ملخص: هل سبق لك أن تساءلت عن سبب بقاء بعض المهام غير المكتملة، عالقة في ذهنك أكثر من غيرها؟ لماذا يستمر الكتاب الذي توقفت عن قراءته، والمشروع الصغير الذي بدأته، بالظهور في ذهنك وملاحقتك؟ إنه تأثير زيغارنيك. فما هذه الظاهرة؟ وكيف تُمكن السيطرة عليها؟ لنتابع في هذا المقال.
محتويات المقال
هل تعرّضت إلى ملاحقات من المهام العالقة وغير المنجزة، بحيث بقيت تؤرقك حتى عدت إليها فأتممتها ثم تابعت حياتك من جديد؟ أعتقد أنك الآن تحصيها، لا عليك، جميعنا مررنا بلحظات مماثلة؛ إنها ما يُعرف بـ "تأثير زيغارنيك" (Zeigarnik Effect)؛ أي الميل إلى تذكر المهام غير المكتملة أكثر من المكتملة. إنها ظاهرة نفسية طبيعية، وضرورية أيضاً؛ إذ تتحول إلى دافع قوي لإكمال المهام المتراكمة. لكن عندما تصبح لوماً وتأنيباً متواصلاً لنفسك، قد تتحول إلى مشكلة.
فما تأثير زيغارنيك الذي يدفع بالمهام غير المكتملة أو التي قوطعت إلى أذهاننا طوال الوقت؟ وكيف تُمكن السيطرة عليه؟ الإجابة في هذا المقال.
ما تأثير زيغارنيك؟
في يوم ما في عشرينيات القرن الماضي، وبينما كانت عالمة النفس الروسية بلوما زيغارنيك (Bluma Zeigarnik) جالسة في أحد مطاعم مدينة فيينا، لاحظت أن النوادل تمكنوا من تذكر طلبات الطاولات كلها طالما لم تتلق الطعام أو تدفع ثمنها. لكن ما إن يُسلَّم الطعام وإغلاق الحساب، تتبدد طلبات الزبائن من أذهانهم.
لدراسة هذه الظاهرة، أجرت زيغارنيك سلسلة من التجارب، طلبت فيها من مجموعة من المشاركين إنجاز ما بين 18 و22 مهمة بسيطة مثل حل مسألة رياضية أو صنع شكل من الطين، ثم قاطعت المشاركين خلال بعض المهام. في المرحلة التالية، سألت المشاركين عن المهام التي عملوا عليها، فكانت النتيجة أن المشاركين تذكروا المهام التي لم يكملوها بنسبة 90% أفضل من المهام المكتملة.
دعم العديد من الأبحاث لاحقاً تأثير زيغارنيك؛ حيث أثبت الباحث في الذاكرة، جون باديلي (John Baddeley)، في دراسته المنشورة في المجلة الفصلية لعلم النفس التجريبي (Quarterly Journal of Experimental Psychology)، أن المشاركين كانوا أكثر قدرة على تذكر كلمات الجناس التي فشلوا في إكمالها مقارنة بتلك التي أنهوها بنجاح، وبذلك أُطلق على هذه الظاهرة "تأثير زيغارنيك"، وتنص على أن المهام غير المكتملة تخلق توتراً عقلياً يجعلها لا تُنسى، فيتذكر الأفراد المهام غير المكتملة على نحو أفضل من المهام المكتملة.
اقرأ أيضاً: هل تزيد قوائم المهام (To do lists) قلقك؟ إليك الحل الفعّال
كيف يعمل تأثير زيغارنيك؟
تشبه الذاكرة القصيرة المدى السبورة البيضاء الصغيرة؛ حيث يمكنك تدوين ملاحظات سريعة عليها ولكنها ليست مخصصة للتخزين الطويل المدى؛ إذ تتمتع بسعة محددة لمدة معينة، وبمجرد محاولة حفظ ذكريات جديدة، تُمسح الأقدم لإفساح المجال للجديدة. وما لم تتدرب عليها؛ مثل تكرارها في رأسك أو كتابتها، فستبدأ في التلاشي.
للتعامل مع هذا الحمل الكبير من المعلومات؛ مثل محاولة النوادل تذكر الطلبات جميعها، يلجأ الدماغ إلى أساليب تساعده على تذكر قدر كبير من المعلومات؛ ومنها تأثير زيغارنيك. إذ يساعد الاستدعاء الذهني المستمر للمهام غير المكتملة على الاحتفاظ بها في الذاكرة حتى تُنجَز.
يمتد تأثير زيغارنيك إلى ما هو أبعد من الذاكرة القصيرة المدى؛ حيث إن الأهداف غير المكتملة يمكن أن تستمر في التطفل على أذهاننا فترةً زمنية طويلة نسبياً. على سبيل المثال؛ إذا لم تتمكن من إنهاء دراستك الجامعية، فقد تظل فكرة عدم نيلك شهادة جامعية عالقة في ذاكرتك لسنوات.
