الخوف هو جزء طبيعي وصحي من حياتنا؛ بل وربما ضروري في بعض الأحيان؛ حيث يؤدي دوراً مهماً في حمايتنا من التعرُّض للمخاطر، ومساعدتنا على تحديد ما هو الأفضل لنا، والابتعاد عما قد يمثِّل مصدراً للأذى.
في ظل الظروف العادية؛ يمكن التعامل مع الخوف من خلال العقل والمنطق، فهو لا يسيطر على حياتنا، أو يجعلنا نتصرف تصرفات غير عقلانية؛ لكن على الجانب الآخر تقع الفوبيا أو الرهاب -والتي تتعدد أنواعها- وتحوِّل استجابة الخوف الطبيعية إلى شيء دائم، ويصعب أو يستحيل السيطرة عليه.
ما هي فوبيا المرتفعات؟
تمثِّل فوبيا المرتفعات، المعروفة أيضاً برهاب المرتفعات، خوفاً شديداً من المرتفعات، وتندرج تحت فئة الرهاب المحدد، لأنه خوف واضح يتعلق بحالة معينة. يتعرّض الشخص الذي يعاني منها من هلع شديد أثناء الوجود في مكان مرتفع، أو حتى التفكير في المرتفعات، لذلك يتجنب الشخص الذي يعاني منها الأماكن ذات الارتفاع العالي عن الأرض، وبناءً على شدة هذه الفوبيا؛ قد يخشى الفرد وجوده في طابق مرتفع في مبنىً بقدر ما يخشى صعود السلم أو البقاء في شرفة مرتفعة.
يُعد رهاب المرتفعات أحد أكثر أنواع الرهاب شيوعاً، وتشير إحدى الدراسات إلى أن واحداً من كل 20 شخصاً قد يعاني من هذا النوع من الفوبيا، ويمكن أن يكون له تأثير عميق على حياة الشخص، لأنه قد يحدّ من الأماكن التي يختار الذهاب إليها، وما يمكنه القيام به.
على الرغم من أنه ليس من الغريب أن نشعر ببعض الانزعاج في الأماكن المرتفعة؛ كالشعور بالدوار، أو التوتر عند النظر من أعلى ناطحة سحاب إلى أسفل؛ إلا أن هذه المشاعر لا تسبب الذعر، أو تدفعنا إلى تجنب المرتفعات تماماً. لكن إذا كنت تعاني من رهاب المرتفعات، فحتى التفكير في عبور جسر أو رؤية صورة لجبل ووادٍ محيط به، قد يثير الخوف والقلق بشكل قوي بما يكفي للتأثير على حياتك اليومية.
اقرأ أيضا: هل القلق يسبب نبضاً في الجسم؟
أسباب فوبيا المرتفعات
عادةً ما تنشأ فوبيا المرتفعات وتتطور في مرحلة الطفولة. وعلى الرغم من أنه لا يوجد سبب واحد لها؛ إلا أن هناك عدة نظريات حول سبب تطور هذا الخوف:
1. النظرية التطورية
تشير النظرية التطورية لمرض الرهاب، بأن الناس ميالون للخوف من أشياء معينة قد تكون خطيرةً. في هذه الحال؛ قد يكون هذا النوع من الخوف فطرياً؛ حيث أن السقوط الذي قد ينتج من الوجود في مكان مرتفع يهدد البقاء على قيد الحياة.
2. النظرية السلوكية
تشير النظرية السلوكية المتعلقة بالرهاب إلى أن الأفراد يطورون الخوف من خلال التفاعل مع بيئتهم. على سبيل المثال: الطفل الذي يراقب والديه وهم يعانون من الخوف من المرتفعات، قد يُصاب بنفس الخوف.
كذلك؛ قد يصاب الشخص الذي عانى أو شهد شخصاً آخر يمر بتجربة سيئة مع المرتفعات بصدمة؛ الشيء الذي قد يؤدي لرهاب المرتفعات. أيضاً، فهذا الأمر قد يتطور نتيجة اختبار الشخص لتجربة سيئة؛ مثل السقوط من فوق شجرة، وقد يربط حينها هذه التجربة بالمرتفعات عموماً؛ ما يجعله يشعر بالخوف في المرة التالية التي يواجه فيها موقفاً مشابهاً.
