ما الذي يجعل الرجل السيئ زوجاً مثالياً في أعين بعض النساء؟

متلازمة بوني وكلايد
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: ظاهرة نفسية غريبة بعض الشيء، يحدث فيها أن تنجذب النساء، سواء أكان ذلك عاطفياً أم جنسياً، نحو الأشخاص الذين ارتكبوا أعمالاً شنيعة وإجرامية؛ إنها متلازمة بوني وكلايد، وإليك ما يسبب هذا الانجذاب وعلاجه.

في عام 1930، في غرب أميركا وتحديداً في ولاية تكساس، التقت بوني باركر (Bonnie Barker)، النادلة ذات الـ 19 عاماً والمتزوجة من قاتل مسجون، كلايد بارو (Clyde Barrow)، اللص الذي يكبرها بعامين والذي أُطلِق سراحه مؤخراً. وقعا في الحب فور لقائهما؛ لكن سرعان ما سُجن كلايد مرة أخرى بتهمة السطو، فما كان من بوني إلا أن هرّبت له مسدساً ليهرب من السجن؛ ما أشعل شرارة مغامراتهما الإجرامية. هرب فعلاً؛ لكن قُبض عليه مجدداً، فانتظرته بوني حتى أُطلِق سراحه عام 1932، وحينها، انضمت إليه في قصة حب ملتهبة وحياة مليئة بالجريمة والقتل والسرقة.

وفي حلول الوقت الذي لقيا فيه حتفهما في كمين للشرطة عام 1934، كانا قد ارتكبا 13 جريمة قتل وعشرات عمليات السطو المسلح على البنوك والكثير من سرقة السيارات! رحلة بوني وكلايد، على الرغم من قصر مدتها الزمنية، قد جسدت في خيال الشعب الأميركي قصة مؤثرة عن الحب والجريمة والمغامرة الجريئة، وأُنتج عنها العديد من الأعمال السينمائية.

لكن ألا يثير الحيرة السبب الذي قد يدفع فتاة بسيطة ومسالمة إلى الوقوع في غرام مجرم خطِر ومساعدته على الإفلات من العدالة والإصرار على الارتباط به؟ حسناً، تعرّف إذاً إلى متلازمة بوني وكلايد (Bonnie and Clyde Syndrome) أو متلازمة هايبرستوفيليا (Hybristophilia)؛ الظاهرة النفسية الغريبة التي تتجلى في الانجذاب نحو المجرمين والأشرار، ولنرَ إن كانت المرأة تنجذب فعلاً إلى الرجل “الشرير” أو “الباد بوي”، ولماذا قد يحدث ذلك.

اقرأ أيضاً: 12 علامة تؤكد أن حبك حقيقي

متلازمة بوني وكلايد: عندما تقع المرأة في غرام المجرم

تعرِّف جمعية علم النفس الأميركية (American Psychological Association)، متلازمة هايبرستوفيليا أو متلازمة بوني وكلايد، بأنها الشعور  بالانجذاب العاطفي أو الجنسي إلى أولئك الذين يرتكبون الجرائم. وفي بعض الأحيان، توجَّه هذه المشاعر نحو الأشخاص المسجونين نتيجة ارتكابهم أنواعاً مختلفة من الأنشطة الإجرامية؛ مثل القتلة المتسلسلين أو المغتصبين أو غيرهم.

أول من صاغ مصطلح الهايبرستوفيليا هو عالم النفس النيوزيلندي، جون موني (John Money) في الخمسينيات من القرن الماضي، وقال إن هذا الانجذاب الجنسي يتجلى على نحو خاص عند النساء؛ لكن قد يحدث عند الرجال أيضاً.

وعلى الرغم من أن الانجذاب أو عشق القتلة والمجرمين الخطرين قد يبدو وكأنه اضطراب نفسي في حدّ ذاته، فإن الأمر ليس بهذه البساطة؛ إذ لا تُعد هذه المتلازمة اضطراباً نفسياً رسمياً وفقاً لأدلة التشخيص الحالية؛ وإنما يمكن عدّها نوعاً من أنواع الشذوذ الجنسي (البارافيليا) وهو الشعور بالإثارة الجنسية تجاه أشخاص أو مواقف أو أشياء غير نمطية مثل المجرمين الخطرين في هذه الحالة.

اقرأ أيضاً: كيف تصمد علاقة الشريكَين في وجه الأيام؟

لمَ قد تنجذب النساء إلى القتلة المتسلسلين والمجرمين الشديدي الخطورة؟

من المهم ملاحظة أن متلازمة بوني وكلايد أو الهايبرستوفيليا هي ظاهرة معقدة ومتعددة الأوجه، قد تتأثر بمزيج من العوامل التطورية والنفسية والاجتماعية، بالإضافة إلى التجارب الفردية والأعراف المجتمعية. علاوة على ذلك، يمكن أن تختلف شدة الهايبرستوفيليا اختلافاً كبيراً بين الأفراد. وعموماً، إليك أهم العوامل التي قد تسهم في تطور هذه المتلازمة:

1. العوامل الوراثية

يقترح بعض الباحثين أن ثمة عوامل وراثية تؤدي دوراً في نشوء هذه الظاهرة. تجدر الإشارة إلى أن الهايبرستوفيليا غالباً ما تُلاحظ عند النساء ونادراً عند الرجال، وإحدى التفسيرات المحتملة لذلك متجذرة في علم النفس التطوري مثلما يوضح الطبيب النفسي نبيل القط؛ إذ يقول إن النساء قد طورن في العصور الغابرة تفضيلاً للرجال الأقوياء القادرين على توفير الحماية لهنّ ولأطفالهن، وقد يمتد هذا الانجذاب في بعض الحالات إلى ما هو أبعد مما يُعتبر صحياً، إلى حدّ الانجذاب نحو المجرمين العنيفين والخطرين.

اقرأ أيضاً: لماذا نغار من ماضي الشريك؟ وكيف نتعامل مع ذلك؟

2. صدمات الطفولة

على الرغم من عدم إثباتها على نحو قاطع، فثمة فرضية مفادها أن بيئة الطفولة للمرأة، خصوصاً إذا كانت تنطوي على سوء المعاملة أو الإهمال، قد تجعلها أكثر عرضة إلى اختيار شركاء مسيئين في مرحلة البلوغ، وقد تطور انجذاباً غير صحي إلى أولئك الذين ينتهكون القواعد والقوانين، أو انجذاباً جنسياً نحو المجرمين.

3. العوامل الاجتماعية

يمكن أن تؤدي معايير المجتمع وتوقعاته الثقافية دوراً في تشكيل التفضيلات لأنواع معينة من الشركاء؛ إذ قد تؤثر الأدوار التقليدية للجنسين التي تؤكد هيمنة الذكور وخضوع الإناث.

بالإضافة إلى ذلك، قد يؤثر تصوير وسائل الإعلام للمجرمين، وخصوصاً أولئك المتورطين في جرائم شنيعة، على أنهم شخصيات مثيرة للاهتمام، في تصورات الأفراد وتفضيلاتهم؛ ما قد يدفعهم إلى تقليد مظاهر المجرمين أو سلوكياتهم.

اقرأ أيضاً: كيف يمكنك تجاوز البخل العاطفي مع الشريك؟

4. جذب الانتباه

قد ينخرط بعض الأفراد في متلازمة بوني وكلايد بوصفها وسيلة لجذب الانتباه؛ إذ قد تعتقد بعض النساء أن الارتباط بمجرمين سيئي السمعة أو تقليدهم بطريقة ما سيجذب انتباه الآخرين. ويمكن أن يكون هذا ديناميكية نفسية معقدة تنطوي على الرغبة في الشهرة.

5. العوامل النفسية

بعيداً عن الوراثة والتجارب المبكرة، ثمة عوامل نفسية كامنة في الأفراد الأكثر عرضة إلى الإصابة بالهايبرستوفيليا؛ مثل بعض السمات الشخصية أو آليات التكيف أو الاضطرابات العاطفية التي تدفعهم إلى البحث عن علاقات مع المجرمين.

6. سمات المجرمين النفسية

غالباً ما يُظهر الأفراد الخطرون أو المجرمون سمات مرتبطة بـ “الثالوث المظلم” (النرجسية والميكافيلية والسيكوباتية)، وقد تجد النساء الأفراد الذين يتمتعون بهذه السمات جذابين لأسباب مختلفة.

اقرأ أيضاً: ماذا تفعل عندما لا يكن لك شريك الحياة الاحترام؟

ماذا عن الانجذاب إلى الأشرار الأكثر اعتدالاً أو “الباد بوي”، ما أسبابه؟

ليس بالضرورة أن يكون الانجذاب نحو الأشرار انجذاباً متطرفاً نحو القتلة المتسلسلين أو المغتصبين أو المجرمين العديمي الرحمة؛ بل قد يشعر بعض الأشخاص، خصوصاً النسوة، بانجذاب رومانسي أو جنسي نحو أولئك الذين يكذبون أو يخدعون أو يضربون. فغالباً ما يُنظر إلى الرجال “الأشرار” أو الأشقياء أو السيئين، أياً تكن التسمية، على أنهم أكثر هيمنة وذوو جاذبية جسدية أعلى مقارنة بالرجال الطيبين، وغالباً ما تختارهن النساء اللواتي تعطين الأولوية للانجذاب الجسدي على المدى القصير، في حين أن النساء اللواتي يبحثن عن الدعم العاطفي يملن إلى تفضيل الرجال اللطفاء.