إقرأ أيضاً: 5 عادات يومية تهدر وقتك وطاقتك، فكيف تتخلص منها نهائياً؟
3 مناحٍ حياتية تُمكن الاستفادة فيها من تأثير زيغارنيك
قد تكون الأفكار المتطفلة حول المهام غير المكتملة غير مرغوبة؛ لكن ثمة العديد من الفوائد لها إذا تعلم الفرد توجيه هذه الأفكار والسيطرة عليها. ومن أهم فوائد تأثير زيغارنيك التي قد نلمسها في حيواتنا اليومية:
- التعليم والدراسة: بينما قد تبدو مقاطعة الدرس مضيعة للوقت؛ إلا أنه وفقاً للعديد من الباحثين الذين درسوا تأثير زيغارنيك في التعليم؛ فإنه يمكن أن يكون وسيلة ملائمة للحفظ. حيث يشير التأثير إلى أن الطلاب الذين يقطعون دراستهم لأنشطة غير ذات صلة مثل ممارسة لعبة أو تناول الطعام، تمكنوا من تذكر المعلومات على نحو أفضل ممن ينهون الدراسة في جلسة واحدة.
- التسويق والإعلان: ساعد تأثير زيغارنيك المعلنين على تسويق منتجاتهم. يمكنك التفكير في مقاطع الفيديو الترويجية للأفلام المصممة لإثارة فضولك لمعرفة أحداث الفيلم كاملة. أو ربما قد تكون على علم بذلك الشعور التي ينتابك عندما تنتهي حلقة تلفزيونية في لحظة مشوقة وحاسمة، إن هذه "المهمة" غير المنتهية؛ أي معرفة مجريات الأحداث، ستدفعك إلى تذكر متابعة الحلقة التالية.
- علاج المماطلة: يمكن التخلص من المماطلة التي تدفعك إلى تأجيل مهامك حتى اللحظة الأخيرة بتنشيط تأثير زيغارنيك. الفكرة هي أن المهمة غير المنتهية ستبقى عالقة في ذهنك ما لم تتخذ خطوة صغيرة فيها. ثم تدريجياً، يحث العقلُ الباطن العقلَ الواعي على اتخاذ المزيد من الخطوات حتى تنهي المهمة.
اقرأ أيضاً: كيف تتخلص من فكرة إدارة كل صغيرة وكبيرة بنفسك؟
تعرَّف إلى تأثير زيغارنيك في صحتك النفسية
ينصّ تأثير زيغارنيك على أن الناس قد يميلون إلى تذكر المهام غير المكتملة أفضل من تلك التي أُنجزت؛ ما قد يكون له تأثير سلبي وإيجابي في الصحة النفسية:
- الجانب الإيجابي لتأثير زيغارنيك: يمكن أن يوفر تأثير زيغارنيك الدافع اللازم لإنهاء المهام، وبمحرد إكمال المهمة، وتوقف العقل الباطن عن تذكير العقل الواعي بضرورة العمل على المهمة، سيدخل العقل في حالة استرخاء وهدوء. أضف إلى ذلك شعور الثقة بالنفس واحترام الذات الذي يولده إنجاز المهمة.
- الجانب السلبي لتأثير زيغارنيك: وفقاً للمختص الاجتماعي، شجاع القحطاني؛ قد يبقى تأثير زيغارنيك نشطاً طوال الوقت بحيث يستمر الدماغ في البحث عن أهداف ومهام غير منجزة لإكمالها، من دون راحة؛ ما قد يؤدي إلى الإصابة بالضيق والإرهاق.
اقرأ أيضاً: العلم يخبرك: تعدد المهام يضرك نفسياً، فكيف تتجنبه؟
كيف تتحكم بتأثير زيغارنيك؟
للسيطرة على تأثير زيغارنيك والاستفادة منه، يمكنك اتباع النصائح التالية:
- اكتب مهامك: عوضاً عن الاحتفاظ بالمهام في عقلك، دوّنها، وامنح مهمة التذكير لهاتفك أو جهاز الكمبيوتر من خلال بعض التطبيقات التي يمكنها تنظيم مهامك.
- كيّف نظامك وروتين حياتك ليتناسبا مع إنجاز المهام: يمكنك تحقيق ذلك بالتخطيط ليومك وأسبوعك، وتحضير طقوس عملك التي تساعدك على العمل؛ بحيث يثق الدماغ بأنك تنجز مهامك بترتيب وتوقيت صحيحَين.
- أنهِ طقوس "العمل المتوقف": لتجنب التفكير في المهام غير المكتملة وملاحقتها لك، حاول التخطيط لها مسبقاً؛ بحيث عندما تكون في وضع الراحة والاسترخاء، لا تشعر بالقلق حول ضرورة إنجازها لأنك وضعت خطة منظمة لإنجازها.
- ابدأ بخطوات صغيرة: تجنب النظر إلى المهام المؤجلة على أنها كبيرة وصعبة، وارسم لها خطوات صغيرة وسهلة. يمكنك بهذه الطريقة تبسيط المهمة للدماغ بحيث يتجنب التوتر، ويتحفز لإنهائها.
اقرأ أيضاً: كيف تقلل التوتر الناجم عن اقتراب المواعيد النهائية؟
في الختام، دعنا لا ننسى أن ننظر إلى الوراء ونرى المهام المكتملة، وكل ما أنجزناه وحققناه بالفعل، ونحتقل بانتصاراتنا الصغيرة.