ملخص: عندما يسافر الأصدقاء معاً إلى وجهة سياحية بغرض الاستمتاع والراحة، فإنهم يتصوّرون أن الرحلة ستكون تجربة لا تُنسى؛ لكن هذا النوع من الرّحلات قد لا يخلو من الخلافات والنزاعات التي قد تتطوّر أحياناً إلى مستويات توتر وغضب عالية. ولمواجهة هذه العواطف والمشاعر السلبية، تقدّم الخبيرة النفسية آن لي داليكسندري، 5 نصائح ثمينة لمعالجة تداعيات خلافات الأصدقاء في الرحلات وإصلاح العلاقات التي أفسدها السفر الجماعي.
يعود أشخاص عِدّة من رحلاتهم السياحية التي استمتعوا فيها بأشعة الشمس مرهقين عاطفياً. وبمجرد انتهاء إجازاتهم، تحلّ مشاعر الإحباط والغضب والحزن محلّ الحماس الذي كانوا يشعرون به قبل السفر. ويتذكّرون أن الإجازة التي كانوا يتمنون أن تكون مريحة رفقة الأصدقاء انتهت نهاية مؤسفة، وهذا ما حدث لمحمود البالغ من العمر 26 عاماً، عندما سافر لأول مرة مع مجموعة من زملاء الكلية.
خلافات الأصدقاء في الرحلات
يروي محمود ما حدث معه قائلاً: "قرّرنا السفر معاً إلى الغردقة هذا الصيف، كان كلّ شيء في البداية يوحي أننا سنقضي إجازة الأحلام؛ لكن سرعان ما خرجت الأمور عن السيطرة! لا أفهم ما الذي حدث، فقد كنّا متفاهمين باستمرار لكنني اكتشفت اليوم أنني لم أكن أعرف هؤلاء الأصدقاء جيداً.
كنت ودوداً في الأيام الأولى من رحلتنا لكنني لاحظت أننا لم نكن جميعاً منسجمين في تصرفاتنا واختياراتنا، فقلت في نفسي هذا أمر طبيعي، فلكلّ منّا أسلوبه. على سبيل المثال كان بعضنا يحبّ النزهات مشياً على الأقدام بينما كان آخرون يصرّون على الذهاب إلى الشاطئ أو أخذ قيلولة طويلة بعد الزوال قبل الخروج للسّهر في المقاهي. كان كلّ شيء طبيعياً حتّى هذه المرحلة، وكان أحد أصدقائي يشتكي طوال اليوم من عدم ممارسة المجموعة أنشطة موحّدة، فبدأ التّوتر يتزايد.
وفي إحدى الأمسيات، كنّا نجلس في أحد المطاعم عندما قرر هذا الصديق ألّا يدفع نصيبه من الفاتورة لأنه يفضل أن يحافظ على ماله لممارسة "أنشطة حقيقية" على حد قوله! اندهش الجميع من سلوكه هذا، فبرّر ذلك بأنه لا يشعر بالراحة بيننا منذ أيام وأنه قرّر إنهاء إجازته معنا وإكمالها وحده في فندق آخر.
وقال إننا مدينون له بدفع نصيبه من الفاتورة لأنه تحمّل الكثير، فقررنا في النهاية أن ندفع نصيبه لكن الأصدقاء جميعهم شعروا بالخيانة. كان ذلك مؤسفاً، وشعرنا أن متعة إجازتنا أُفسدت؛ لكن الأسوأ هو ما حدث لاحقاً، فعندما عدنا إلى الفندق في تلك الليلة، كانت حدّة التوتر بيننا واضحة، وكان الأصدقاء جميعهم متخوفين من التعرّض للانتقاد ولم يقدروا على التصرّف بعفوية. سادت لحظات من الصمت ثم بدأت الانتقادات المتواصلة والنزاعات، فقررت أن أعود إلى البيت مبكراً قبل الموعد المقرر، ولست متأكداً اليوم أنني سأرى هؤلاء الأصدقاء مجدداً".
اقرأ أيضاً: كيف يؤثر الأصدقاء في الصحة النفسية للمراهقين؟
ما التصرّف الأمثل عند حدوث خلافات الأصدقاء في الرحلات؟
عندما يحتدّ التوتر، لا يتطلّب الأمر شيئاً كثيراً لاشتعال فتيل خلافات الأصدقاء في الرحلات. لذا؛ تقدّم المختصة في الطب النفسي السريري وعلاج الأسرة، لي آن داليكسندري (Lee-Ann d’Alexandry) بعض النصائح المفيدة لتجنّب "انفجار الغضب".
