية العلاقات الزوجية. ولكن هل يمكننا الاستغناء عن الملل؟ تقول المعالجة النفسية ومؤلفة كتاب "في مدح الملل" (Petit éloge de l’ennui) أوديل شابرياك (Odile Chabrillac): "يمنعنا جنون الحياة المتسارعة من الوصول إلى السعادة، ولا يترك لنا أي مجال لتأمل الذات، هذا التأمل الوجودي هو الذي يرشدنا إلى طريق السعادة، والملل يتيح لنا الحيز المناسب لهذا التأمل، لأننا نعيش عادة تحت الضغط".
إن التكيف مع الشعور بالملل والتوقف عن الهروب منه سيسمح لنا باستخلاص فوائده وفقاً للخبيرة، التي تضيف قائلة: "إذا تركت شعور الملل يسيطر عليك سيتحوّل الأمر إلى شعور بالاسترخاء، وهذا هو الفرق بين الفراغ الفارغ، أي الخالي من المعنى، والفراغ الممتلئ، أي ذلك الخواء أو العائق الزمني الذي نضفي عليه معنىً ما". أطلق العنان إذاً لخيالك فقد تجد الموارد ذاتها التي يجدها طفل يطلق العنان لإبداعه وخياله عندما يشعر بالملل.
اقرأ أيضاً: لماذا أصبحنا نُصاب بالملل بسرعة؟ وما الذي يمكننا فعله حيال ذلك؟