ما هي أعراض فوبيا المرتفعات؟
تتشابه أعراض فوبيا المرتفعات مع أعراض اضطرابات القلق الأخرى؛ لكن يجب أن يستمر ذلك الخوف عادةً لمدة 6 أشهر أو أكثر كي يُصنّف رهاباً. وفي تلك الحالة؛ قد يعاني الشخص من الأعراض الجسدية التالية عند التفكير أو رؤية الأماكن المرتفعة:
- زيادة التعرق، وجفاف الفم، وألم في الصدر أو ضيق في التنفس، بالإضافة إلى زيادة ضربات القلب عند النظر أو التفكير في الأماكن المرتفعة.
- الشعور بالغثيان عند رؤية المرتفعات أو التفكير فيها.
- الارتجاف عند مواجهة المرتفعات والبحث عن شيء للتشبث به، أو النزول على الفور والزحف على أربعة أطراف، وكذلك الركوع أو خفض الجسد.
- الشعور بالدوار أو السقوط أو فقدان التوازن عند النظر لأعلى في مكان مرتفع أو نزولاً من ارتفاع.
بالإضافة إلى ذلك؛ يمكن أن تشمل الأعراض النفسية والسلوكية ما يلي:
- الخوف الشديد من الوقوع في شرك ما في مكان مرتفع.
- الشعور بقلق وخوف شديدين عندما تضطر إلى صعود السلالم أو النظر من النافذة أو القيادة على جسر علوي.
- تجنب المواقف التي قد تدفع الفرد للذهاب إلى أماكن مرتفعة، والشعور بالذعر حيال الاضطرار للذهاب إليها.
- تجنب الحديث عن المرتفعات.
- القلق بشأن المواقف المستقبلية التي قد يكون فيها الفرد في أماكن مرتفعة.
هل هناك علاج لفوبيا المرتفعات؟
تتعدد طرق علاج فوبيا المرتفعات كما يلي:
1. العلاج بالتعرُّض
ينطوي العلاج بالتعرُّض على تعريف الشخص تدريجياً بالموقف أو الشيء أو أي عامل آخر يسبب له الخوف، ومن ثم مساعدته على التكيف معه. قد يشمل ذلك بضع جلسات من العلاج يكون بعدها الهدف النهائي هو مواجهة الشخص لخوفه.
من الطرق المستخدمة في هذا العلاج هو استخدام الواقع الافتراضي (VR)، لما له من فوائد مهمة وفعّالة لعلاج الرهاب، وكذلك يمكن الوصول له بسهولة وبأسعار معقولة. وجدت دراسة أُجريت عام 2014، أن الواقع الافتراضي قد يكون وسيلةً فعالةً لعلاج رهاب المرتفعات؛ حيث توفر هذه الطريقة تجربة التعرُّض لما تخاف منه في بيئة آمنة. يقترح الباحثون أن ثلاث إلى أربع جلسات قد تكون كافيةً للحد من هذا الخوف.
كذلك؛ نظرت دراسة أُجريت عام 2018 في تأثيرات الواقع الافتراضي على 100 شخص يعانون من رهاب المرتفعات، وأظهرت النتائج أن المشاركين قد عانوا من مستويات منخفضة من الانزعاج أثناء الجلسات، وشعروا أن هذا النوع من العلاج كان مفيداً حقاً.
2. العلاج السلوكي المعرفي (CBT)
خلال جلسات العلاج السلوكي؛ يعمل الشخص المُصاب بالرهاب مع معالج أو طبيب نفسي للمساعدة في فهم طريقة تفكيره ومشاعره تجاه الشيء الذي يخاف منه، ومن ثم تغييرها.
أثناء الجلسات؛ يحدد المعالج الأفكار غير المنطقية المتعلقة بالرهاب، ويستخدم تقنيات لاستبدال الأفكار بأفكار أكثر دقةً، وقد تكون تلك الجلسات فرديةً أو جماعيةً.
لا تدع فوبيا المرتفعات تقيّد حياتك!
إذا كنت تعاني من فوبيا المرتفعات، فكغيرها من الاضطرابات والأمراض؛ يجب في البداية الوعي بها، وإلى أي مدىً تؤثِّر على حياتك، لكى تستطيع التغلّب على الأمر والسعي لعلاجه، فتحديد المشكلة هو بداية العلاج.
ذلك لأن هذا الرهاب قد يلتهم حياتك بتقييد حركتك وأنشطتك وكيفية قضاء وقتك بشكل كبير، خاصةً إذا كانت المرتفعات شيئاً تتعرض له كثيراً في حياتك، فقد يقودك الذعر الناتج عنها إلى اتخاذ خطوات غير آمنة. لذلك؛ من المهم للغاية استشارة الطبيب عند الشعور بأي من أعراض الرهاب، لكي تتمكن من ممارسة حياتك من دون قيود قد تكون وهميةً ومُتخيَّلة.