كيف تتعامل مع مشاعرك المزعجة بعد خسارة كل شيء؟

الخسارات
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: في حال لم نعالج مشاعرنا وأتراحنا بعد الخسارات القاسية، فإن الحزن سيعود لاكتساحنا بقوة. وعلى الرغم من عدم وجود منهج واحد لإدارة الحزن مناسب الجميع، فإن ثمة عدة استراتيجيات فعالة قد تفيد في التعامل مع عواطفنا بعد الخيبات الكبرى.

“خسارة كل شيء”؛ 3 كلمات تختزل ألماً أكبر من الدنيا وما عليها. يبدو العالم فجأة في نظر الشخص المفجوع عالماً بِلا معنىً أو عالماً غريباً أو ناقصاً أو غير مألوف، أما عالمه الداخلي، فتعصف فيه مشاعر الحزن والخيبة والصدمة، وحتى جسده لا ينأى بنفسه عمّا يحدث حوله وداخله، فيضيق نفَسه ويصاب بالصداع أو التعب أو الغثيان والألم، ناهيك بأنه يعاني الأمرّين حين يحين وقت النوم أو تناول الطعام.

ربما لن يستطيع الكلام وصف التجربة ولا مواساة من يعيشها. ومع ذلك، فقد أمضى علماء النفس عقوداً من الزمن في محاولة تحديد كيف يمكن للبشر التعامل مع الخسارات ومشاعر الحسرة والحزن التي تتزامن معها، وتوصلوا فعلاً إلى بعض الاستراتيجيات التي تمكِّن الشخص المفجوع أو الكثير الخيبات من التعامل مع مشاعره، وإليك أهم هذه الاستراتيجيات وفقاً للخبراء في علم النفس.

اقرأ أيضاً: تشعر بالحزن دوماً؟ إليك طريق سعادتك المفقودة

كيف تتعامل مع مشاعر الحزن المضني بعد الخسارات الكبيرة؟

الحزن العميق أو المضني هو استجابة عاطفية طبيعية نشعر بها عندما نخسر شيئاً ما أو نفقد شخصاً عزيزاً نحبه. وقد وصف عالم النفس الشهير سيغموند فرويد (Sigmund Freud) هذه المشاعر بأنها: “فترة زمنية تلي الخسارة يجب خلالها معالجة الأفكار والذكريات والعواطف أو التعامل معها من أجل المضي قدماً في الحياة”.

وأياً كانت تجربة الخسارة التي تمر بها، من المهم أن تتحلَّى بالصبر وأن تسمح لعملية الحزن أن تتطور على نحو طبيعي، وأن تعالج مشاعرك على نحو كامل حتى لا يعود الحزن بقوة أكبر. وعلى الرغم من عدم وجود حل سحري واحد يناسب الجميع عندما يتعلق الأمر بإدارة الحزن، فهناك بعض الاستراتيجيات الفعالة للتعامل مع حالتك العاطفية والتغلب على الألم والتصالح مع الحزن والمضي قدماً في الحياة؛ وهي:

خصص وقتاً للاستبطان والتأمل

قد تشعر بعد الخسارة وكأن عالمك بأكمله لم يعد منطقياً، وقد أطلق بعض الباحثين على هذا الشعور اسم “أزمة المعنى”، فوجدوا أن إعادة صياغة المعنى للحياة قد تكون طريقة فعالة للمضي قدماً بطريقة صحية. للقيام بذلك، عليك أن تتأمل في حالتك الذهنية وأفكارك ومشاعرك، وأن تتخذ إجراءً أو تغييراً مفيداً أو مهماً في الحياة على نحو يجعلك تنمو شخصياً وتتطور؛ الأمر الذي سيجعل خساراتك تبدو وكأنها حافز ذو معنى. على سبيل المثال؛ يمكنك القيام بأعمال تطوعية أو حملات خيرية أو تخصيص الوقت لقضائه مع الأحبة أو القيام بأي شيء قد يضيف معنىً إلى الحياة.

