الاكتئاب هو اضطراب مزاجي يسبب الشعور الدائم بالحزن وفقدان الاهتمام، ويُعرف باسم الاضطراب الاكتئابي الرئيسي أو الاكتئاب السريري (MDD)، وهو يؤثر على التفكير والشعور والتصرف، لكن ما هي المفاهيم الخاطئة عن الاكتئاب؟
يُعد الاكتئاب حالة مرضية إذا استمرت لمدة أسبوعين على الأقل. والاكتئاب مُعترف به في الدليل التشخيصي والإحصائي الخامس للاضطرابات النفسية (DSM-5)، ويصيب شخصاً من كل 15 شخصاً بالغ سنوياً، ومن المتوقع أن يُصاب شخص من كل 6 أشخاص بالاكتئاب في فترة معينة من حياته. وتشير الأبحاث التي ترجع لعام 2019، إلى أن 30% من المواطنين القاطنين بالبلدان العربية إما شعروا بالاكتئاب، أو عانوا من أعراضه بسبب ضغوط الحياة اليومية. وتتراوح أعراض الاكتئاب من الخفيفة إلى الشديدة؛ وتشمل اعتلال المزاج والحالة النفسية الواجمة والحزن، وفقدان القدرة على الاستمتاع بالأنشطة المعتادة، وقد تمتد إلى تغيرات في الشهية -سواء فقدانها أو زيادتها- ومشاكل في النوم، وفقدان الطاقة، وزيادة الشعور بالتعب، وصعوبة الحركة والكلام، والشعور بالذنب، وفقدان الاستمتاع بالحياة، والشعور بأن لا شيء يستحق المحاولة، وقد يصاب الشخص بأفكار انتحارية؛ لكن لا يصاب كل مرضى الاكتئاب بالأعراض ذاتها، فقد يصاب البعض بكل الأعراض، والبعض الآخر ببعض الأعراض فقط.
ما زال المرض النفسي -لا سيما الاكتئاب- يمثل وصمة عار في عالمنا العربي، ذلك أنه ارتبط في أذهان الكثير من الناس بفقدان الأهلية وحتى الجنون، بسبب الأفكار المغلوطة المنتشرة عنه. نستعرض فيما يلي أهم المفاهيم الخاطئة عن الاكتئاب المنتشرة بين عامة الناس، ثم نبيّن سبب عدم صحتها:
1- الاكتئاب ليس حالة مرضية
من المفاهيم المغلوطة عن الاكتئاب أنه ليس مرضاً حقيقياً، أو أنه مجرد حالة من الكسل؛ بل يعتقد البعض أنه سمة شخصية لبعض الناس؛ لكن الحقيقة أن الاكتئاب مرض ينتج عن اختلال في كيمياء المخ، وعدة أسباب أخرى؛ مثل الأسباب الجينية، والأسباب البيئية - أي أنه ليس اختياراً. كذلك من الممكن أن يؤدي إلى مشكلات عاطفية وجسدية، فهو أكبر من مجرد حزن، وقد يحتاج إلى علاج طويل الأمد عن طريق الأدوية، أو جلسات العلاج السلوكي المعرفي أو"السيكو ثيرابي"؛ وهي جلسات مع معالج نفسي متخصص تساعد في إدارة الحياة بشكل أفضل.
اقرأ أيضا: هل يعود الاكتئاب بعد العلاج؟
2- الرجال لا يصابون بالاكتئاب
الصورة النمطية عن الرجال هي أنهم ليسوا متوهجي العاطفة، ولا يمتلكون مشاعر يسهل التعبير عنها؛ وبالتالي لا يصابون بالاكتئاب، ويبدو دائماً أن النساء أكثر عرضة للاكتئاب، أما الرجال فهم يغضبون، أو يحزنون؛ لكن لا يصابون بالاكتئاب. لكن الحقيقة أن الاكتئاب لا يصيب الناس على أساس نوعهم البيولوجي، فهو يصيب الإناث والذكور على حد سواء. ربما تطلب النساء المساعدة أكثر من الرجال؛ لكن الرجال أيضاً يصابون به، ويجب عليهم طلب المساعدة النفسية، لمنع تدهور الحالة.
اقرأ أيضا: لماذا الاكتئاب أكثر شيوعاً بين النساء مقارنة بالرجال؟
3- الاكتئاب مرض مزمن لا يمكن علاجه
على عكس الأسطورة التي تقول إن الاكتئاب ليس حالةً مرضيةً حقيقيةً؛ هناك أيضاً مفهوم خاطئ على الناحية الأخرى يقول إن الاكتئاب لا يمكن الشفاء منه؛ لكن في الحقيقة علاج الاكتئاب موجود ومتاح، لكن دون تعريف موحّد لكيفية التعافي منه؛ إذ يختلف الأمر بالنسبة لكل شخص مصاب، ويتمثل العلاج في حضور جلسات العلاج المعرفي السلوكي، وتناول أدوية الاكتئاب كما وصفها الطبيب، وتجنب استهلاك الكحول والمخدرات، وماقد يتعارض مع فعالية الأدوية.
اقرأ أيضا:
4- الأطفال لا يصابون بالاكتئاب
قد يظهر الاكتئاب في أي سن، ولأي جنس، والأطفال أيضاً يصابون به، فقد ينتاب الأطفال أحياناً اليأس أو الحزن، أو يفقدون شغفهم بالأشياء التي تعودوا أن يهتموا بها في السابق، واستمرار الشعور بالحزن واليأس يمكن أن يُشخَص على أنه اكتئاب. أعراض الشعور بالاكتئاب عند الأطفال تتمثل في الشعور بالحزن، و تغَيُّر نمط الأكل عن المعتاد، فقد يُقبل الطفل المكتئب بشكل كبير على الطعام، أو يُعرض عنه تماماً. قد يشعر الطفل المكتئب أيضاً بالتعب والقلق، وتظهر عليه سلوكيات سلبية وضارة، فالاكتئاب الشديد قد يؤدي بالطفل إلى التفكير في الانتحار.
