باستثناء بعض الرهبان الذين انعزلوا عن المجتمع وينتابهم شعور الوحدة فإن أغلب الناس يبنون شخصياتهم من خلال التفاعل مع الآخرين ويطورونها بتقاسم المشاعر والأفكار والمشاريع، وقد أظهرت الدراسات ذلك، فالعيش وسط الناس والتواصل معهم ومشاركتهم، له تأثير إيجابي على الصحة الجسدية والنفسية.
وقد كان من المنطقي في عالمنا شديد الاتصال، أن تنحسر الوحدة؛ لكن ذلك لا يحدث في الواقع، خاصة في ظل جائحة "كوفيد-19". إليك إذاً كيفية إعادة ربط العلاقات والخروج بقدر ما من شعور الوحدة.
- راجع احتياجاتك
- اعتنِ بنفسك
- حارب السلبية
- أعد ربط علاقاتك
- الاعتناء بالآخرين
- راجع نفسك
- نم جيداً
تكشف إحدى الدراسات أن الوحدة تمثل مشكلةً كبيرةً في فرنسا بالنسبة لثمانية فرنسيين من كل عشرة. لقد أصبح هذا الشعور مألوفاً بالنسبة للفرنسين؛ إذ كشفت الدراسة الصادرة سنة 2019 بعنوان "الفرنسيون والوحدة"، أن 58% من المستجوبين يعرفون أشخاصاً يعانون من الوحدة، وكشف 44% منهم أنهم يعيشون شعور الوحدة بأنفسهم بشكل منتظم. كما يعتقد أربعة من كل عشرة فرنسيين أنه من الصعب التحرر من شعور الوحدة، بينما يجد 74% ممن يعيشون الوحدة صعوبةً في التحدث عنها.
وقد ألفت الأميركية غريتشن روبين؛ أخصائية السعادة، كتابين حول موضوع الوحدة؛ الأول بعنوان "التوجهات الأربع: التعرف الأمثل على الذات وفهم الآخرين والتعايش" (Les Quatre Profils, mieux se connaître, comprendre les autres et vivre ensemble)، والثاني بعنوان "مشروع السعادة" (Opération bonheur). وتَعتبر غريتشن في هذين الكتابين أن الوحدة عقبة أساسية في طريق السعادة، حتى أنها وصفت مكافحة هذه الآفة المعاصرة بأنها "تحدٍ كبير".
وحسب آن ماري بُنْوا؛ أخصائية علم النفس والعلاج النفسي، فإن: "الوحدة ليست حتميةً، فحتى لو كانت تتوقف من جهة على الظروف المادية، وظروف الوسط الاجتماعي، فإنها أيضاً مسألة تموقع وسلوك". ولكي تتخذ نهجاً ذهنياً سليماً؛ من الضروري أن تدرك نواقصك واحتياجاتك، وأن تبدأ التغيير بخطوات صغيرة في حياتك اليومية.
1- راجع احتياجاتك
من المهم ترتيب احتياجاتك ونواقصك حتى لا تخطئ في تحديد أولوياتك. هل يرتبط شعورنا بالوحدة بفقدان الروابط الاجتماعية (البطالة، الانتقال إلى مكان جديد، المرض) أم أنه جاء بعد فراق عاطفي أو أُسري؟ إن الهدف من هذا السؤال هو التعرف على أهم احتياج أو نقص هو الأكثر إيلاماً بالنسبة لك.
هذا التحديد سيمكّنك من الاستهداف الأمثل لأولوياتك، ورؤية توقعاتك بالتالي بشكل أكثر وضوحاً. كما يمنع أيضاً من التفكير في الوحدة باعتبارها سدّاً منيعاً؛ ما قد يولّد الشعور بالعجز، ويقضي على كل نوايا تحقيق التغيير المنشود.
2- اعتنِ بنفسك
العزلة والانكفاء اللاإراديان على الذات، من العوامل التي تؤثر على تقدير الذات. كلما زاد شعورنا بالإقصاء، قلّ تقديرنا لأنفسنا والاعتناء بها، لذلك من الضروري أن تبدأ من جديد في الاعتناء بنفسك جسدياً وعاطفياً قبل إعادة الارتباط بالآخرين. إن اهتمامك بمظهرك، وممارسة الأنشطة الرياضية أو الفنية، وحصر قائمة الأمور التي يمكن أن تمنحك الراحة النفسية في حياتك اليومية، يمثل الخطوة الأولى نحو خروجك من "قوقعتك". ومن الضروري أيضاً إيلاء الأهمية لمُتعك البسيطة التي غالباً ما تتجاهلها بحجة أنها "ليست هي التي ستغير حياتك". وفي النهاية؛ إن أخذ الوقت الكافي لحصر قائمة مهاراتك ومواهبك (من أبسطها إلى أكثرها أهميةً)، وإعادة قراءة هذه القائمة بانتظام، يساعد على تقوية الثقة بالنفس؛ وهي شرط أساسي للوصول إلى الآخرين بسهولة أكبر.
