الهلوسة السلبية: عندما تبحث عن نظارتك وأنت ترتديها!

2 دقيقة
الهلوسات السلبية
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: الهلوسة عرَض من أعراض الأمراض النفسية والعقلية، لكنّها قد تنتابنا جميعاً في حياتنا اليومية عندما ندرك أموراً لا وجود لها. لكن ماذا لو أنكر إدراكنا الأشياء الموجودة بالفعل في الواقع؟ هذه هي الظاهرة التي تُسمّى “الهلوسات السلبية”. إذا أردت أن تدرك المعنى العلمي لهذه الظاهرة تابع قراءة المقال التالي.

تعرف إلى الهلوسة السلبية

عندما كنت أهُمّ بمغادرة بيتي هذا الصباح خطر في بالي هذا السؤال: “أين مفاتيحي؟” استدرت عائداً ثم بحثت وفتّشت عنها دون جدوى. بعد 5 دقائق من البحث غير المجدي، جلست ثم شعرت فجأة بثقلٍ في راحة يدي اليسرى. إنها مفاتيحي! أنا متأكد أنك تبتسم بعد سماعك هذه القصة: لكن من منّا لم يشعر من قبل بالهلوسات السلبية؟

يعرّف الطبيب النفسي هنري إِي (Henri Ey) الهلوسة بأنها “إدراك شيء غير موجود”. وتمثّل الهلوسة السلبية الظاهرة المكمّلة للمفهوم الأول: إنها “شيء موجود دون إدراك”. يشدّد إي؛ الذي يعدّ أحد أكبر الخبراء في دراسة هذه الظاهرة؛ على أن الهلوسة لا تحدث إلا إذا “صدّق” الفرد الوجود الفعلي لهلوساته. لكن ماذا يمكن أن نقول عن الهلوسات السلبية؟ هل يمكن أن نصدّق عدم وجود شيء له وجود مادّي ملحوظ؟ هذه هي المفارقة التي تكشفها ظاهرة عمى الانتباه. كي ندرك الشيء لا بد أن يكون لدينا تصوّر مسبق عنه.

ما الذي يقوله الخبراء عن الهلوسات السلبية؟

لماذا لم أدرك ثقل المفاتيح في يدي؟ لأنني لم أتصوّر أنها قد تكون موجودة في يدي. المعالج النفسي الأميركي ميلتون إريكسون (Milton Erickson) أفضل مَن فهِم القوّة العلاجية للهلوسات السلبية. خلال جلسات العلاج بالتنويم المغناطيسي التي يشرف عليها، كان يستقبل بانتظام متدرّبين يستمعون إلى تعليقه على عملياته العلاجية في أثناء إجرائها.

وكي يتجنّب التشويش على المرضى بحديثه مع المتدرّبين لجأ إلى إطلاق هلوسات صوتية سلبية (كان يقول مخاطباً المريض: لن تسمع إلا الكلام الموجّه إليك)، وهكذا كان يخوض محادثتين في الوقت نفسه إحداهما مع المريض والثانية مع المتدرّب. والمثير في هذه الجلسات هو أنّ المريض كان قادراً تحت التنويم المغناطيسي على فهم قصد إريكسون ومحو ما يدركه من كلام غير موجّه إليه فوراً.

هذا يعني أنّ انتباهنا يتّصف بالعمى، ولا يرصد ما يخرج من مجاله، وأنّ مجال الإدراك يتحدّد باستمرار وفقاً لتقلّبات الوعي بين العالم الخارجي والعالم الشّخصي الداخلي. إن الهلوسات السلبية مجرد أخطاء وثغرات تفتح نوافذ تفكير عديدة في طبيعة حياتنا النفسية وأمراضنا العقلية أيضاً.

لتلخيص ما سبق سأترك المجال لمقولة الكاتب الفرنسي غِي دو موباسان (Guy de Maupassant) الذي ربّما منحنا أجمل وصف أدبي لاختفاء الانعكاس في المرآة بتشبيهٍ يجسّد ظاهرة الهلوسات السلبية: “أرى كأنني في واضحة النهار، لكنّني لا أرى نفسي في المرآة! كانت فارغة، واضحة وعميقة، ومفعمة بالنور! لم تكن صورتي بداخلها، على الرغم من أنني أقف أمامها”.

اقرأ أيضاً: