كيف تضر المتعة الفورية بصحتك النفسية؟ وما سبيل تجنبها؟

3 دقائق
المتعة الفورية
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: إن التركيز المفرط على الإشباع الفوري لاحتياجاتنا يصرفنا عن تحقيق الأهداف الطويلة المدى ذات المغزى؛ ما يؤدي إلى ضعف تركيزنا على السلوكيات التي تؤدّي إلى النجاح والسعادة المُستَدامَين. يتعمّق هذا المقال في مفهوم المتعة الفورية وتأثيراتها السلبية، ويقترح سبلاً لتجنّب السلوكيات الاندفاعية لتحقيق الإشباع اللحظي.

بطريقة مبسّطة، يمكن أن نقول إن المتعة الفورية هي حالة السعي وراء اللذة عوضاً عن الألم، وهو ما أشار إليه عالم النفس، سيغموند فرويد (Sigmund Freud)، في نظريته الشهيرة في التحليل النفسي للشخصية بمبدأ اللذة (Pleasure Principle) الذي يمثّل القوة الدافعة للأنا في تلبية دوافعها الأساسية والبدائية؛ بما فيها الجوع والعطش والغضب والجنس؛ وهي احتياجات تثير حالة من القلق أو التوتّر إن لم تُلبَّ.

ويشير استشاري العلاج النفسي، أحمد هارون، إلى خلط أغلبية الناس بين الشعور بالسعادة والإحساس بالمتعة، وهي مغالطة شائعة. فتأثير المتعة يكون لحظياً، وأغلب ما يثير الإحساس بالمتعة لدى الأشخاص؛ مثل التسوّق والعلاقات والطعام، يمكن أن يتسبّب لهم بالإدمان؛ بينما يكون للسعادة أثرٌ مستمرّ يستشعره الشخص على المدى الطويل.

وفي عصر الإنترنت، لم يعد أغلبنا يمتلك من الصبر ما يكفي لتأجيل الإحساس بالمتعة لاحقاً؛ ما يسهم في حالة التشتّت والانفصال عن الواقع التي قد تصيبنا، فيحيد بنا ذلك عن مسار التطوّر الذاتي التدريجي وتحقيق مساعينا الأهم. فما هي المتعة الفورية؟ وكيف نتجنّب تأثيراتها السلبية في حياتنا؟ هذا ما سنعرفه في هذا المقال.

ماذا تعني المتعة الفورية؟ 

يُستخدم مصطلح "المتعة الفورية" (Instant Gratification)، أو كما يُشار إليه أيضاً باسم "الإشباع اللحظي" أو "الإشباع الفوري" للإشارة إلى الميل نحو اختيار المكافآت الفورية عوضاً عن الفوائد المتأخّرة والأكثر أهمية. ولقد أصبح هذا المصطلح دارجاً على نحو كبير في عصرنا الحديث حيث يُصمَّم كلّ شيءٍ لتسهيل حصولنا عليه في وقت قصير جدّاً. 

قد يخدم هذا الميل المتجذّر بعمقٍ في الطبيعة البشرية أهدافاً ضرورية للبقاء، وبخاصة خلال المراحل الأولى في التطوّر الإنساني؛ حيث كان تحديد أولويات الاحتياجات الفورية أمراً حيوياً في مواجهة التهديدات أو شُحّ الموارد. 

وفي مقابل السعي نحو تحقيق المتع الفورية، نجد مفهوم "المتع المؤجّلة" (Delayed Gratification) الذي يشير إلى تأخير الإشباع ومقاومته لتحقيق مكاسب أكبر لاحقاً. ويواجه العديد من الأشخاص تحديات نفسية كبيرة في اختيار الإشباع المؤجّل بدلاً من الإشباع الفوري بسبب الإغراءات اللامتناهية للمتع الفورية.

اقرأ أيضاً: سعادتك الكبيرة تبدأ من المتع الصغيرة إليك كيفية إيجادها

لماذا نميل إلى تفضيل المتع الفورية؟ وما مخاطرها؟

يوضح الطبيب والكاتب الأميركي، أوستن بيرلماتر (Austin Perlmutter)، إن السعي وراء الحلول السريعة يؤدّي إلى زيادة إفراز هرمون الدوبامين قبل فترة زمنية طويلة من تجربة الحصول على المكافآت؛ ما يزيد حالة الرغبة الشديدة لدينا، ويصعّب التحرّر من الروتين غير الصحي. 

