كيف تتعامل مع الشخص المستفز دون أن تفقد صوابك؟

4 دقائق
الشخص المستفز
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: "الاستفزاز هو فن إيقاظ الوحش الموجود في الإنسان"؛ هكذا عرّف الكاتب الفرنسي جورج برنانوس فعل تحريض شخص ما على الغضب أو الانزعاج، فكيف نتجنب إيقاظ هذا الوحش؟ وماذا نفعل لمواجهة الشخص المستفز؟ هذا المقال يخبرك بالإجابة.

هل سبق أن واجهت شخصاً يستمتع بإثارة غيظك، أو دفعك إلى حدود تحمّلك القصوى؟ نواجه جميعاً أشخاصاً، سواء أكانوا من الزملاء أم الأصدقاء أم أفراد الأسرة أم حتى الغرباء، يبدو أنهم يتقنون دفع الآخرين إلى فقدان السيطرة على أنفسهم؛ إنهم الشخصيات المستفزة.

قد يُدلون بتصريحات ساخرة، أو يتحدون آراءنا، أو ينتقدون اختياراتنا، أو يسخرون من مشاعرنا. وفي الأحوال جميعها، يتسببون بإثارة مشاعر ليست بمحببة لدينا. فلنتعرف في هذه المقال إلى بعض الاستراتيجيات والنصائح للتعامل مع الاستفزاز بطريقة بنّاءة ومحترمة، دون أن نفقد هدوءَنا أو نقلل من كرامتنا.

مَن هو الشخص المستفز؟

الشخصية المستفزة هي سمة في الأفراد الذين يهدفون إلى تحفيز رد فعل الآخر وتحريضه، وينتهكون بسلوكياتهم حدود المعايير المجتمعية المقبولة، وغالباً ما يستمتعون بذلك. تُمكن مواجهتهم في أماكن مختلفة؛ مثل العمل أو المواقف الاجتماعية أو العلاقات الشخصية. ويتسم أصحاب هذه الشخصية بعدة صفات؛ ومن أهمها:

  • الجرأة والعناد، فهم لا يتراجعون ولا يخافون الاقتراب من الموضوعات الحساسة والمثيرة للجدل.
  • الكاريزما العالية والقدرة على التلاعب؛ ما يجعلهم مثاليين للوظائف التي تتطلب مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات.
  • الإبداع، فمن الجدير بالذكر إن السلوك المستفز قد لا يكون سلبياً في الأوقات جميعها؛ لأنه يدفع الأفراد إلى الانخراط فيه بوصفه وسيلةً للتعبير عن أنفسهم بأسلوب إبداعي، فهو يحفزهم على التفكير خارج الصندوق، واغتنام الفرص، سواء أكان ذلك لإخراج أنفسهم من المآزق أم  لوضع آخرين فيها. 
  • القدرة على التكيف، وتعديل سلوكياتهم اعتماداً على المتغيرات من حولهم.
  • امتلاك مهارات تواصل عالية.

ومع ذلك، قد يعاني هؤلاء صعوبةً في تطوير العلاقات أو الحفاظ عليها، أو قد يواجهون الرفض بسبب اندفاعهم وتجاهلهم المباشر للطرف الآخر الذي ينظر إليهم على أنهم متمردون، ولحاجتهم القوية إلى الاستقلال والحرية.

ما أسباب اللجوء إلى السلوك المستفز؟

تختلف دوافع الشخص المستفز وتتنوع، فبالإضافة إلى الرغبة في جعل الشخص الآخر ينتهك القواعد المجتمعية، يمكن أن ينشأ الاستفزاز أيضاً من:

  • الرغبة في جذب الانتباه والاهتمام: أشار مختص الإرشاد النفسي، عبد الله سافر الغامدي، إلى أن أحد أسباب لجوء البعض إلى السلوك المستفز هو الإثارة أو لفت الانتباه أو إثبات التميز. على سبيل المثال؛ الاستفزاز الجنسي، فقد يعاني من ينخرط في سلوك الاستفزاز الجنسي مشكلات في الثقة بالنفس أو صورة الجسد، وتدني احترام الذات. لذا؛ يلجأ إلى سلوك الاستفزاز الجنسي اللفظي أو يرتدي الملابس بطريقة معينة لتحفيز الرغبة الجنسية، كوسيلة للشعور بمزيد من الثقة والرغبة.
  • الاضطرابات النفسية: تُعد اللغة المستفزة؛ أي استخدام لغة غير محترمة أو مسيئة، أحد أعراض الإصابة ببعض الاضطرابات النفسية؛ مثل اضطراب طيف التوحد (ASD)، أو اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط (ADHD)، أو إصابات الدماغ الناجمة عن الصدمة (TBIs)، أو متلازمة توريت.
  • فرضية الإحباط العدواني: ترى فرضية الإحباط العدواني أن الفرد عندما يُمنع عن تحقيق هدفه سيشعر بالإحباط؛ ما يقود إلى سلوك عدواني. لكنه لا يستطيع توجيه هذا السلوك نحو مصدر الإحباط في الحالات معظمها لأسباب عديدة؛ منها الخوف من العواقب والأعراف الاجتماعية، لذا؛ يوجهه نحو وجهات أكثر أماناً مثل استفزاز الآخرين. على سبيل المثال؛ قد يتعرض الطفل إلى المضايقة في أثناء لعبه كرة القدم مع أصدقائه من قبل بعض الأطفال الأكبر سناً؛ لكنه وبسبب الخوف وعدم قدرته على التعبير عن مشاعره يستبدل بشعوره بالإحباط سلوكاً عدوانياً ومستفزاً لأصدقائه أو أحد أفراد أسرته.

