ملخص: عندما يتخذ الناس المزيد من القرارات، فإن مواردهم الذهنية اللازمة لاتخاذ قرارات فعالة تصبح مستنفدة؛ ما يؤدي إلى قراراتٍ أسوأ أو حتى تجنب اتخاذ القرارات! تعرف في هذا المقال إلى ظاهرة إرهاق القرارات في العمل والحياة الشخصية، وطرائق التغلب عليها.
محتويات المقال
يشير المعالج النفسي الجزائري، عبد الحكيم مرزوقي، إلى أن لعملية اتخاذ القرارات القدرةَ على إخراجنا مما نحن فيه إلى أفضل مما نحن فيه، وتوجيه حيواتنا نحو الأحسن. ونظراً إلى الأهمية التي تنطوي عليها عملية اتخاذ القرار كما أشار المختص النفسي؛ تتأثر معظم مجالات الحياة بجودة القرارات أو رداءتها مهما كانت بسيطة أو حاسمة.
وللأسف، لا تمنحنا المواقف الحياتية المختلفة امتياز التمهل في أخذ القرار، فنحن نقوم بتلك العملية يومياً على نحو تلقائي وآخر معقد. وعند بعض الأفراد، تصبح هذه العملية مُرهقةً مع الوقت لأنهم مصابون بإرهاق القرارات.
إذ إن أكثر الناس حكمةً، سواء كانوا من صناع القرار أو لا، يمضون باتجاه قراراتٍ سيئة في حال أُرهقوا ذهنياً ونفسياً. يمكن أن تصيبنا هذه الحالة في الأحداث الحياتية الكبرى مثل التخطيط لحفل زفاف، أو الانتقال إلى مسكنٍ جديد، أو بدء وظيفة جديدة، وكذلك خلال الاختيارات اليومية مثل إعداد وجبات الطعام وجلب منتجات البقالة.
ماذا يُقصد بإرهاق القرار؟
يُشير مصطلح "إرهاق القرار" (Decision Fatigue) إلى حالةٍ من الإرهاق الذهني التي تصيب الشخص بعد اتخاذه العديد من القرارات في وقتٍ قصير؛ مثل كثرة الخيارات اليومية التي نواجهها، وتضطرنا إلى اتخاذ القرار بسرعة؛ ما يعوق القدرة على مواصلة اتخاذ القرارات الصحيحة.
إذ كلما زاد عدد القرارات التي يتعين علينا اتخاذها، زاد الإرهاق، وأصبحت قدرتنا على اتخاذ المزيد من القرارات على مدار اليوم أسوأ؛ ذلك أن هذه الحالة قد تستنفذ الطاقة الذهنية، وقد تؤدي أيضاً إلى ما يُعرف بـ "شلل القرار" أو "الشلل التحليلي" (Analysis Paralysis)؛ أي حين نمتنع عن اتخاذ أي قرار فعليّ نتيجة الركود الفكري. ويمكن أن تظهر حالة الإرهاق بسبب اتخاذ القرارات في مختلف مجالات الحياة، بدءاً من اختيارنا ما نرتديه في الصباح، وحتى اتخاذ قرارات ذات طبيعة معقدة في العمل.
وتوضح الطبيبة النفسية الأميركية، ليزا ماكلين (Lisa MacLean)، إن الفرد العادي يمكن أن يتخذ أكثر من 35 ألف قرارٍ بحلول الوقت الذي يأوي فيه إلى فراشه، وتلك القرارات التي يتخذها خلال يومه بشأن أكله، ولباسه، وأنشطته؛ كلها قد تخلق له التوتر بالفعل، فهي تستغرق الوقت وتتطلب الطاقة، ومن المؤكد أنها يمكن أن تستنزفه.
ما الذي يمكن أن يسبب حالة الإرهاق بسبب اتخاذ القرارات؟
يرتبط مفهوم "إرهاق القرار" بمفهوم آخر يُدعى "استنزاف الأنا" (Ego Depletion) الذي طرحه المختص الأميركي في علم النفس الاجتماعي، روي بوميستر (Roy Baumeister) في أواخر التسعينيات من القرن الماضي.
