صوم الدوبامين: كيف تعيد ضبط حساسية دماغك للدوبامين وتتوازن من جديد؟

4 دقائق
صوم الدوبامين
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: يشير صوم الدوبامين إلى نهج قائم على العلاج المعرفي السلوكي لتعزيز أسلوب حياة صحي وتقليل السلوكيات الإدمانية؛ غير أن الفهم الخاطئ لهذه الممارسة قد يؤثّر في الصحة النفسية والجسدية، لذلك؛ ننصحك بقراءة هذا المقال للتعرّف إلى هذا المفهوم وفوائده وإرشادات الخبراء لتطبيقه.

الدوبامين هو هرمون وناقل عصبي يؤدّي دوراً مهمّاً في الدماغ؛ حيث يرتبط بوظائف مختلفة مثل المكافأة والتحفيز والمتعة وتعزيز السلوكيات، ويشارك في تنظيم الحالة المزاجية والانتباه والحركة، و يُشار إليه غالباً بـ "هرمون السعادة" نظراً لدوره في الشعور بالسعادة والرضا.

ويشير صوم الدوبامين، على الرغم من أنه ليس مصطلحاً معترفاً به طبياً، إلى ممارسة يقوم فيها الأفراد، عمداً، بتقليل الأنشطة التي تحفّز إفراز الدوبامين في الدماغ عادةً، أو تجنّبها! واكتسب هذا المفهوم شهرة في السنوات الأخيرة بوصفه ردّ فعلٍ على التحفيز المفرط الذي يعانيه العديد من الناس بسبب الإدمان الرقمي.

وتتمحور الفكرة الأساسية وراء صوم الدوبامين حول الامتناع المؤقّت عن أنشطة مثل الاستخدام المفرط للهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي وألعاب الفيديو وغيرها من التجارب المحفّزة، من أجل إعادة ضبط حساسية الدماغ للدوبامين واستعادة الشعور بالتوازن والسيطرة على السلوكيات الشخصية.

ماذا يعني صوم الدوبامين؟

يرجع مصطلح "صوم الدوبامين" (Dopamine Fasting) إلى الطبيب النفسي الأميركي كاميرون سيباه (Cameron Sepah) الذي عرّفه بأنه الامتناع جزئياً عن القيام بالأنشطة المحفّزة للدوبامين؛ أي أنه طريقة تساعد على التحكّم في الأنشطة التي يدمنها بعض الأفراد.

اعتمد سيباه على الأسلوب المنهجي في العلاج النفسي المعروف بـ "العلاج المعرفي السلوكي" (CBT) في تفسير صوم الدوبامين؛ حيث افترض أن امتناع الأفراد عن بعض المحفّزات لفترة معينة يمكِّنهم من الاستغناء عنها بل ويجعلهم لا يرغبون بالتعرّض لها مرّة أخرى.

والجدير بالذكر إن ثمّة الكثير من المغالطات حول صوم الدوبامين؛ حيث يعتقد البعض أنه يعني العزوف التام عن ممارسة أي أنشطة حياتية ممتعة مثل الطعام والجنس، لتحقيق سعادة أكبر عند العودة إليها ثانيةً؛ ما يسبب مشكلات محتملة في إشارات الناقل العصبي مثل داء باركنسون.

يمكن تحقيق العديد من الفوائد من خلال صوم الدوبامين ما إذا طُبّقت فكرة سباه الأصلية بعيداً عن التطرّف في تنفيذها عن طريق استبدال السلوكيات النافعة بغير المجدية، وبناء عادات مساعِدة على التأقلم وتقليل التوتّر. وقد أشارت مراجعة بحثية نُشرت في عام 2018 إلى أهمية صوم الدوبامين واستخدام المنهج المعرفي السلوكي لعلاج الإدمان على تصفح الإنترنت.

وتتمثّل السلوكيات الأخرى الأسرع استجابةً لهذه الممارسة من غيرها في الأكل العاطفي (Emotional Eating)، والإسراف في التسوّق، وإدمان المخدرات. ويوضّح استشاري جراحة الكلى والمسالك البولية، يمان التل، إن أيّ شيء يحفّز إفراز الدوبامين في الدماغ يمكن الإدمان عليه، سواء تمثّل ذلك في فنجان القهوة الصباحي، أو السجائر، أو المخدّرات التي تُعد من أكثر ما يرفع مستوى الدوبامين، لدرجة يفقد فيها الدماغ التركيز على أيّ شيءٍ آخر.

اقرأ أيضاً: 7 تمارين لتحقق أقصى استفادة من أحلامك 

كيف يعمل صوم الدوبامين؟

تعمل هذه الممارسة التي يُشار إليها أيضاً بـ "ديتوكس الدوبامين" (Dopamine detox) بناءً على مبادئ العلاج المعرفي السلوكي، وهو نهج علاجي يهدف إلى تحديد أنماط التفكير والسلوك المضرّة، وربطها بالأسباب الكامنة ورائها، وتعزيز أنماط أكثر فائدة.

