يتهربون من المسؤولية دائماً، فينظر الآخرون إليهم على أنهم جبناء وطفوليون وأنانيون؛ لكن التفكير في أن تكون مسؤولاً يمكن أن يكون مخيفاً وغير محتمل حقاً ويمكن أن يسبب لك "رهاب المسؤولية" أو "هايبوفوبيا". كيف يمكن تفسير ذلك؟
يقول بلال؛ 35 عاماً وهو أعزب: "قد يكون ذلك غير منطقي؛ لكن بمجرد أن أسمع كلمة المسؤولية، تتشنّج كل عضلاتي. لا يمكنني تحمل فكرة اعتماد شخص ما عليّ. عندما تطلب مني امرأة الالتزام معها، تنتابني نوبات قلق، أشعر بالاختناق، كما لو كنت محاصراً في مصعد". يتخذ رفض المسؤوليات وجوهاً مختلفة؛ مثل الخوف من أن يتم الحكم على أفعالك ورغباتك، أو فقدان خصوصيتك؛ ولكن القلق هو السبب دائماً، ومن المحتمَل أن يتحوّل إلى رهابٍ حقيقي يُدعى "رهاب المسؤولية"، أو "هايبوفوبيا".
هل هناك سبب وراثي لرهاب المسؤولية؟
تقول ريجين فرانكل؛ أخصائية علم النفس الإكلينيكي: " إنّ تحمّل المسؤوليات المهنية أو الأسرية أو الأخلاقية هو بلا شك مصدر ضغط. ومع ذلك، فإن الدراسات في مجال علم النفس الإحيائي، ولا سيما أعمال جيروم كاغان؛ الباحث في جامعة هارفارد الأميركية وأحد الرواد الرئيسيين في علم النفس التنموي، تُظهر أن ما يقرب من 20% من الأشخاص يولدون بخصائصَ كيميائية عصبية تجعلهم أكثر حساسيةً للتوتر والأشياء الجديدة".
إنهم يرثون اللوزة شديدة التفاعل - الجزء من الدماغ الذي يتحكم في الخوف ويديره – والتي تجعلهم يشعرون بالهلع عند أدنى حالة طارئة. يتعرض هؤلاء الأشخاص في هذه المواقف إلى المساءلة، ويتعين عليهم التعرّض لحكم الآخرين، فيثور قلقهم بسرعة وبشكلٍ مكثّف للغاية. إذاً هل عدم القدرة على تحمل المسؤولية متأصل في الجينات؟ تقول فرانكل: "ظعنا نفترض أنه -كما هو الحال مع أي سلوك بشري- مرتبط بعواملَ مختلفة؛ بما في ذلك العامل الوراثي".
من الخوف من الوقوع في الخطأ إلى رفض الالتزام
يفضل جعفر أن ينفّذ الأوامر بدلاً غن تحمل المسؤوليات المهنية، بينما تلقي إسراء باللوم على شريكها فيما يتعلق بمشاكلهما الزوجية، أما سليمان، فيلوم زوجته دائماً كلما نشب شجارٌ بينهما. تستجيب هذه المواقف الثلاث لحاجة متطابقة: إخفاء نقاط ضعف المرء. يقول جيرارد لوفان؛ المحلل النفسي: "إن الشخص الذي يخشى أكثر من أي شيء آخر أن يكتشف الآخرون أنه ارتكب خطأً ما، يرى نفسه مخطئاً دائماً". يبدو الأمر كما لو أن شخصية أبوية صارمة تطارده وتذكره باستمرار بأنه "عديم الفائدة، سيئ، لن يحقق أي شيء جيد، يجب أن يعاقَب". يسمي التحليل النفسي هذا الصوت الداخلي المستمر بالأنا العليا.
تتشكل هذه السلطة النفسية من خلال دمج المحظورات الأبوية التي كانت مفروضة علينا. كلما استمر الفرد في إضفاء الطابع المثالي على الأب المتصلّب أو الأم المثالية، زاد شعوره بالحكم عليه دون رأفة، وبأنه مدانٌ مسبقاً. وفوق كل شيء؛ يعتبر نفسه غير جدير بتولي مسؤولية ما كشخص بالغ لأن من يجب أن يتحملها -في لا وعيه- أبوه أو أمه، لذلك يقرر الاستسلام أو الهروب.