وأيضاً، كثيراً ما تفضل النساء المتجنبات الرجال المهيمنين؛ بينما تميل النساء اللواتي يتمتعن باحترام عالٍ لأنفسهن إلى تفضيل الرجال اللطفاء. في الأحوال كلها، إليك بالإضافة إلى هذه الأسباب ما قد يجعل الرجل السيئ أو “الباد بوي” جذاباً في عيون بعض النساء:

  • غالباً ما يكون الرجل الشرير غامضاً ومغامراً؛ ما قد يكون مبهجاً وجذاباً.
  • غالباً ما يكون على استعداد للدفاع عن شريكته في مواقف المواجهة؛ ما يجعل المرأة تشعر بالأمان والحماية.
  • عادةً ما يُظهر الفتيان السيئون الثقة والهيمنة، وهي صفات ترتبط غالباً بالرجولة ويمكن أن تزيد جاذبيتهم.
  • غالباً ما تضفي وسائل الإعلام طابعاً رومانسياً على الرجال السيئين؛ ما يسهم في زيادة جاذبيتهم في الحياة الواقعية حيث تسعى الفتيات إلى الرومانسية المحرمة نفسها.
  • قد تشجع أصالة الرجل الشرير الفتاة على احتضان نفسها الحقيقية والتعبير عن مشاعرها؛ ما يجعلها تنجذب إليه أكثر.
  • قد يزيد الرجال السيئون احترام الفتاة لذاتها؛ إذ إن قضاء الوقت مع أحدهم قد يقوي شعور المرأة بأنها مرغوبة أكثر ويؤكد جاذبيتها الجسدية.
  • يمكن أن يؤدي وجود المرأة مع رجل سيئ إلى افتراضات بأن المرأة لا يمكن التنبؤ بها، ومثيرة، ومغامرة؛ ما قد يعزز صورتها الذاتية.
  • يرغب بعض النساء في “إصلاح” الرجال السيئين؛ إذ قد يعتقدن أنهن قادرات على تغيير الرجل الشرير إلى شخص أفضل؛ ما قد يجعل العلاقة ذات معنىً أكبر.
  • يبحث بعض النساء عن الرجال السيئين للتغلب على صدمات الماضي؛ إذ بالنسبة إلى بعض الفتيات، قد تكون ملاحقة الرجال السيئين مرتبطة باحتياجات عاطفية لم تلبَّ منذ الطفولة مثل الرغبة في الحصول على شخصية تشبه الأب.

من المهم ملاحظة أن هذه الأسباب لا تنطبق على الفتيات كافةً، وأن التفضيلات والخبرات الفردية تختلف اختلافاً كبيراً.

اقرأ أيضاً: 5 طرق للتعافي من ألم الانفصال عن الشريك

هل من علاج لمتلازمة الهايبرستوفيليا؟

الهايبرستوفيليا ليست اضطراباً نفسياً في حد ذاتها؛ ولكنها أحد أشكال الشذوذ الجنسي أي قد لا يكون العلاج ضرورياً إلا في حال كان لهذا الميل تداعيات سلبية أو تهديدات على حياة الشخص أو صحته الجنسية. عموماً، لا يوجد علاج واحد راسخ للهايبرستوفيليا، وغالباً ما يُصمَّم العلاج وفقاً لاحتياجات الشخص المحددة. وقد يتضمن ذلك استكشاف الأسباب والمحفزات الكامنة وراء انجذابه نحو الأفراد الخطرين.

ويُعد العلاج المعرفي السلوكي من العلاجات النفسية التي قد تكون مفيدة؛ إذ يهدف إلى تحديد أنماط التفكير والسلوكيات المشوهة المتعلقة بالشذوذ الجنسي وتعديلها. بالإضافة إلى أن تطوير استراتيجيات فعالة لمنع الانتكاس الذي يُعدّ جزءاً أساسياً من العلاج، وقد يتضمن ذلك تعلم كيفية التعرف إلى المحفزات وتطوير آليات التكيف.

اقرأ أيضاً: هل أنت “شريك احتياطي” في علاقتك العاطفية؟ إليك العلامات المؤكِّدة

ناهيك بأن الانضمام إلى حلقات الدعم الاجتماعي قد يكون مفيداً؛ لأنه يسمح للأفراد الذين يعانون مشكلات مماثلة بمشاركة تجاربهم وتلقي الدعم من الآخرين الذين يتعاملون مع الميول المماثلة. وفي بعض الحالات، يمكن وصف الدواء لمعالجة الأعراض أو المشكلات الأساسية التي تسهم في حدوث الشذوذ الجنسي، خصوصاً في حال وجود اضطرابات مزاجية أو حالات قلق متزامنة.

من المهم ملاحظة أن فعالية العلاج يمكن أن تختلف من شخص إلى آخر، وقد لا يكون هناك نهج واحد يناسب الجميع. عادةً ما يتضمن علاج الشذوذ الجنسي مزيجاً من العلاجات ويُجرى بوساطة متخصصين في الصحة النفسية من ذوي الخبرة في هذا المجال. بالإضافة إلى ذلك، يجب على الأفراد الذين يبحثون عن علاج للهايبرستوفيليا أو أي نوع من الشذوذات أن يفعلوا ذلك طواعية وبتوجيه من متخصص في مجال الصحة النفسية.