ملخص: الإرهاق آفة تؤثر في الكثير من الموظفين وتستنزف طاقاتهم وقد تقودهم في أحيان كثيرة إلى الاحتراق الوظيفي. كيف نميّز إذاً بين الإرهاق والاحتراق الوظيفي؟ وما الحلول الكفيلة بالتخفيف منه؟ يحلّل المقال التالي ظاهرة الإرهاق ويوضّح أسبابها وأعراضها ثم يقترح بعض الأفكار التي قد تساعد على التخلّص منها.
محتويات المقال
"أشعر بالفراغ والتعب؛ أنام لكنّني لا أرتاح، أشعر بالضياع، كل شيء يرهقني، ولم تعد لديّ طاقة". من منّا لم يخلُص من قبل إلى هذه النتيجة وشعر بهذا الضّيق المؤلم والتعب النفسي الذي يداهمنا فجأة دون أن ننتبه إليه ويشلّ حركتنا في النهاية؟
ما الذي يحدث للرجال والنساء الذين استمتعوا بأشعة الشمس والهواء النقي والاسترخاء وخطّطوا جيداً لاستئناف أعمالهم بعد الإجازة لكنّهم سرعان ما اكتشفوا أنهم لم يعودوا قادرين على ذلك؟
إدراك الفجوة بين القدرات وضغوط بيئة العمل
يأتي الشعور بالإرهاق دائماً من الفجوة القائمة بين ضغوط بيئة العمل والقدرات التي نتمتع بها، عندما يكون الخلل كبيراً إمّا أن نرهق أنفسنا لبذل أقصى ما لدينا دون نتيجة، وإمّا أن نتراجع ونعيش هذا الواقع في حالة اكتئاب وحداد وإخفاق ونعلن الاستسلام. ليست المشكلة في هذه البيئة بل في طريقة استجابتنا إلى متطلّباتها. إذا كنت طالباً مجدّاً مستعداً باستمرار لبذل الجهود لتجاوز قدراتك فإن بيئتك ستضعك دائماً تحت رحمة ضغوطها.
رهان الحدود
إذا كنّا واعين بحدود قدراتنا وإنسانيتنا والتوازنات المختلفة الضرورية في حياتنا سنتمكّن من تحديد اختياراتنا وتجنّب الاستجابة إلى المتطلّبات كلّها لحماية أنفسنا. حينها يصبح التراجع عن بعض التزامات العمل خياراً سهلاً لأنه يعني في هذه الحالة تفضيل حماية النفس لأنها تستحق ذلك.
هل لدينا خيار؟
أعلم أن هناك من يشتكي ويصرخ قائلاً: "لكن ليس لديّ خيار". لحسن الحظ أو سوئه لدينا دائماً خيارات؛ لكنها قد تبدو لنا مرفوضة أحياناً. كان الطبيب النفسي النمساوي الشهير فيكتور فرانكل (Viktor Frankl) الذي عاش في جحيم معسكرات الاعتقال خلال الحرب العالمية الثانية يقول: "إن اختيارنا النهائي بل حتّى حريتنا النهائية، يحدّدها موقفنا تجاه أسوأ التجارب التي نعيشها مثل المعاناة البالغة الناجمة عن المرض أو الاقتراب من الموت".
احتراق وظيفي أم إرهاق نفسي؟
لا أهمية لهذا السؤال في الحقيقة. مصطلح "الاحتراق الوظيفي" مخصّص لوصف الإرهاق النفسي والجسدي المرتبط بالسياق المهني. أما أشكال الإرهاق الأخرى فهي مجرد إرهاق لا أقل ولا أكثر.
العرَض المشترك: الجسد يخاطبنا بدلاً من العقل
مع ذلك، فإن أشكال الإرهاق تنطوي على خطر مشترك يتمثل في محاولة الجسد التعبير عمّا يعجز الدماغ الواعي عن الإصغاء إليه. يعبّر الجسد عن ذلك كلّه من خلال حالات الأرق والاستيقاظ المبكّر ونوبات الهلع والرّهاب والآلام المختلفة التي تظهر في أنحاء الجسم كلّه وقد تصل إلى درجة الشلل.
يجب ألّا نسمح أبداً للجسد بالتعبير عن هذه المعاناة بدلاً من العقل لأن الجسد لن يتخذ القرار المناسب لإنقاذنا حيث سيتأخر كثيراً في إدراك انتهاء الخطر وإمكانية عودة الأمور إلى مجراها الطبيعي.
مسألة الاختيار مرة أخرى
إذا لاحظت أنك تجد صعوبة في تجديد طاقتك وتعيش في حالة تأهب قصوى ولديك انطباع بأنك لا تسيطر على أيّ شيء وتشعر بالوحدة وعدم تفهّم الآخرين، فعليك أن تتصرف بصفتك شخصاً بالغاً ومسؤولاً تّجاه نفسك وتتّخذ الإجراءات الضرورية وتختار الأنسب إليك أو تختار بالأحرى نفسك.
6 أفكار للتعامل مع الإرهاق
أول خطوة ينبغي لك اتخاذها هي أخذ الوقت الكافي الذي يحتاج إليه الجسم والقلب لتجاوز هذه الأزمة والتمتع بالراحة.
إليك إذاً بعض الأفكار المقترحة لمساعدتك على ذلك بطرح الأسئلة التالية على نفسك:
- ما مسؤولياتي الشخصية وما مسؤوليات الآخرين؟ حدّدها ثم تخلّص من المهام التي ليس لك أيّ تأثير حقيقي فيها.
- ما الذي يرهقني أكثر؟ وكيف أتعامل معه في المقام الأول؟
- ما الأسباب التي يجب أن أتخلّص منها؟ لا بدّ من التّذكير بأن تكرار الأسباب يؤدي إلى تكرار النتائج؛ لذا يتعين التخلص من العوامل المتكررة التي ستؤدي إلى الإرهاق.
- ما الإجراءات التي تمكّنني من إكمال عملية معينة؟ ينبغي لك أن تعوّد طاقتك على التجدّد، ولتحقيق ذلك، أنت في حاجة إلى إنجاز مهامك بالكامل كي تتمكن من التحرّر منها لتوجيه طاقتك بعد ذلك نحو نشاط آخر.
- إذا أصابني زكام حاد ولم أفعل شيئاً طوال الأسبوع، فما الأمر الذي يجب عليّ أن أحرص عليه على الرغم من ذلك؟ يسمح لك هذا السؤال بالتفكير في الحدّ الأدنى المقبول من العمل في مثل هذه الظروف وتوفير الشروط المناسبة لإنجازه.
التعامل بإنسانية ومسؤولية
يعدّ التعب الجسدي أو النفسي عاملاً مساعداً على كشف الاختلالات التي نتعرّض إليها وضرورة اتخاذ بعض الإجراءات لاستعادة التوازن. كما تحاول نفوسنا وأجسامنا باستمرار التكيّف مع هذه الأزمات لضمان تحسين وظائفنا البيولوجية؛ لذا يتعيّن علينا إيلاء الإشارات التي ترسلها إلينا أهمية بالغة لأن الاهتمام بها يمثل مسؤوليتنا الأولى.