كيف يؤثر الاستفزاز في الصحة النفسية؟

تُمكن للاستفزاز إثارة ردود أفعال عاطفية وسلوكية قوية؛ لكن شدتها تعتمد على العقل الواعي لمن يتعرض إلى الاستفزاز؛ حيث أفادت الطبيبة النفسية، باربرا ماركواي (Barbara Markway)، بأن التعرّض إلى الاستفزاز ينشّط في الدماغ مركز الاستجابة إلى الخوف أو التهديد؛ استجابة الكر أو الفر.

إلا أن الدماغ لا يمكنه تحديد حجم الخطر، فالأمر متروك إلى العقل الواعي لتقييم الموقف؛ أي يمكن أن يختلف رد فعل كل شخص تجاه الاستفزاز بناءً على تجاربه الشخصية وآليات التكيف والمرونة. عموماً، تؤدي استجابة الكر أو الفر إلى إفراز الجسم هرمونات التوتر مثل الكورتيزول والكاتيكولامينات؛ وتترتب على ذلك الإصابة بالقلق والتوتر والإجهاد.

علاوة على ذلك، أشارت دراسة علمية نشرتها الجمعية الأميركية لعلم النفس (American Psychological Association)، إلى أن السلوك المستفز؛ بما فيه الإهانة أو الاستبعاد الاجتماعي، يثير سلوكاً عدوانياً أو مشاعر سلبية.

كيف تتعامل مع الشخص المستفز؟

غالباً ما يدفعك الشخص المستفز إلى أحد ردَّي الفعل التاليَين:

  • الانتقام: إلا أن هذا النهج غالباً ما يجعل المواقف أسوأ لأنه يؤدي إلى تصعيد الصراع.
  • التحمل من دون شكوى: ما قد يؤدي إلى إحباط مكبوت ينفجر في النهاية، ويجعلك تقول أو تفعل شيئاً قد تندم عليه لاحقاً.

لكن هناك نهج ثالث يمكن اتباعه للتعامل مع الشخصية المستفزة بأقل الآثار السلبية الممكنة؛ إنه "الذكاء العاطفي" أي أن تجعل المشاعر والأفكار تعمل لصالحك وليس ضدك. وإليك بعض النصائح التي يمكنك استخدام الذكاء العاطفي فيها لمواجهة الشخصيات المستفزة:

  • الهدوء: أو بعبارة أخرى تبلّد المشاعر، وعدم الانخراط في موجة غضب. على سبيل المثال؛ يمكنك دائماً أخذ نفس عميق وبطيء والاستماع إلى الشخصية المستفزة قبل أن ترد عليها.
  • قراءة ما بين السطور: حاول التعرف إلى ما يحاول الشخص المستفز كسبه أو تجنبه، لتتمكن من السيطرة على الموقف.
  • احترام الطرف الآخر: حاول إيصال مشاعر الاحترام إلى الطرف الآخر، والتحدث إليه بلباقة، وتجنب أي تعبير عن  الازدراء أو الانتقاص من قيمته، فذلك يساعد على السيطرة على الموقف ضمن حدود الحوار البنّاء.
  • تجنب الموقف الدفاعي: يلجأ المستفز عامةً إلى توجيه اتهامات أو قول معلومات غير صحيحة عنك، ولربما سترغب في الدفاع عن نفسك؛ لكن عليك ألا تفعل  ذلك، وألا تأخذ الأمور على محمل شخصي. 
  • لا ترد الغضب بالغضب: قد يلجأ المستفز إلى سلوك عدواني لفظي باستخدام الكلمات المسيئة أو النبرة العالية، أو جسدي باستخدام إيماءات الجسد أو تعابير الوجه، وهي تصرفات تنمّ عن عدم الاحترام. لذا؛ حافظ على هدوئك واتزانك.
  • تجنب اللمس: احتفظ بمسافة أمان بينك وبين الشخصية المستفزة، ومهما دفعتك غريزتك إلى محاولة تهدئته ربما بالتربيت على كتفه أو حتى بإيماءة منك، فحاول تجنب تلك الرغبة لأنه غالباً ما قد يُساء فهمك، واترك ذلك لظرف آخر أقل توتراً بينكما.
  • فرِّغ شحناتك: تنتهي المواجهة مع الشخصية المستفزة بارتفاع مستويات هرمونات التوتر في الجسم. لذلك؛ لا بدّ من إعادتها إلى مستوياتها الطبيعية، ومن أفضل طرائق التخلص من التوتر الذي يسببه السلوك المستفز ممارسة الجري أو الذهاب في نزهة سيراً على الأقدام.

إذاً؛ بينما قد يكون النقاش مع الشخصية المستفزة مدمِّراً أو مزعجاً على أقل تقدير، فإن النقاش الصادق المبني على أساس الذكاء العاطفي ربما يكون الوسيلة التي تُجنّبك الوقوع في فخ الاستفزاز وردود أفعاله العاطفية. تذكّر، وراء كل شخصية مستفزة إنسان يتمتع بنقاط قوة وضعف، وعليك فقط أن تتعلم قراءتها جيداً.

المحتوى محمي