اقرأ أيضاً: ما أهمية مشاعر الحزن المرافقة لفترة الحداد؟

افهم مراحل الحزن العميق

من المفيد حتى تتعامل مع مشاعرك أن تفهم مراحل الحزن التي قد تمر بها، وقد وصفت الطبيبة النفسية إليزابيث كوبلر روس (Elisabeth Kubler-Ross) عام 1969، 5 مراحل للحزن تحدث بعد التغيرات والخسائر الكبرى في الحياة؛ وهي:

  1. الإنكار: لا يمكن أن يحدث هذا لي.
  2. الغضب: لماذا يحدث هذا لي؟ على مَن يقع اللوم؟
  3. المساومة: لو لم يحدث هذا سأفعل أيّ شيء في المقابل.
  4. الاكتئاب: أنا حزين جداً إلى درجة أني لا أستطيع فعل أي شيء.
  5. القبول: أنا في سلام مع ما حدث.

إذا كنت تعاني أياً من هذه المشاعر بعد الخسارة، فقد يكون المفيد أن تعلم أنها ردود فعل طبيعية وأنك ستتعافى في الوقت المناسب؛ لكن ليس بالضرورة أن يمر الإنسان المفجوع بهذه المراحل جميعها، فقد يتعافى بعض الناس من صدماتهم دون المرور بأي من هذه المراحل، وليس بالضرورة إن مررت بمرحلة ما أن تمر بها كلها عبر ترتيب محدد. لذلك؛ لا تقلق بشأن ما يجب أن تشعر به أو المرحلة التي من المفترض أن تكون فيها، فالحزن أمر فردي مثلما هي الحياة.

اقرأ أيضاً: ما مراحل الحداد الخمس؟ وكيف تساعد المفجوع على تجاوزها؟

احتضن ألمك

يمكنك أن تقمع حزنك لكن لا يمكنك أن تتجنبه إلى الأبد. لذلك؛ وحتى تشفى، لا بد أن تعترف بالألم وأنك تكافح، وأن تسمح لنفسك بأن تحزن كيفما تشاء، فالحزن هو عملية التخليّ وتعلُّم قبول الخسارة والتعايش معها. أما محاولة تجنب مشاعر الحزن ستؤدي إلى إطالة عملية الشفاء، بالإضافة إلى أن مشاعر الحزن التي لا تتعامل معها ستؤدي إلى مضاعفات على الصحة النفسية؛ مثل الاكتئاب والقلق إلى جانب ظهور العديد من المشكلات الجسدية.

علاوة على ذلك، من المهم أن تدرك أعراض الحزن العاطفية، فقد تواجه مشاعر صعبة وغير متوقعة؛ بدءاً بالصدمة أو عدم التصديق أو الإنكار أو الحزن العميق، أو تشعر بالذنب تجاه أمور فعلتها أو لم تفعلها، أو ربما تشعر بالخوف والقلق وعدم اليقين أو نوبات هلع، كما قد تشعر بالغضب والاستياء حتى لو لم تكن الخسارة خطأ أحد ما.

من المهم معرفة أن هذه المشاعر طبيعية، وعليك أن تتعرف إليها وتتقبلها وتسمح لنفسك بأن تشعر بها وتعبر عنها بطريقتك الخاصة دون إصدار الأحكام على نفسك. تذكّر أن الحزن الذي نعيشه سيزول؛ في حين أن الحزن غير المعبَّر عنه سيستمر إلى أجل غير مسمى.

اقرأ أيضاً: دليلك لتعزيز مرونتك النفسية ضد الصدمات

استوعب تفرد حزنك

عليك أن تعلم أنه أياً تكن الخسارة التي تعانيها، فإن الحزن تجربة فردية للغاية، وما من طريقة صحيحة وأُخرى خاطئة لعيشها، فطريقتك في التعبير عن حزنك تعتمد على عوامل كثيرة؛ مثل شخصيتك وأسلوبك في التأقلم وخبرتك في الحياة ومدى أهمية الخسارة بالنسبة إليك. بالإضافة إلى أن عملية الحزن تستغرق وقتاً، فالشفاء يحدث تدريجياً ولا يوجد جدول زمني طبيعي لهذه المشاعر؛ إذ يبدأ بعض الأشخاص الشعور بالتحسن خلال أسابيع أو أشهر؛ بينما يستغرق آخرون سنوات عديدة. لذلك؛ من المهم أن تكون صبوراً مع نفسك طوال العملية.

اطلب دعم من حولك

قد يسبب شعورك بالحزن العميق بعد خسارة كل شيء رغبتك في الانسحاب من التفاعلات الاجتماعية والتقوقع على نفسك والعزلة؛ لكن عليك أن تعلم أن مشاركة مشاعرك وأفكارك مع الآخرين، سواء أكانوا من الأصدقاء أم أفراد العائلة، أمر ضروري للشفاء من الخسارة؛ إذ إن دعم هؤلاء واهتمامهم سيساعدك على التعامل مع المشاعر المعقدة، ويقلل مشاعر العزلة والعبء العاطفي، ويعزز تعافيك.