فعندما ينخرط الأشخاص في سلوكيات غير مفيدة ولكن ممتعة على نحو متكرّر، يؤدّي ذلك إلى إفراز الدوبامين؛ ما قد يُسفر عن دورة من السلوكيات الإدمانية أو الاندفاعية. لذلك؛ يُنصح بصوم الدوبامين للتخلّص من السلوكيات والعادات غير المفيدة التي يتعوّد عليها الأفراد بمرور الوقت. ويتضمّن هذا الأسلوب التحكّم في المنبّهات أو المحفّزات غير المرغوب فيها مثل جهاز كومبيوتر محمول، من خلال جعل الوصول إليها أصعب. والانخراط، في الوقت ذاته، في نشاط مختلف مثل المشي.

وخلال هذه العملية، يتعلّم الأفراد التعرّف إلى المشاعر أو المواقف السلبية التي تحفّز الرغبة بالانخراط في سلوكيات معيّنة؛ حيث يكون الهدف هو الاستجابة بسلوكيات أكثر فائدة عندما تظهر هذه المشاعر، وكسر الاستجابة المشروطة المرتبطة بالعادات غير المفيدة تدريجيّاً.

قد يكون صوم الدوبامين فعّالاً في كبح السلوكيات المضرّة مثل الإفراط في تناول الطعام، أو قضاء وقت طويل على وسائل التواصل الاجتماعي أو الإنترنت؛ لكن من المهم معرفة أن إدارة الإدمان السلوكي قد تتطلّب توجيهات اختصاصي في الصحة النفسية.

3 فوائد محتملة تجنيها من صوم الدوبامين

لا تستند فوائد صوم الدوبامين على حقائق علمية مؤكدة؛ ولكن تكمن فكرته في التوقّف عن ممارسة النشاطات المحفّزة للدوبامين، ولا سيّما المضرة منها، للحدّ من الاعتماد عليها في تحقيق السعادة، إلى جانب إمكانية تحقيق مجموعة من الفوائد الأخرى؛ ونذكر منها الآتي:

  1. تحقيق تحكّم سلوكي أكبر: يمكن تطوير قدرة أكبر على تنظيم العواطف، وتحسين مهارة التحكّم في الانفعالات؛ ما يؤدّي إلى رفاهية وسعادة أكبر.
  2. زيادة التركيز والوضوح الذهني: تَوفُّر المزيد من الوقت لقضائه على نحو أكثر إنتاجية في العمل والأهداف الصحيّة والتنظيم المنزلي وغير ذلك.
  3. تحقيق حالة أكبر من اليقظة الذهنية: وذلك من خلال تجنب بعض السلوكيات المضرّة؛ مثل قضاء ساعات في استخدام الهاتف الذكي وتصفّح مواقع التواصل الاجتماعي. يؤدي ذلك إلى تخفيف التوتّر، وخفض ضغط الدم، وتحسين جودة النوم.

كيف تطبّق صوم الدوبامين في 4 خطوات؟ 

من المحتمل أن يساعد صوم الدوبامين على الحدّ من السلوكيات الإشكالية مثل الاستهلاك المفرط للكحول أو الإفراط في استخدام وسائل التواصل، وتتمثل طرائق تطبيقه فيما يلي:

  1. إقامة الحواجز: بالابتعاد قدر الإمكان عن أي محفّزات مرتبطة بالعادة المراد تغييرها، ووضع العقبات التي تحول بينك وبين وصولك إلى أي محفّز يساعدك على ممارسة السلوكيات المضرّة؛ مثل قضاء وقتٍ أقلّ مع الأصدقاء الذين يمارسون العادة نفسها، أو استخدام تطبيقات هاتف تحظر تصفحك لمواقع التواصل الاجتماعي.
  2. اختيار بدائل مفيدة: مثل ممارسة نشاطات ترفيهية ومفيدة أخرى مثل الرسم أو ممارسة اليوغا أو القراءة أو ممارسة التمارين الرياضية.
  3. فهم الأسباب الكامنة: فهم سبب رغبتك في الانخراط في نشاط معيّن؛ إذ يمكن أن يدفع الملل، على سبيل المثال، بالعديد من الأشخاص إلى ممارسة أنشطة غير ذات فائدة. لذلك؛ يساعد التعرّف إلى الوقت الذي تشعر فيه بالملل مثلاً على منعك من التصرّف باندفاعية.
  4. طلب الدعم والإرشاد: الطريقة المثالية لإجراء صوم الدوبامين تكون بإشراف متخصّص في الصحة النفسية للمساعدة على فهم العمليات الكيميائية التي تحدث على مستوى الدماغ، ووضع استراتيجية شمولية لتغيير السلوكيات المعنية، بالإضافة إلى تقديم المساعدة عندما تظهر أعراض الانسحاب المعقّدة.

اقرأ أيضاً: هل تعاني سلوكات تدمّر ذاتك؟ إليك الأسباب والعلاج

أخيراً؛ من المهم معرفة أن مفهوم صوم الدوبامين يمكن أن يكون مضلّلاً، فهذه الممارسة لا تقضي فعلياً على إنتاج الدوبامين أو إطلاقه، فهو أمر غير صحّي؛ بل تهدف إلى التخفيف من تحفيزه المفرط من خلال الامتناع المؤقّت عن الأنشطة المحفّزة للغاية لإعادة ضبط حساسية الدماغ للدوبامين وتعزيز علاقة صحية مع التجارب القائمة على المكافأة.