ووفقاً لنظرية استنزاف الأنا؛ فإن ضبط النفس أو قوة الإرادة اللازمة لاتخاذ القرار هي موردٌ محدود. وعندما يتخذ الأفراد خيارات متعددة على مدار اليوم، من المفترض أن تكون متوازنة وفعالة لتلبية احتياجاتهم المستعجلة، يُستنزَف هذا المورد؛ ما يؤدي إلى انخفاض الوظيفة التنفيذية للدماغ، وضعف جودة عملية اتخاذ القرار. مهما كانت تفسيرات النظريات العلمية لظاهرة إرهاق القرارات، فقد تسهم عدة عوامل في خلقها؛ ونذكر منها الآتي:
- التوتر: عندما تشعر بالتوتر وتحتاج إلى اتخاذ قرارٍ تلو الآخر، يمكن أن يبدأ الإرهاق بالتسلل إليك بسهولةٍ بالغة.
- سوء الصحة النفسية: إذا لم تكن صحتك النفسية متوازنة، تصبح قراراتك أكثر صرامة؛ بينما تحتاج إلى قرارات توازن بين المخاطر والمكافآت.
- التعب العام أو الإنهاك: إذا كان جسمك متعباً، فمن المحتمل أن يكون ذهنك كذلك لأن المسؤوليات الإضافية، وساعات العمل الأطول، والمزيد من القرارات؛ كلها عوامل تؤثر في جودة نومك مسببة التعب والإرهاق.
اقرأ أيضاً: لماذا نخاف من اتخاذ القرارات؟
7 علامات وأعراض للإصابة بإرهاق القرارات
قد يشعر الشخص الذي يعاني إرهاق اتخاذ القرار بعلامات وأعراضٍ قد تتزايد حدتها مع اتخاذه المزيد من القرارات، فقد يشعر بالاستنزاف أكثر مع مرور اليوم، أو يعاني ضبابية في الدماغ (Brain Fog)، أو يعاني علامات أو أعراض أخرى للإرهاق الجسدي أو النفسي. في الأحوال كافةً، يساعد اكتشاف العلامات على وضع خطةٍ للتغلب على تحديات هذه الحالة؛ ونذكرها كالتالي:
- عدم القدرة على التركيز: أي عندما تجد نفسك تتجنب محاولة التركيز على القرار الذي عليك اتخاذه، وقد يتشتت انتباهك بسهولة بمهام أخرى.
- ضعف التنظيم العاطفي (Emotional Regulation): التغيرات المزاجية، والانزعاج، والإحباط والانفعال إذا اضطررت إلى اتخاذ قرارٍ ما مهما كان بسيطاً أو سهلاً؛ حيث يصعب عليك ضبط عواطفك.
- التصرف باندفاع: أي عندما تتخذ قراراتك على نحو عفوي، أو تفاجئ الآخرين بقراراتك غير العقلانية.
- تزايد التسويف: قد تستمر في تأجيل اتخاذ قرارٍ وتضعه أسفلَ قائمة أولوياتك؛ وهو ما يُعرف بـ "تجنب القرار" (Decision Avoidance).
- الشعور بالإرهاق: قد تشعر بضبابية في الدماغ، وتعاني الإرهاق العاطفي (Emotional Fatigue) والإعياء اللذين يحجبان قدرتك على اتخاذ قرارات أفضل.
- قضاء الكثير من الوقت في اتخاذ القرارات، حتى البسيطة منها: أي حين تقضي الكثير من الوقت في اتخاذ قراراتٍ صغيرة؛ كأن تواجه صعوبةً في اختيار مواد البقالة في أثناء التسوق.
- عدم الرضا بمجرد اتخاذ القرار: قد تشكك في نفسك بشأن ما إذا كنت قد اتخذت قرارا جيداً؛ حيث يزداد كل من قلقك وإرهاقك.
كيف يبدو إرهاق القرارات في بيئة العمل؟ وماذا تفعل للتغلب عليه؟
يتخذ القادة في أعمالهم قراراتٍ على نحوٍ مستمر، ليس فقط بشأن الخيارات الصعبة ولكن بسبب تأثيرها الهائل. فليس مدى صعوبة اتخاذ القرار هو ما يؤدي إلى الإرهاق؛ بل الكم الهائل من القرارات التي تسهم في الإرهاق.