3- حارب السلبية
وجد الباحثون أن الشعور بالوحدة والعزلة يجعل الناس أكثر سلبيةً وأكثر انتقاداً؛ وهما أمران لا يشجعان الانفتاح على العلاقات الاجتماعية. يمكن محاربة السلبية إذاً من خلال تمرين تحويلي كما يلي: حدِّد اللحظات التي تكون فيها لاعتقاداتك المتشائمة أو أحكامك الانتقادية المفرطة أسبقية على عطفك وثقتك في الحياة وفي الآخرين. بعد ذلك؛ قم بدور محامي الشيطان من خلال محاولة العثور على حجة أو اثنتين تتعارضان مع هذه الاعتقادات أو المواقف. وهناك طقس آخر سيحررك؛ مارس تمرين الامتنان في نهاية كل يوم. يتم ذلك عبر إعادة استحضار شريط أحداث اليوم، ورصد اللحظات القصيرة التي كانت سهلةً وممتعةً ومُجزيةً، ثم توقف عند كل لحظة من هذه اللحظات من خلال إعادة عيشها بحالة من الامتنان. يمكنك أيضاً تسجيل ثلاثٍ من هذه الأحداث الإيجابية كل يوم في مفكرة. وشيئاً فشيئاً؛ ستصبح نظرتك إلى العالم وإلى الآخرين أكثر عطفاً في الوقت نفسه الذي ستنمو فيه الرغبة في أخذ مكانك في عالم تشعر فيه بقدر أقل من العدوانية.
4- أعد ربط علاقاتك
أحد مزالق العزلة والشعور بالوحدة هو إهمال الروابط البسيطة في الحياة اليومية. يجب أن نضع في اعتبارنا أن الحياة الاجتماعية والعلاقات منسوجة بألف خيط وخيط مختلف. لماذا لا نخرج من السلبية والاجترار من خلال تعزيز الحوارات التي تُتاح لنا كل يوم مع زملائنا، ومع التجار والجيران؟ تناول باستمرار الغداء مع هذا أو تلك، وانضم إلى مجموعة لممارسة الأنشطة (المشي والقراءة والتأمل، وما إلى ذلك)، أو انخرط في جمعية من جمعيات الحي (جمعية آباء وأولياء التلاميذ، الجمعيات الثقافية أو غيرها)، أو لِمَ لا تحاول العثور على أصدقاء المدرسة الثانوية القدامى أو أفراد العائلة عبر الإنترنت... ضع في اعتبارك أن العديد من الرجال والنساء من حولك؛ والذين يشعرون أيضاً بالوحدة، يمكنهم أن يساعدوك في التخلص من الشعور المرهق بالحرج، والقيام بالخطوة الأولى. لا تتجاهل أيضاً التطبيقات التي تسمح لك بمقابلة أشخاص لهم اهتمامات مثل اهتماماتك.
5- الاعتناء بالآخرين
الشعور بإفادة الآخرين يعزز الثقة بالنفس ويغير دينامية العلاقات. إنه أيضاً أفضل طريقة للخروج من العزلة العاطفية والارتباط من جديد بشعور الانتماء إلى مجتمع البشر. وبدلاً عن أن تسأل نفسك "لماذا لا أحصل على شيء من أحد؟"؛ يمكنك قلب السؤال والتفكير في أفضل طريقة لمساعدة ودعم الآخرين. يمكن أن تقدم النصائح أو الوقت أو الخدمات... لكل شخص جرعته الخاصة، ولكل شخص إيقاعه الخاص، الأهم هو أن تقترح شيئاً ثم تقدمه وتتقاسمه.
6- راجع نفسك
قد تبدو الدعوة إلى مراجعة النفس قاسيةً بعض الشيء إذا كنا في حالة معاناة؛ لكنها ضرورية إذا كنا نريد أن نتيح كل الفرص لأنفسنا. يمكن أن يساعد البدء بمساءلة ثقافتنا العائلية في توضيح الرؤية: هل كانت عائلتنا منفتحةً أم منغلقة؟ هل كانت منتقدةً أم متسامحة؟ بخيلةً أم كريمة؟ ونسائل أنفسنا أيضاً كيف نربط علاقات مع الآخرين: هل نسعى للسيطرة على علاقاتنا أم الاستفادة منها؟ هل نحن متعاطفون أم أنانيون؟ هل نحن حسّاسون جدّاً أم حقودون جدّاً؟ فقد تبينت صحة المثل المعروف "لا نصطاد الذباب بالخلّ" من خلال علم النفس الإيجابي.
7- نم جيداً
أظهرت العديد من الدراسات أن نقص النوم أو تدني جودته له أثر "ضد اجتماعي"؛ إذ لا تؤثر ليالي الأرق سلباً فقط على الحالة المزاجية والعواطف -ما يثني الآخرين عن ربط علاقات بك- وإنما تؤثر أيضاً من حيث أن الإرهاق والتوتر اللذان تولدهما يؤديان إلى الانكفاء على الذات. لذلك من الأفضل الحرص على تحسين ظروف نومك. وفي هذا الإطار؛ يُنصح بشدة بممارسة تمارين التنفس والاسترخاء قبل النوم، وتناول طعام خفيف في المساء، كما أن إغلاق الشاشات (التلفاز والكمبيوتر) قبل النوم بساعة أمر مطلوب بشدة.