ولأن أدمغتنا تتكيّف مع سلوكياتنا؛ فهذا التكيّف يعزّز المسارات العصبية المرتبطة بالسلوكيات الاندفاعية مسهّلاً الاستسلام للعادات غير الصحية مثل استهلاك الأطعمة ذات الجودة المنخفضة أو الإفراط في التسوّق عبر الإنترنت. وتندرج كلّها في نوعية السلوكيات التي تؤثّر سلباً في صحتنا واستقرارنا المالي، ناهيك بأنها تخفّض جودة تفاعلاتنا الشخصية.

فالاعتماد على سلوكياتٍ تحقّق الإشباع الفوري بصفة مستمرة يمكن أن يغيّر كيمياء أدمغتنا، ويصرفنا عن المساعي الهادفة والأهداف الطويلة المدى ذات المغزى، ويؤدّي إلى عواقب مالية واجتماعية وصحية سلبية. 

وذلك لا يعني تجنّب الاستمتاع بوسائل الراحة ورفاهيات العصر الحديث؛ وإنما يُنصح على أساسه أن ننتبه أكثر إلى السياقات التي نتخّذ فيها القرارات ونلاحظ نمط تكرارها وطبيعة تأثيراتها في حياتنا. فالميل إلى تحقيق الإشباع الفوري بات يرتبط بانخفاض الإنجازات، وارتفاع الديون، والسمنة، والسلوك الجنسي المحفوف بالمخاطر، وتعاطي المخدرات.

كيف تستخدم الإشباع المؤجّل في تحقيق أهدافك؟

يوضّح استشاري العلاج النفسي، أحمد هارون، إن المؤشّر الرئيس في الصحة النفسية هو قدرة الفرد على الاستمتاع بجودة الحياة النفسية والروحية والجسدية والاجتماعية؛ حيث يمثّل الاستمتاع مرحلة تتوسّط الإحساس بالمتعة والشعور بالسعادة. 

وبينما قد لا يكون تحقيق الاستمتاع هو الهدف المباشر من احتياجاتنا الأسمى والطويلة الأجل مثل الإنجاز والنفوذ وتقدير الذات، يمكن أن يضمن لنا تحقيق هذه المساعي وغيرها سعادةً واستمتاعاً مستدامَين. فأصحاب الإنجازات الكبيرة هم من تعلّموا كيفية تأخير الإشباع الفوري بفعالية، وركّزوا على الإنجاز على المدى الطويل وانتظار المكافآت الأكثر أهمية مستقبلاً؛ التي تتفوّق بكثيرٍ على الحلول اللحظية السريعة. 

وفي هذا السياق، ينصح عالم النفس الإكلينيكي والمفكّر الكندي، جوردن بيترسن (Jordan Peterson)‏ بما يلي بالنسبة إلى الأشخاص الذين يواجهون صعوبة في الإشباع المؤجّل:

  • اختر هدفاً متوسطاً أو طويل المدى ترغب في تحقيقه: يمكنك أن تتخيّل شيئاً تحتاج إليه وتريد تحقيقه، فمن شأن هذه الخطوة أن تحفّز سعيك نحو الهدف.
  • اسأل نفسك سؤالاً تأمليّاً حول هدفك: اسأل نفسك كما لو كنت تسأل شخصاً آخرَ حول ما إذا كانت لديه الإمكانيات الكافية أو يمتلك المتطلّبات التي يحتاج إليها لتحقيق ذلك الهدف. سيساعدك هذا التمرين على التحقّق من قابليتك وقدرتك على تحقيق الهدف الذي اخترته سابقاً، فإذا كان هدفاً صعب التحقيق، اختر هدفاً أقلّ صعوبة.
  • قسّم هدفك إلى أهداف صغيرة تستطيع تحقيقها: بعد تحديد هدفك، قسّمه إلى خطوات صغيرة تلائم قدراتك الحالية على مقاومة الإغراءات لتستطيع إنجازها دون تأجيل. وقد تتمثّل تلك الخطوات في أهداف تبدو بسيطة وغير ذات أهمية مثل ترتيب مكتبك وغرفة نومك، أو الاعتناء بنفسك؛ ولكنّها تصنع الفارق في بلوغ الهدف الأكبر الذي قد يكون تنظيم حياتك على سبيل المثال.

اقرأ أيضاً: صنع الأشياء متعة تفت باباً لسعادة من نوعٍ خاص

وأخيراً، يمكن أن تكون للإشباع الفوري عواقب سلبية مباشرة وطويلة الأمد، فالاندفاع نحو القرارات المتهوّرة لتحقيق المتعة الفورية يؤدي غالباً إلى اتخاذ خيارات سيئة تفتقر إلى التخطيط السليم ولا تخدم النموّ الذاتي. لذلك؛ يساعد تطوير القدرة على ممارسة الإشباع المؤجّل على تحقيق الأهداف المتوسطة والطويلة المدى التي تحقّق لنا عادة الاستمتاع والسعادة.

المحتوى محمي