5- الاكتئاب ينتج فقط عن حوادث الحياة
يعتقد البعض أن الاكتئاب سببه الحوادث السيئة حصراً؛ مثل فقدان وظيفة، أو الطلاق أو الانفصال عن الشريك أو الشريكة. نعم قد يصاب المرء بالاكتئاب جرّاء تعرضه لمثل هذه الحوادث؛ لكن يمكن أن يحدث الاكتئاب دون وجود سبب واضح، وقد ينتج أيضاً عن تناول بعض الأدوية، ومشاكل في الهرمونات، وقد يتسبب فيه أحياناً الولادة، وتعاطي الكحول والمخدرات، وقد يكون عرضاً جانبياً لأمراض عضوية مثل السرطان والآلام المزمنة والتهاب المفاصل ومشكلات في الغدة الدرقية.
6- الاكتئاب شيء طبيعي في مرحلة الشيخوخة
في الحقيقة إن كبار السن أكثر عرضةً للاكتئاب؛ لكن لا يمكن اعتبار الاكتئاب شيئاً طبيعياً في أي سن، وسبب حدوث الاكتئاب في العمر المتقدم يرجع إلى تدهور الحالة الجسدية، والحالات المزمنة تجعل كبار السن أكثر عرضةً للاكتئاب؛ لكن على الرغم من ذلك لا يمكن اعتبار ذلك حالةً طبيعيةً، وهناك الكثير الذي يمكن فعله لتحسين هذه الحالة.
7- حتمية الإصابة بالاكتئاب بسبب التاريخ الوراثي
لا يتطور الاكتئاب لدى كل شخص له تاريخ وراثي معه. بالفعل الاكتئاب يدخل في تكوينه جزء جيني؛ لكن لا توجد حتمية بأن كل شخص مولود لأم أو أب مصاب/ة بالاكتئاب، سيصاب به. لكن يمكن أن يؤثر الجو العام على قابلية الشخص للإصابة بالاكتئاب، ومن المهم ذكر كونكم تمتلكون تاريخاً عائلياً من الاكتئاب لطبيبكم النفسي، وعليكم التركيز على العوامل التي تقلل من الاكتئاب؛ مثل الابتعاد عن تناول الكحول والمخدرات، والاهتمام بصحتكم النفسية.
8- مضادات الاكتئاب تغير من الشخصية
مفهوم آخر خاطئ عن الاكتئاب يكمن في مضادات الاكتئاب، إلى جانب الاعتقادات الخاطئة بأنها تؤدي إلى الإدمان، وأنكم ستحتاجون إلى تناولها طوال الحياة، ويعتقد البعض أنها تغير من الشخصية، لكن الحقيقة أن مضادات الاكتئاب تؤثر على المخ وليس لها أي تأثير على الشخصية، وعلى العكس؛ تساعدكم مضادات الاكتئاب على العودة إلى ذواتكم التي تعرفونها قبل المرض.
9- المراهقون مكتئبون بطبيعتهم
قد يتشابه المراهقون في التقلبات المزاجية؛ لكن كما ذكرنا من قبل لا يمكن اعتبار الاكتئاب شيئاً طبيعياً في أي سن، فالشعور بالحزن لفترة طويلة ليس أمراً طبيعياً، وخاصة إذا استمر لمدة أسبوعين أو أكثر، فقد تكون تلك علامةً على الإصابة بالاكتئاب، وهو يصيب شخصاً من كل 11 مراهق، ومن علامات الاكتئاب الأخرى لدى المراهق الانفعال المستمر، وفقدان القدرة على الاستمتاع بالنشاطات المفضلة، أو التدني المفاجئ في المستوى الدراسي.
اقرأ أيضا:
10- الإيجابية تُذهب الاكتئاب
الاكتئاب لا يذهب من تلقاء نفسه، لذلك عادةً ما يكره المصابون بالاكتئاب النصح بأن يكونوا إيجابيين،
لأن الاكتئاب ببساطة ليس اختياراً، والاعتقاد بأن الإيجابية ستغلب الشعور بالاكتئاب يؤذي الشخص المكتئب، رغم النوايا الحسنة، فالشخص المصاب بالاكتئاب يعاني لبعض الوقت من الضيق وبعض المشكلات الإدراكية، وتحتاج حالته إلى علاج جاد، وليس فقط أن ينظر للجانب المشرق من الحياة.
وفي الختام؛ يجب القول أن الإصابة بالاكتئاب شديدة الشيوع، ويجب عليك أن تعلم أنك لست وحدك أو أنكِ لست وحدكِ في ذلك، ولا يوجد مبرر للمعاناة، كما عليكم الاستعانة بمختص للبحث عن الطريقة المثلى للتعامل مع الاكتئاب. كما يجب التنويه لضرورة القضاء على هذه المفاهيم الخاطئة عن الاكتئاب والمفاهيم المغلوطة الشائعة، لأنها قد تزيد في تعقيد حالة الشخص المكتئب؛ ويكون ذلك عبر نشر المعلومات الصحيحة عن الاكتئاب بين من حولك من أقارب وأصدقاء.
اقرأ أيضا: