هل يمكن أن يغير الوقوع في الحب ملامح دماغك؟ الخبراء يجيبون

5 دقيقة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: شاهدت خلال حياتي الكثير من المسلسلات والأفلام الرومانسية؛ الكورية منها والتركية والأجنبية والعربية، علاوة على أنني قرأت العديد من الروايات الرومانسية، ويمكنني القول إنني وهبت حياتي لأفهم الحب من خلال هذه الأعمال، ومع ذلك لم أتمكن أبداً من فهم ماهيته: كيف يحدث؟ لماذا يجعلنا غارقين في السعادة ثم نتحول بعد الانفصال إلى الناحية الأخرى من مشاعر الحزن والألم؟ وعلى الرغم من أنني لم أفهم الحب على نحو كامل بعد، فإن هذا المقال يمكن أن يخبرنا عن الذي يحدث داخل أدمغتنا عند الوقوع في الحب وعند الانفصال.

هل وقعت في الحب من قبل؛ ذلك الشعور الغامض والمعقد الذي لم يكتشفه علماء الأعصاب على نحو تام حتى الآن؟ هل نظرت إلى شريك حياتك وشعرت أن قلبك يرفرف؟ لا تستطيع النوم أو تناول الطعام من فرط الشعور بالإثارة وتفكر في حبيبك على الدوام؟ هل سبق وسألت نفسك من قبل: ماذا يفعل بنا الحب؟ كيف يؤثر في أدمغتنا عند الارتباط وفي حالة الانفصال؟ الإجابة يقدمها لك هذا المقال.

ما هو الحب؟

من الصعب تعريف الحب لكن يمكن وصفه بأنه شعور شديد بالمودة العميقة، ويرى العلم أن الحب عبارة عن مزيج من المواد الكيميائية التي يفرزها الدماغ. ومن منظور تطوري، فالحب هو الدافع الأساسي للحيوان البدائي من أجل العثور على الشركاء المفضلين والاحتفاظ بهم.

وهناك العديد من الفوائد للحب مثل تحسين الصحة النفسية وتعزيز المناعة وتقليل التوتر، ووفقاً لما ذكرته أستاذة علم الأعصاب ستيفاني كاسيوبو (Stephanie Cacioppo)؛ فإن الحب ضرورة بيولوجية، فهو مهم لرفاهيتنا مثل التمارين الرياضية والماء والغذاء.

وتؤكد أستاذة الأنثروبولوجيا البيولوجية ومؤلفة كتاب “لماذا نحب؟ طبيعة الحب وكيمياؤه” (Anatomy of Love: A Natural History of Mating, Marriage, and Why We Stray)، هيلين فيشر (Helen Fisher)، إن الحب ينقسم إلى 3 عناصر: الرغبة والانجذاب والتعلق. وعلى الرغم من وجود تداخلات وتفاصيل دقيقة لكل عنصر، فإن كلاً منها يتميز بمجموعته الخاصة من الهرمونات؛ هرمونات التستوستيرون والإستروجين تدفع الرغبة، هرمونات الدوبامين والنورأدرينالين والسيروتونين تخلق الجاذبية، وهرمونات الأوكسيتوسين والفازوبريسين ترتبط بالتعلق.

اقرأ أيضاً: ما هي لغات الحب الخمس؟وماذا تفعل إذا اختلفت لغتك عن لغة شريك حياتك؟

ماذا يحدث في أدمغتنا في أثناء الوقوع في الحب؟

يبدأ الوقوع في الحب عادةً عندما يبدأ شخص ما رؤية شخص آخر مميزاً وفريداً. المرحلة الأولية من الوقوع في الحب هي حالة عصبية بيولوجية، تتميز باستجابات عاطفية وكيميائية، وقد درست هيلين فيشر تلك الاستجابات، فخلال عام 2005، قادت فريقاً بحثياً أجرى أول تصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) لأدمغة الأفراد الواقعين في الحب، وحلل الباحثون 2,500 صورة لأدمغة طلاب جامعيين شاهدوا صور أشخاص مميزين بالنسبة إليهم، وقارنوا صور المسح بتلك التي التُقطت عندما نظر الطلاب إلى صور معارفهم. وتوصلت الدراسة إلى نتيجة مفادها أن مشاهدة صور الأشخاص الذين نحبهم تعمل على تنشيط المناطق الغنية بالدوبامين في الدماغ.

