ما دلالات الألوان في علم النفس؟ وكيف تؤثر في الحالة المزاجية؟

5 دقيقة
دلالات الألوان في علم النفس
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: محمد محمود)

ملخص: ما لونك المفضل؟ وهل فكرت من قبل في دلالات الألوان النفسية؟ الحقيقة أن أغلب الأشخاص يختارون أشيائهم بناء على ألوانها التي يمكن أن تثير حالات مزاجية أو مشاعر معينة؛ مثل اختيار لون سيارة يبدو رياضياً أو أنيقاً. وحتى في اختيار ألوان طلاء الغرف، نستخدم ألواناً تجعلنا نشعر بالهدوء والاسترخاء، فما علاقة الألوان بالحالة النفسية؟ الإجابة من خلال هذا المقال.

"الألوان مثل الملامح؛ تتبع تغيرات المشاعر".

                                                                                                                                                                                                 الرسام والنحات، بابلو بيكاسو (Pablo Picasso)

هل تشعر بالنشاط عندما ترى اللون الأحمر؟ هل يجعلك اللون الأزرق تحس بالهدوء والاسترخاء؟ هل ينتابك القلق والتوتر حين تعكف داخل أروقة غرفة جدرانها صفراء؟ الحقيقة أن الألوان ليست مجرد تجربة بصرية؛ لكنها أداة اتصال قوية جداً غنية بالدلالات النفسية التي يمكن أن تؤثر في عواطفنا وسلوكياتنا وتصوراتنا، هذا بالإضافة إلى أنها  تؤدي دوراً في التأثير في الحالة المزاجية، والقرارات التي يتخذها الأشخاص؛ وهو ما يتجسد في اختيار تفضيلات الألوان التي يرغب الأفراد في ارتدائها، والألوان التي يزينون بها بيوتهم، فما دلالات الألوان في علم النفس؟ الإجابة من خلال هذا المقال.

ما علم نفس الألوان؟

يمكن تعريف علم النفس الألوان (Color Psychology) بأنه دراسة كيفية تأثير الألوان في سلوك الإنسان وعواطفه، واستكشاف الاستجابات النفسية والعاطفية التي تثيرها الألوان المختلفة لدى الأفراد، وكذلك كيفية تأثر الاستجابات للون بعوامل مثل العمر والخلفية الثقافية. وتشمل الموضوعات المختلفة التي يركز عليها علم نفس الألوان ما يلي: 

  • معاني الألوان.
  • تأثير الألوان في الاستجابات الفيزيولوجية.
  • ردود الفعل العاطفية تجاه الألوان.
  • العوامل التي تؤثر في تفضيلات اللون.
  • الاختلافات الثقافية في معاني  الألوان المختلفة.
  • تأثير الألوان في الصحة النفسية.
  • تأثير الألوان في السلوكيات.
  • الطرائق التي يمكن من خلالها استخدام الألوان لتعزيز الرفاهية.
  • كيفية استخدام الألوان لتحسين السلامة وتصميم بيئات منزلية وأجواء عمل أكثر مثالية.

اقرأ أيضاً: ما الألوان التي تختارها لتعزيز كفاءتك في العمل؟

ما دلالات الألوان في علم النفس؟

تُعرف الألوان الموجودة في المنطقة الحمراء من طيف الألوان بـ "الألوان الدافئة"؛ وتشمل الأحمر والبرتقالي والأصفر، وتثير مشاعرَ تتراوح بين مشاعر الدفء والراحة إلى مشاعر الغضب والعداء. وتُعرف الألوان الموجودة على الجانب الأزرق من الطيف بـ "الألوان الباردة"؛ وتشمل الأزرق والأرجواني والأخضر، وغالباً ما توصف هذه الألوان بأنها هادئة؛ ولكنها تثير في النفس مشاعر الحزن أو اللامبالاة. وتجدر الإشارة إلى أن كلاً من دلالات الألوان وتأثيرها النفسي قد يختلف باختلاف الثقافات العالمية، وإليكم دلالات أهم الألوان في علم النفس: 