1. تقبّل عدوانيتك
قد يدفعك الغضب أحياناً إلى أن تقول عن أحدهم بنبرة تهديد: "أرغب في قتله". ماذا لو كان ردّ الفعل هذا طبيعياً؟ تؤكد لي آن داليكسندري ذلك قائلة: "الدوافع العنيفة التي نعبّر عنها في هيئة صور أو أفكار ضرورية وصحية، والوعي بها هو الذي يجنّبنا تنفيذ التهديد واللجوء إلى العنف اللفظي أو المادي. لذا؛ لا تتخوّف من هذه العواطف ولا تحاول كبتها لأن قبولها هو الذي سيجعلها تهدأ". فما ردّ الفعل الأمثل إذاً؟
ينبغي لك أن تعطي لغضبك شكلاً ولوناً معينَين، وإذا لم يكفِ ذلك فاسمح لخيالك بإنهاء المهمة من خلال سيناريو خيالي بالكامل؛ مثل أن ترى نفسك تضع السمّ في طبق "عدوك" أو تقذفه بالكرة في وجهه مباشرة إلى غير ذلك من الأفكار التي لا حظر فيها. بعد هذا التخيّل ستشعر فوراً بالارتياح.
2. اخلق لنفسك "ظروف الهدوء"
من الضروري أحياناً أن تنعزل وتتنفس جيداً تجنّباً للتصعيد اللفظي. تنصح الطبيبة النفسية التي تمارس أيضاً التنويم بأسلوب إريكسون (l’hypnose éricksonienne) قائلة: "تغيير المكان أو شرب كأس ماء أو التجول في الخارج يكفي أحياناً لاسترجاع الهدوء، ويمكننا أيضاً أن نتفق مسبقاً وجماعياً على وضع الإجراءات الاحترازية التي ستشكل حلاً في حال وقوع خلافات الأصدقاء في الرحلات، فحتّى عندما تكون مستعداً لما قد يحدث في لحظة الغضب، هناك دائماً عنصر مفاجئ قد يوظّفه أحد الطرفين في أسوأ لحظات الخلاف".
3. عبّر عن غضبك كتابةً
وفقاً لقواعد التواصل غير العنيف؛ فإن احتياجاتنا المكبوتة هي التي تقف وراء غضبنا أو توترنا. لذا؛ لا نستطيع تهدئة التوتر إذا لم نحظَ بالإصغاء اللّازم. فما الحلّ الأمثل إذاً؟ إنه التعبير عن أسباب الخلاف باتّباع المراحل الأربع للتواصل غير العنيف: مراجعة ما حدث دون إصدار حكم عليه، والتعبير عن المشاعر، والربط بينها وبين الاحتياجات، ثم صياغة طلب واضح للطرف الآخر باستخدام ضمير المتكلم "أنا".
تلاحظ لي آن داليكسندري: "تكون المواجهة المباشرة مع الآخرين مقلقة بالنسبة إلى البعض. لذا؛ تمثّل الكتابة وسيلة جيدة لفتح حوار دون التخوّف من الرفض". يمكنك أن تختار بين كتابة رسالة قصيرة أو رسالة عبر البريد الإلكتروني أو التدوين في ورقة تضعها على مكتب الشخص المعني. وتُذكّر الطبيبة النفسية بأن: "الهدف من ذلك هو التوصل إلى توافق يرضي الطرفين معاً".
4. فكّر في الاعتذار
بعد انفجارك غضباً في وجه أحدهم، من الضروري أيضاً أن تعالج مسألة إعادة التواصل معه. لذا؛ تنصحك داليكسندري قائلة: "في حال صدرت عنك ألفاظ نابية أو حركات غير لائقة عليك أن تعتذر بصدق دون البحث عن مبررات أو استدراك. قل للشخص الذي أخطأت في حقه: "عذراً" أو "أنا آسف"، وتجنّب أن تقول له: "أنت البادئ"، أو "كنتُ متعباً" أو "لا تضخم الأمر"، وغير ذلك من العبارات التي تحاول من خلالها إنكار مسؤوليتك عمّا حدث، ومن المهم في مواجهة شخص قد لا يتغيّر أن تدرس ردّ فعلك جيداً جداً وتفهم سبب إثارته غضبك الشديد ومبادئك الشخصية التي انتهكها بسلوكه".
5. عزّر علاقاتك بالآخرين
من الممكن أن تكون ثمة سلوكيات سيئة لكن نادراً ما يكون هناك أشخاص سيئون. تقول الطبيبة النفسية: "عندما ننفجر غضباً، نميل إلى التركيز على عيوب الآخر، وبمجرد استعادة الهدوء لا ينبغي لنا أن ننسى ما حدث بل يجب أن نحاول إصلاح العلاقة معه بعمق، من خلال تذكّر خصاله الحميدة التي نحبّها والأوقات الجميلة التي قضيناها معه.
وسواء تعلّق الأمر بالأسرة أو الأصدقاء، أنصحك بما أسميه "الحمّام الإيجابي" الذي يعني تنظيم لقاء جماعي على سبيل المثال يعبّر فيه الجميع بالتناوب عن الأشياء التي يقدّرونها لدى الآخر، مع الحذر من الانزلاق نحو إثارة الجوانب السلبية. وتأكد بعد هذا التمرين أنك ستتخلّص من حالة التأهب الدفاعي التي تشعر بها".