وعندما نقع في الحب، فإن المواد الكيميائية المرتبطة بدائرة المكافأة تغمر أدمغتنا، وتنتج مجموعة متنوعة من الاستجابات الجسدية والعاطفية ؛ مثل تسارع دقات القلب، وتعرق الكفين، واحمرار الخدود، والشعور بالتوتر، كما  ترتفع مستويات هرمون التوتر (الكورتيزول) خلال المرحلة الأولى من الحب، ومع ارتفاع مستويات الكورتيزول، تنضب مستويات الناقل العصبي (السيروتونين)، وتؤدي المستويات المنخفضة من السيروتونين إلى ظهور ما وصفه أستاذ كلية الطب بجامعة هارفارد (Harvard Medical School)، ريتشارد شوارتز (Richard Schwartz)، بـ “بجنون الحب” وكان يقصد بها السلوكيات الوسواسية القهرية المرتبطة بالوقوع في الغرام.

عندما يتعلق الأمر بالانجذاب والرومانسية، تلعب منطقتان محددتين في الدماغ دوراً رئيساً: المنطقة السقيفية البطنية والنواة المتكئة، وتلعب كلتا المنطقتين في الدماغ دوراً أساسياً في نظام المكافأة في الدماغ، ويغمر هذا النظام الجسم بالدوبامين؛ وهو ناقل عصبي ينتج مشاعر النشوة والمتعة. لهذا السبب يمكن أن تكون المراحل الأولى من الحب مثيرة للغاية، وفي بعض الأحيان، قد تسبب الإدمان؛ وعليه من الطبيعي أن تشعر أنك لا تستطيع التوقف عن التفكير في الشخص الآخر وتريد أن تكون معه طوال الوقت.

وهناك مناطق أخرى في الدماغ تشارك في عملية الحب مثل اللوزة الدماغية التي تساعد على معالجة المشاعر التي نختبرها، وهو أمر مهم للغاية لأنه يخلق الارتباطات القوية التي نطورها خلال المراحل الأولى من العلاقات الرومانسية، وإذا بدا لك أن التفكير العقلاني يتلاشى خلال مراحل الحب الأولى فهذا عادة يحدث بسبب انخفاض النشاط في قشرة الفص الجبهي لديك.

اقرأ أيضاً: هل يمكن أن يتحول الحب إلى إدمان؟ معالجة نفسية تجيب

كيف يؤثر الحب في دماغك عند الانفصال؟

يؤكد الاستشاري النفسي نادر ياغي إننا عندما نقع في الحب، تمتلئ أدمغتنا بالدوبامين الذي يُشعرنا بالسعادة، وبهذه الطريقة، غالباً ما يكون الحب إدماناً لأدمغتنا. وعندما نمر بمرحلة انفصال، تنخفض مستويات الدوبامين لدينا، وفي الوقت نفسه، تزداد كمية الكورتيزول (هرمون التوتر) في أجسامنا، وبسبب انخفاض الدوبامين؛ يعاني الجسم مما يشبه أعراض الانسحاب التي تؤثر في صحتنا النفسية وأدمغتنا، وعادة ما تتجسد أعراض الانفصال في:

  1. اضطرابات النوم. 
  2. زيادة مشاعر القلق والتوتر. 
  3. صعوبة التركيز.
  4. تغير أنماط الأكل. 
  5. الشعور بالتعب والإرهاق. 
  6. معاناة أعراض جسدية مثل الصداع أو آلام المعدة.
  7. الإحساس بالعزلة. 

وعندما تفقد حبيباً بسبب الانفصال، يُصاب دماغك بالارتباك، وهذا يرتبط بفرط النشاط في الجهاز الحوفي الذي يؤدي بدوره إلى الإحساس بالاكتئاب وانخفاض مستويات السيروتونين؛ ولهذا السبب تواجه صعوبة في النوم، وتشعر بالهوس، وتفقد شهيتك، وترغب في عزل نفسك، وتفقد متعة الحياة التي تتمتع بها. يحدث أيضاً نقص في هرمون الإندورفين الذي يعدل مسارات الألم والمتعة في الدماغ؛ والذي قد يكون مسؤولاً عن الألم الجسدي الذي نشعر به في أثناء الانفصال، وهذا يعني في الأساس أن الانفصال هو حالة من الفوضى الكيميائية العصبية.

وفي سياق متصل، يوضح أستاذ علم النفس العصبي ألدريش تشان (Aldrich Chan) إن قشرة الفص الجبهي التي تلعب دوراً حاسماً في اتخاذ القرار والتفكير العقلاني، تعاني انخفاض النشاط في أثناء الانفصال وهذا يصعّب التفكير بوضوح واتخاذ قرارات سليمة.

اقرأ أيضاً: 3 إرشادات فعالة لتتخطى الانفصال المبكر في العلاقات العاطفية

5 مراحل للتعافي بعد الانفصال 

يشرح أستاذ علم النفس العصبي تشان إن تجربة الانفصال تختلف من فرد إلى آخر؛ ولذلك فإن عملية التعافي أيضاً لا تكون واحدة عند الأشخاص كافةً. مع ذلك، فإن التعافي من الانفصال عادة ما يمر بالمراحل التالية: 

  • الصدمة والإنكار (من يوم إلى أسبوع): قد يتعرض الدماغ في البداية إلى صدمة؛ ما يتسبب في إفراز اللوزة الدماغية لهرمونات التوتر مثل الكورتيزول والأدرينالين. وسيؤدي التغيير المفاجئ في حالة العلاقة أيضاً إلى تحفيز استجابة الدماغ إلى القتال أو الهروب؛ ما يزيد حدة مشاعرك.
  • مشاعر الحزن(من أسبوعين إلى 4 أسابيع): مع ظهور حقيقة الانفصال، يواجه الدماغ نشاطاً أقل في قشرة الفص الجبهي، إلى جانب التغيرات في مستويات الناقلات العصبية (السيروتونين والدوبامين) التي تصعّب التفكير بعقلانية وتنظيم العواطف؛ ولهذا من المرجح أن تشعر بالاندفاع خلال هذا الوقت.
  • القبول والفهم (من 5 أسابيع إلى 8 أسابيع): يبدأ الدماغ معالجة الانفصال على نحو منطقي، ويستعيد الزخم في قشرة الفص الجبهي لرؤية الوضع بوضوح، كما تبدأ هرمونات التوتر ومستويات الناقلات العصبية العودة إلى وضعها الطبيعي وتكون اللوزة الدماغية أقل نشاطاً في إدراك الخطر.
  • إعادة بناء الهوية (من شهرين إلى 3 أشهر): هذا هو الوقت الذي تتعلم فيه أن القبول يحمل فرصة للتأمل الذاتي، ومع العودة إلى النشاط الذي يفضل المنطق على العاطفة، يستطيع الدماغ الآن المضي قدماً، وهذا هو الوقت الذي يمكنك فيه بدء إعادة بناء إحساسك بذاتك وهويتك خارج العلاقة.
  • التعافي (من 4 إلى 6 أشهر): يبدأ الدماغ التكيف مع واقعه الجديد، ويحدث تحول نحو التفكير الإيجابي، في هذه المرحلة يستطيع الدماغ الانخراط في الأنشطة التي تجلب لك السعادة، ويمكنه أن يبدأ تخيل كيف تبدو السعادة خارج العلاقة.