دراسة حديثة ترصد حالة رؤية الوجوه بملامح مشوهة، فما الأسباب النفسية لها؟

4 دقيقة
الوجوه مشوهة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: وثقت دراسة نُشرت في مارس/آذار 2024 حالة رجل ظلّ يرى الوجوه مشوهة وشيطانية مدة 34 شهراً، وهو ليس الحالة الوحيدة التي عانت هذا الأمر؛ إذ أفاد العديد من الأشخاص أنهم عانوا خلال فترات من حيواتهم لأنهم يرون وجوه الناس جميعهم مشوهة؛ مثل تخيل خروج مقلة العين من محجرها وانزلاقها إلى أسفل الخد، أو ظهور تجويف مكان عظم الخد، أو ظهور أسنان وآذان على الشفاه العليا، أو ملامح متطاولة وممدودة مثل العلكة! يعاني هؤلاء الناس اضطراباً معقداً ونادراً جداً في الإدراك البصري، وإليك التفاصيل.

وثّقت دراسة جديدة نشرتها دورية ذا لانسيت (The Lancet) في مارس/آذار 2024 حالة رجل أميركي غريبة من نوعها؛ إذ أفاد أنه استيقظ أحد الأيام ليرى ملامح وجوه أفراد عائلته وأصدقائه والناس جميعهم مشوّهة أو شيطانية، على حد أقواله! وبالطبع، قد يبدو هذا السيناريو خيالياً أو غير قابل للتصديق؛ لكنه في الواقع اضطراب حقيقي نادر يؤثّر في كيفية إدراك الوجوه يُدعى "تشوّه المرئيات الوجهي" (Prosopometamorphopsia)، فما قصة هذا الرجل؟ وما أسباب هذه الحالة؟ وهل يمكن علاجها؟

اقرأ أيضاً: الهلوسة السلبية: عندما تبحث عن نظارتك وأنت ترتديها!

ما الذي توصلت إليه هذه الدراسة الحديثة؟

وفقاً للدراسة؛ يرى الرجل الذي يبلغ من العمر 58 عاماً وجوه الناس جميعها مشوهة ومخيفة؛ إذ كانت ملامحهم تبدو متمددة بشدة مع وجود أخاديد عميقة على الجبهة والخدين والذقن. ومع ذلك، فقد ظل قادراً على التعرف إلى هويات البشر، ولم تكن التشوهات مصحوبة بمعتقدات وهمية عن هويات الأشخاص الذين يلتقي بهم؛ مثل عائلته وأصدقائه، ولم يكن يرى الأشياء مثل المنازل أو السيارات مشوّهة، وذكر إنه ظَلّ على هذه الحالة مدة 31 شهراً.

وتعد حالة هذه الرجل فريدة من نوعها؛ إذ يعد أول مريض يقدم تصورات دقيقة وواقعية عن تشوهات الوجوه التي يراها الفرد المصاب بهذا الاضطراب، خصوصاً أنه لا يرى التشوهات عند النظر إلى صور الوجوه على شاشة الكمبيوتر أو على الورق؛ ما سمح للباحثين بتعديل صور الوجوه على الكمبيوتر، ثم مقارنة مدى تطابق رؤية المريض الفعلية للوجوه مع الصور المعدلة.

اقرأ أيضاً: الجاثوم: الأعراض والأسباب واستراتيجيات الوقاية

ما أعراض اضطراب تشوه المرئيات الوجهي؟

تختلف الأعراض من حالة إلى أخرى؛ لكنها عموماً تؤثِّر في شكل ملامح الوجه أو حجمها أو لونها أو موضعها أو ملمسها؛ أيّ قد تتدلى الملامح، أو تصغر أو تكبر أكثر من المعتاد، أو تكون خارج موضعها (عين خارج موضعها)، أو تبدو الملامح متمددة ومتطاولة، أو تتحول إلى أشكال هندسية، أو قد تظهر الوجوه شيطانية الشكل مثل حالة الرجل الآنف الذكر، وقد يظهر الجلد على شبه لحاء الشجر.

هذا وقد يرى بعض الأفراد تشوهات تؤثر في الوجه بأكمله؛ في حين يراها آخرون على جانب واحد فقط من الوجه. يُذكر إن هذه الرؤى قد لا تستمر في الحالات معظمها سوى بضعة أيام أو أسابيع؛ لكنها قد تستمر في بعض الحالات إلى سنوات.

اقرأ أيضاً: تعرَّف إلى أعراض الذهان الزوري وعلاجه

ما أسباب اضطراب تشوه المرئيات الوجهي؟

لم يُفهم السبب الدقيق وراء هذه الحالة على نحو تام بعد؛ ولكن يُرجح أنها ترتبط بتلف أو خلل وظيفي في مناطق الدماغ المشاركة في المعالجة البصرية لمعلومات الوجوه؛ مثل التلفيف المغزلي والثلم الصدغي العلوي، ويمكن أن يحدث ذلك نتيجة العديد من المشكلات الدماغية والحالات العصبية المختلفة.