هل لاحظت أن أيام عملك أصبحت مُتعبة أكثر مؤخراً؟ وأن اجتماعات آخر الأسبوع لا تحقق الغاية منها؟ لا تتجاهل شعورك بالإرهاق بسبب مسؤولية اتخاذ القرارات العديدة، فذلك يمكن أن يقودك إلى خطر اتخاذ قرارات سيئة. ولكي تتجنب حالة الإرهاق تلك، نقترح عليك تنفيذ الخطوات التالية:
- خذ المزيد من الوقت لاتخاذ القرارات؛ إذ يمكنك على سبيل المثال أن تعقد اجتماعين: أحدهما للمناقشة، والآخر لاتخاذ القرار.
- جَدوِل اجتماعات اتخاذ القرار في الصباح؛ ما يُتيح الوقت للتفكير، والأسئلة، والمتابعة إذا لزم الأمر.
- قسّم القرارات المهمة إلى أجزاءٍ أصغر بجداول زمنية مختلفة؛ ما يجعل الأمر أسهل ويحسن التعاون والنتيجة النهائية.
- جمّع القرارات الكبيرة التي تتأثر بالعديد من العوامل وتحتاج إلى المزيد من الوقت، إلى سيناريوهين أو ثلاثة؛ ما يجعل الاختيار أسهل، ويؤدي إلى اتخاذ قرارات أسرع.
- التزم بجدولٍ زمني للأمور الروتينية مثل وقت الاستيقاظ، والإفطار، ومهمات التسوق، وخذ قسطاً من الراحة.
5 خطوات للتخلص من حالة الإرهاق الناتجة من عبء اتخاذ القرارات
يمكن أن تتغلب على حالة إرهاق القرار من خلال إعادة تشكيل معتقداتك بشأن قوة الإرادة. ابدأ تدريب نفسك على الاستمتاع بعملية اتخاذ القرارات ممارساً قوة إرادتك، وتبنَّ عادات معينة لمكافحة إرهاقك. وعلى سبيل المثال؛ قد تستفيد من إجراء التغييرات التالية:
- أعطِ الأولوية إلى الخيارات المهمة في وقتٍ مبكرٍ من اليوم للحفاظ على الطاقة الذهنية لبقية اليوم، وتعزيز قدرتك على التعامل مع الخيارات المهمة بفعالية.
- تخلَّص من المشتتات والعوامل المؤدية لتشتيت الانتباه لتحسين قدرتك على التركيز على المهام الحالية.
- بسّط خياراتك الروتينية اليومية مثل ارتداء زي العمل نفسه كل يوم لتخفيف التوتر المرتبط بالقرارات.
- حضّر وجبات طعام الأسبوع القادم لتخفيف الضغط الناتج من اتخاذ القرارات؛ ما يسمح بمزيدٍ من التركيز الذهني على المهام الحاسمة.
- خذ فترات راحة حسب الحاجة خلال يومك لإعادة شحن طاقتك وتنشيط وظائف دماغك.
اقرأ أيضاً: "السعادة قرار": كيف تحول هذه الجملة إلى واقع تعيشه؟
أخيراً، تؤكد المختصة النفسية، ليزا ماكلين، إننا نتخذ آلاف القرارات كل يوم بلا وعيٍ منا؛ بعضها سهلٌ للغاية، والبعض الآخر بالغ التعقيد أو تأثيره عميق ويتطلب جهداً فكرياً؛ ما قد يستنزف طاقاتنا. وبغض النظر عن أهمية القرارات وطبيعتها، تُعد ظاهرة إرهاق القرارات تراكمية، فكلما اتخذ الشخص المزيد من القرارات، شعر بالاستنزاف أكثر مع تقدم يومه. لكن من خلال تغيير عاداتك، قد تجد نفسك مجهزاً أفضل لمكافحة الإرهاق، والحفاظ على طاقتك لاتخاذ القرارات المهمة.