بالإضافة إلى ذلك، فكّر في الانضمام إلى مجموعات الدعم الاجتماعي؛ لأن مشاركة الحزن مع الآخرين الذين تعرضوا إلى خسائر مشابهة ستساعدك على تخطي ما تمر به. خلاصة الكلام: لا تعزل نفسك؛ بل تواصل مع الأصدقاء أو العائلة أو مجموعات الدعم. يمكن أن تكون مشاركة مشاعرك وتلقي الدعم أمراً مريحاً وعلاجياً.

تجدر الإشارة إلى أنك إن لم تكن قادراً على الانفتاح والتحدث عن خساراتك وآلامك إلى الآخرين، فقد يكون من المفيد أن تعبر عن مشاعرك بطريقة ملموسة مثل كتابة المذكّرات، وتنصح بذلك المعالجة النفسية فاتن بنت متعب، التي تشير إلى أن تدوين مشاعرك المؤلمة سيجعلك تفكر فيها وتحللها وتتعلم كيفية تغييرها؛ ما سيساعدك في التغلب على آلامك العاطفية.

اقرأ أيضاً: 9 نصائح لتتجاوز الأيام الثقال وتخفف وطأتها

واجه الخرافات

يمكن أن يساعدك تبديد المفاهيم الخاطئة الشائعة حول الحزن على التعامل مع مشاعرك على نحو أكثر فعالية. وأشهر هذه الخرافات أن الألم سيختفي أسرع إذا تجاهلته، والحقيقة أن محاولة تجاهل الألم أو منعه من الظهور مثلما ذُكر سابقاً لن تؤدي سوى إلى تفاقمه على المدى الطويل. لذلك؛ من الضروري مواجهة حزنك والتعامل معه بفعالية.

والخرافة الأخرى المنتشرة أيضاً هي ضرورة أن تكون قوياً في مواجهة الخسائر؛ لكن الحقيقة أن الشعور بالحزن أو الخوف أو الوحدة هي ردود فعل طبيعية على الخسائر، والبكاء لا يعني أنك ضعيف؛ كما أنك لست مضطراً إلى حماية عائلتك وأصدقائك من خلال اتخاذ موقف شجاع أو قوي؛ بل إن إظهار مشاعرك الحقيقية قد يساعدك ويساعدهم.

اعتنِ بنفسك

قد يؤدي الضغط النفسي الناتج من الخيبات الكبيرة إلى استنفاد طاقتك النفسية بسرعة، ونظراً إلى أن الصحة النفسية والجسدية كيان واحد؛ فمن المهم أن تعتني بنفسك عندما تشعر بالحزن أكثر من أي وقت مضى؛ إذ ستكون أكثر قدرة على التأقلم عاطفياً عندما تتمتع بصحة أفضل جسدياً.

لذلك؛ تناول طعاماً صحياً ومتوازناً، ومارس الرياضة بانتظام، واحصل على قسط كافٍ ووافٍ من النوم ليلاً، ومارس هواياتك وأنشطتك المفضلة والتأمل واليقظة الذهنية، وفكّر في التطوع لمساعدة الآخرين خصوصاً فيما يتعلق بموضوع خسارتك، وإياك أن تلجأ إلى سلوكيات مضرة لتخدير ألم الحزن أو تحسين مزاجك على نحو مؤقت؛ مثل التدخين او الكحول أو ما شابه لأنها ستزيد الوضع سوءاً.

اقرأ أيضاً: تقنية إعادة الهيكلة المعرفية: كيف تستمد الإيجابية من المواقف السلبية؟

لا تتردد في الحصول على المساعدة المتخصصة

إذا أصبح حزنك شديداً أو منهكاً، فكر في استشارة مختص الصحة النفسية الذي من شأنه أن يقدم الدعم والتوجيه لمساعدتك على التكيف مع الخسارة والمضي قدماً في حياتك الخاصة.

ختاماً، يمكن القول إن التعامل مع الخسارة والحزن هو رحلة شخصية عميقة. مفتاح الطريق لاجتيازها هو السماح لنفسك بتقبل مشاعرك، وطلب الدعم عند الحاجة، وممارسة الرعاية الذاتية مع فهم أن الشفاء من الحزن عملية فردية ليس لها جدول زمني محدد.