في الواقع، حددت دراسة نشرت في دورية كورتيكس (Cortex) عام 2021 بعضاً من هذه الأسباب؛ مثل الاحتشاء الدماغي (اضطراب في تدفق الدماء إلى جزء من الدماغ)، أو السكتة الدماغية النزفية، أو مضاعفات عملية جراحية في الرأس، أو إصابة ميكانيكية على الرأس، أو ورم في المخ.

بالإضافة إلى ذلك، قد يكون السبب مرتبطاً بوجود الصرع، أو الصداع النصفي، أو الفصام، أو الاضطراب الذهاني القصير، أو متلازمة أليس في بلاد العجائب، أو متلازمة تشارلز بونيه؛ إذ وُجد أن 24% من الحالات المدروسة لم تنطوِ على أي تشوهات هيكلية مرتبطة بالدماغ.

اقرأ أيضاً: متلازمة أليس في بلاد العجائب: الأعراض والأسباب

كيف تؤثر رؤية الوجوه مشوهة في الصحة النفسية؟

قد تسبب هذه الحالة مشاعر الضيق والعزلة الاجتماعية وصعوبة تكوين العلاقات الوثيقة، بالإضافة إلى أن الخوف والارتباك الناجمين عن رؤية الوجوه مشوهة قد يؤديان إلى تفاقم حالات الصحة النفسية الأخرى الموجودة؛ مثل اضطراب ما بعد الصدمة أو الاضطراب الثنائي القطب؛ ما يؤدي إلى زيادة نوبات القلق والاكتئاب، وحتى الأفكار الانتحارية.

علاوة على ذلك، فإن التشخيص الخاطئ لهذه الحالة وعَدّها اضطراباً نفسياً يُفاقمان في كثير من الأحيان تحديات الصحة النفسية التي يواجهها هؤلاء الأفراد؛ إذ قد يتلقون علاجات غير مناسبة أو قد يُوضعون في مؤسسات للعلاج النفسي دون داعٍ.

ويقول أستاذ علم النفس والطب النفسي وأحد مؤلفي دراسة ذا لانسيت، براد دوشين (Brad Duchaine)، فيما يخص التشخيص: "أخبرنا العديد من المرضى المصابين بهذا الاضطراب بأنهم شُخصوا بالفصام على أيدي الأطباء النفسيين، وأنهم تناولوا مضادات الذهان؛ في حين أن حالاتهم تعد مشكلة في النظام البصري وليست فصاماً". وأردف: "ليس غريباً أن يمتنع الأشخاص الذين يختبرون هذه الحالة عن الإفصاح عن مشكلاتهم؛ لأنهم يخشون أن يظن الآخرون بأن هذه الرؤى علامة على وجود اضطراب نفسي، فهذه مشكلة لا يفهمها الناس أغلبهم".

اقرأ أيضاً: ما هي الهلوسة الفكرية؟ وما أعراضها؟

ما الأساليب العلاجية المتاحة لهذا الاضطراب؟

غالباً ما تختفي هذه الرؤى بعد بضعة أيام أو أسابيع؛ لكنها قد تستمر في بعض الحالات عدة سنوات كما ذُكر سابقاً؛ أما لماذا تختفي بعض الحالات بسرعة في حين تستمر حالات أُخرى لفترة طويلة، فهو أمر ما زال غير مفهوماً.

عموماً، يُعالج الاضطراب بناءً على السبب الرئيس الذي أدى إلى حدوثه، وقد يشمل ذلك أدوية الصداع النصفي، أو الأدوية المضادة للصرع، أو الجراحة لإزالة الأورام. يُذكر إن هذه الرؤى قد تقل أو تختفي بعد هذه التدخلات؛ لكن ليس من الواضح تماماً إذا كان التدخل العلاجي هو الذي أسهم في التحسن مباشرةً أو أنها اختفت من تلقاء نفسها.

بالإضافة إلى ذلك، وُجد أن ارتداء نظارات ذات عدسات خضراء قلل التشويه المنظور في بعض الحالات؛ لكن ذلك قد يختلف من شخص إلى آخر. ويأمل بعض الباحثين في إجراء المزيد من الاختبارات من أجل صنع نظارات قد تساعد الناس المصابين بهذه المتلازمة النادرة على رؤية الوجوه على نحو أكثر تناسقاً. في الختام، ينصح الخبراء الأشخاص الذين يعانون رؤية الوجوه مشوهة أو أعراض مشابهة بطلب المساعدة المختصة، خصوصاً أن هذه الرؤى قد تكون دليلاً على مشكلة أكبر تحتاج إلى علاج.

المحتوى محمي