  • سيكولوجية اللون الأزرق: يعد اللون الأزرق من الألوان الموجودة في الطبيعة؛ حيث نراه في زرقة السماء وأمواج البحار والمحيطات. وغالباً ما يستدعي هذا اللون إلى الأذهان مشاعر الهدوء والاسترخاء، ويمكن وصفه بأنه آمن ومنظم وباعث على السلام. علاوة على ذلك، يُنظر إلى اللون الأزرق على أنه علامة على الاستقرار والموثوقية؛ لذلك تستخدمه الشركات في الحملات الإعلانية والتسويقية. وفي بعض الأحيان، قد يسبب اللون الأزرق مشاعر الحزن والوحدة؛ وذلك لأنه من الألوان الباردة، وقد تجسدت تلك المشاعر بقوة في أثناء الفترة الزرقاء (Picasso Blue Period) للفنان بيكاسو؛ وهذا مصطلح يُطلق على الفترة التي أنتج فيها بيكاسو لوحات يغلب عليها اللون الأزرق، وذلك في الفترة الزمنية (1901 -1904)، ويُذكر إن بيكاسو كان يعاني اكتئاباً حاداً في تلك الفترة بسبب انتحار صديقه كارلوس كازاجيماس.
  • سيكولوجية اللون الأحمر: يعد أحد الألوان الأكثر وضوحاً في طيف الألوان، ويمتاز بقدرته على جذب انتباه الناس؛ ولهذا يُستخدم من أجل تحذير الناس من الأخطار الوشيكة؛ مثل علامات التوقف، وصفارات الإنذار، وسيارات الإطفاء، وإشارات المرور الحمراء. أيضً، يعبر اللون الأحمر عن الخطر بأسلوب غير مباشر؛ مثل استعماله في وصف الخسارة المالية وانخفاض أسعار الأسهم والعملات، وكذلك في التعبير عن انخفاض مستوى البطارية في هاتفك. ويرتبط اللون الأحمر عبر مختلف الثقافات بالغضب والعدوان؛ وهذه العلاقة منطقية بالنظر إلى أن معظم الأشخاص يصابون بالاحمرار في وجوههم بسبب زيادة تدفق الدم عندما يكونون غاضبين. لكن اللون الأحمر لا يشير دائماً إلى الغضب والعدوان، وقد يكون الأمر غريباً بعض الشيء؛ لكن اللون الأحمر يعبر أيضاً عن الحب والرغبة والعاطفة. وفي مجال الرياضة، فإن ارتداء اللون الأحمر يمكن أن يزيد فرصك في الفوز! وفي هذا السياق، يوضح المختص النفسي محمد الشاعر إن اللون الأحمر يمكن أن يؤدي إلى فتح الشهية؛ ولهذا تستخدمه المطاعم في لائحة تقديم الطعام.
  • سيكولوجية اللون الأخضر: يعد اللون الأخضر في علم نفس الألوان من الألوان المريحة نتيجة تخفيفه من حدة التوتر والقلق؛ ولهذا السبب يغلب هذا اللون على ديكورات العيادات الطبية. وينبع تأثير اللون الأخضر المهدئ من ارتباطه بالطبيعة التي عادة ما تجعل الناس يشعرون في ظلالها بالانتعاش والراحة، فاللون الأخضر متأصل في أدمغتنا منذ التطور؛ إذ عرف البشر الأوائل أن اللون الأخضر في الطبيعة يشير إلى الغذاء والماء والمأوى. وفي الأساطير القديمة، يرمز هذا اللون إلى الخصوبة. ونظراً إلى أن اللون الأخضر له روابط قوية بالطبيعة، فقد نكون أكثر عرضة إلى إدراك شيء أخضر على أنه صحي وطبيعي؛ حيث أصبح مصطلح "أخضر" يرمز إلى الحفاظ على البيئة مثل المبادرات التي تحمل أسماء على شاكلة "المساحات الخضراء"، و"التحضر للأخضر"، وغيرها.
  • سيكولوجية اللون الأصفر: غالباً ما يُنظر إلى اللون الأصفر على أنه لون مليء بالطاقة؛ ولهذا يُستخدم في المنتجات والدعايات الإعلانية التي تهدف إلى خلق الشعور بالإثارة والحيوية. ويُعرف اللون الأصفر بطابعه المشرق واللافت للأنظار، علاوة على أنه مبهج وباعث على النشاط والبهجة. ةعلى الرغم من أنه يمكن أن يكون لوناً حيوياً فإنه كثافته لها أيضاً جانب سلبي، ففي بعض الأحيان، يبعث الكثير من الأصفر على التوتر والغضب؛ وهذا ما يفسر شعور البعض بالقلق في الغرف الصفراء.
  • سيكولوجية اللون البني: يمكن للألوان أن تثير ردود أفعال نفسية متشابهة لدى معظم الناس مثل اللون الأخضر؛ ولكن ثمة ألوان أخرى تغلب على تأثيرها التجارب الفردية والخصوصية الثقافية، واللون البني يعد واحداً من هذه الألوان، ومن أهم الخصائص والمشاعر الرئيسة المرتبطة باللون البني في علم نفس الألوان: 
  1. الشعور بالقوة والموثوقية والأمان والاعتمادية؛ وهذا مرتبط إلى حد كبير بأن اللون البني هو لون الأرض.
  2. الإحساس بالوحدة والعزلة والحزن.
  3. مشاعر الدفء والراحة والأمان.
  • سيكولوجية اللون الأسود: اللون الأسود ليس لوناً أساسياً أو ثانوياً أو ثالثياً. في الواقع، اللون الأسود غير موجود في عجلة الألوان لأنه لا يدعد لوناً؛ إنه الألوان كلها! أو بالأحرى: إنه يجسد امتصاص الألوان كلها؛ إذ يمتص اللون الأسود الضوء الموجود في طيف الألوان كله، وعادة ما يرمز اللون الأسود إلى القوة والأناقة، ويُستخدم أيضاً في التعبير عن الشر والموت والحزن. وفي أغلب الثقافات، كان له معنىً سلبي، خاصة إذا أُضيف إلى مصطلحات أخرى؛ مثل "الطاعون الأسود"، و"السحر الأسود"، و"الثقب الأسود"، و"ذكرى الاثنين الأسود"، و"السوق السوداء".
  • سيكولوجية اللون الأبيض: نظراً إلى أن دلالات الألوان قد تختلف من شخص إلى آخر، ومن ثقافة إلى أخرى؛ فإن اللون الأبيض يحمل معانيَ إيجابية وسلبية؛ إنه يرمز إلى الرقة، والنقاء، والهدوء، والإشراق، والانتعاش، والنظافة، والبساطة، وحضوره قد يذكّرنا بالزهور البيضاء الرقيقة والأيام الصافية المشمسة والهواء النقي والعروس الجميلة. وعلى الجانب الآخر، يَعُدّه البعض لوناً بارداً وفارغاً وعقيماً. وفي بعض الثقافات الآسيوية مثل كوريا الجنوبية، تُرتدى الملابس البيضاء في العزاء؛ ولهذا فهو يرتبط بالموت والحداد والحظ السيئ!