يقول جيرار لوفان: "مثال الفيلسوف الدنماركي سورين كيركيغارد البليغ يتحدث عن نفسه. لقد أشاد بالالتزام الذي يمثله الزواج؛ لكنه لم يتزوج من ريجين؛ المرأة التي أحبها حتى مماته، مسحوقاً بصورة الأب الذي لا يُقهر".
ما العمل؟
كن أكثر تسامحاً مع نفسك
غالباً ما يخفي رفض المسؤولية تخيلاً غير واعٍ للكمال؛ ولكن من أين يأتي؟ لمَ يغضب آباؤنا منّا دائماً؟ ولمَ يطالبونا بالكثير، فتترسخ فينا فكرة "لكي أكون محبوباً؛ يجب أن أكون مثالياً. إذا لم أتحمل المسؤولية، فلن يلاحظ أحد أنني لست مثالياً"؟ من المهم جداً أن ندرك أن الكمال غير موجود في هذا العالم، وأن ارتكاب الأخطاء بين الحين والآخر أكثر راحةً من الاستمرار في الهروب.
غيّر قناعاتك
يعتقد العديد من الذين يعانون من رهاب المسؤولية أنهم يحافظون على حريتهم من خلال عدم تعرضهم لمحاسبة على أي شيء. هذه مغالطة، فإذا لم تكن مسؤولاً عما يحدث لك، ولا عن عجزك أو مشاكلك، وإذا لم تكن مسؤولاً عن الحب الذي تتلقاه أو تفتقر إليه، فإن شخصاً آخر سيكون هو المسؤول. شخص ما... تعتمد عليه كلياً.
واجه خوفك
تحمل المسؤولية يعني أن لديك الشجاعة لتأكيد نفسك وقبول عواقب أفعالك. بينما نتصور مشكلةً ككل، فإنها تستحوذ علينا وتعيقنا. بدلاً عن التمسك بعبارة "لا يمكنني تحمل المسؤولية"؛ اسأل نفسك "ما الذي أخاف منه؟ ما هي الأوقات التي يكون فيها تحمل المسؤولية صعباً بشكل خاص بالنسبة لي؟".
نصائح للأقرباء والأصدقاء
هل لا يفي بوعوده؟ هل يغير رأيه وينفيه؟ من خلال انتقاده، والإشارة إلى تقلبه أو سوء نيته؟ فأنت تلعب فقط دور الأنا العليا الصارمة، والتي يحاول يائساً الهروب منها من خلال سلوكه غير اىمسؤول. واجه مُحاورك بتناقضاته بهدوء، وادفعه إلى تحمل مسؤولية أقواله.
قد تكون مشكلته أنه عومل لفترة طويلة كطفل لم يُطلب منه أي شيء؛ أخبره أنك لست والده أو والدته، وأنه يجب أن يكون أمامك شخصاً يمكنك الاعتماد عليه. لا داعي لأن تلومه على كسله أو قلة طموحه، فهو قبل كل شيء، يحتاج إلى الشعور باحترام الذات والأمان.
شهادة مريم؛ 34 سنة، مساعدة إنتاج
تقول مريم: "كنت أخشى أن أتعرض للضرب. عملت لسنوات طويلة في وظائف غريبة في الوقت الذي كنت فيه أحلم بالعمل في السينما أو في الاتصالات - خلفيتي الأكاديمية؛ لكن فكرة أخذ زمام المبادرة جعلتني أشعر بالخوف. رأيت مشهداً من طفولتي: أمي تضربني لأن أخي الصغير الذي تركَته بعهدتي كان يبكي عندما عادت. لذلك صرت أعتقد أن فكرة "أن تتحمل المسؤولية" تعني أنك "ستتعرّض للضرب" وأصبحت أعاني من "رهاب المسؤولية". ساعدتني إحدى صديقاتي على إدراك ذلك عندما اعترفت لي بأنها تقدر مصداقيتي، واكتشفت حينها أنه يمكن أن تكون لدى الآخرين نظرة إيجابية عني، ووجدت وظيفةً مناسبةً، ولم أتعرّض للضرب".