اقرأ أيضاً: تجرأ على استخدام الألوان الزاهية لإضفاء الطاقة والحيوية على منزلك

لماذا تؤثر الألوان في الحالة النفسية للأفراد؟

إن سبب تأثير الألوان في الحالة النفسية للأفراد ليس بالأمر الواضح؛ ولكن هناك عدد من العناصر التي يمكن أن تفسر ذلك التأثير؛ وأحد العوامل المهمة هو الارتباط الشخصي باللون. على سبيل المثال؛ إذا كانت لديك لعبة أو دمية مفضلة لونها برتقالي، فقد يكون ذلك لونك المفضل طوال حياتك، وقد تشعر تجاهه بالهدوء والاسترخاء. وعلى الطرف الآخر، قد تصدمك سيارة زرقاء ولهذا يتكون لديك رد فعل عاطفي سلبي تجاه اللون الأزرق.

ومع ذلك، وبسبب التجارب الإنسانية العالمية؛ من الممكن أن تكون استجابة غالبية الناس للون معين متشابهة إلى حد كبير. على سبيل المثال؛ غالباً ما يرتبط اللون الأخضر بالطبيعة والنمو لأن معظم الناس شهدوا نمو النباتات من حولهم. ويعد اللون الأزرق من الألوان الباعثة على الهدوء عالمياً تقريباً؛ لأنه يرتبط بأشياء مثل السماء والماء.

وعلى صعيد آخر، تعد السياقات الثقافية مهمة للغاية في معرفة التأثيرات النفسية للألوان. على سبيل المثال؛ ما يزال اللون الأرجواني مرتبطاً بالفخامة نظراً إلل أن الصبغة الأرجوانية كانت باهظة الثمن ونادرة في العديد من الثقافات القديمة؛ ومن ثَمّ لم تُستخدم إلا من قِبل الملوك. والحقيقة أن هذا الارتباط ليس مباشراً في حد ذاته؛ لكنه كان جزءاً مهماً من روح العصر الثقافي فترةً طويلة بما يكفي حتى أصبح جزءاً من النفس البشرية.