علامة النضج الحقيقية هي التوقف عن الاستياء من والديك

3 دقائق
النضج
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: الوالدان أول شخصين في حياة الإنسان، فهو يفتح عينيه على حبهما ويبدأ في سن مبكرة ببناء شخصيته بما يقدمانه له من حب واهتمام؛ لكن ذلك يمكن أن يجعله يبالغ في توقعاته منهما في الوقت ذاته، وقد يسبب له إحباطاتٍ ما لم يتقبلها ويتخطاها، ولن يصل إلى مرحلة النضج ولن يتمكن من إنشاء علاقات سليمة مع الآخرين مستقبلاً.
ليست العائلة ملاذاً آمناً في أوقات الأزمات فحسب، فقد يعاني الفرد فيها توترات وإحباطات كبيرة أيضاً، وعليه أن يتقبلها ويتخطاها لينضج ويمضي في حياته قدماً ويحافظ على حبه لعائلته، فكيف يمكنه ذلك؟ هذا ما تُطلعنا عليه مختصة العلاج النفسي نيكول بريور (Nicole Prieur).

نفسيتي: لمَ ينتظر المرء من والديه دائماً أكثر مما يقدمان له؟

نيكول بريور: حينما نحب شخصاً ما فإننا نولي أهمية كبيرة لأي كلمة أو إيماءة تصدر عنه، فنحللها من جوانبها كافةً ويزداد تأثيرها فينا كلما كانت الرابطة التي تجمعنا بالشخص أقوى. في سن 3-4 سنوات، يبدأ الطفل في لا وعيه بمراقبة والديه، وعلى الرغم من أنه يبني شخصيته بما يمنحانه إياه من اهتمام وحب، فإنه يسجل ما يراه لديهما من عيوب وما يسببانه له من إحباطات، حتى أنه يقدّر ما يشعر أنه حُرم منه أكثر مما تلقاه، وهو ما أصاب مختص التحليل النفسي دونالد وينيكوت (Donald W. Winnicott) حينما عبر عنه قائلاً: "المعاناة تنجم عما لم يحدث". ما تمنيناه في طفولتنا ولم نتمكن من الحصول عليه سيشغل مساحة كبيرة من حياتنا.

نفسيتي: كيف يتعامل المرء مع النقص الذي واجهه في الطفولة؟

نيكول بريور: يختلف ذلك تبعاً للمرحلة التي يمر بها من حياته، ففي مرحلة الطفولة يعيش بانتظار الحصول على ما يريد؛ أما في مرحلة المراهقة فإنه يثور ويطالب بما يستحق، وقد لا يتخطى هذه المرحلة أبداً فيطلب من أصدقائه ومحبيه تعويضه عما لم يقدمه له والداه؛ لكنه في الحقيقة يخدع نفسه.

لا يمكن لزوجي أن يمنحني حب الأب، أو لصديقتي أن تمنحني حب الأم، إلخ، وحينما أطلب ممن حولي أداء أدوار لا تناسبهم في حياتي فإنني قد أخسر ما يمكنهم منحه لي بالفعل؛ ما يؤدي إلى وقوعي في سلسلة متكررة من الأخطاء والإخفاقات في علاقاتي. أما المرحلة الثالثة فهي مرحلة النضج، وتقبُّل فكرة أن ما لم يأتِ لن يأتي، والتوقف عن لوم والديك، والاقتناع بأنك لن تحصل يوماً على ما نقصك في صغرك مهما فعلت: تلك النظرة التي انتظرتها منهما والمكانة التي وددت أن يمنحانك إياها. إنه أمر صعب للغاية، وغالباً ما يمر المرء بحالة من الكآبة حينما يفكر فيه؛ لكن إذا تفهّمه وتقبّله سيتحرر منه.

نفسيتي: ما سبب تعلق المرء بما ينقصه؟ وهل يمثل التعبير عن غضبه لوالديه مشكلة؟

نيكول بريور: الغضب أمر لا بد منه، ومن الأفضل أن يسوي المرء حساباته مع نفسه أولاً قبل التحدث إلى والديه؛ لكننا غالباً ما نشعر بالحاجة إلى المواجهة والصراع، وهي طريقة لاختبار قوتنا وتأكيد وجودنا. من ناحية أخرى، فإن اعتقاد المرء بأن تسوية حساباته مع والديه ستمكنه من التوافق معهما هو مجرد وهم، فهو لن يتمكن من ذلك إلا حينما يتقبّل عيوبهما وأخطاءهما وأنهما ليسا الوالدين المثاليين اللذين تخيلهما، ويتقبّل فكرة أن ما يطمح إليه مثل السعادة، والكمال، والرفاهة، لا يمكن لوالديه تقديمه له بالكامل لأنهما ليسا المسؤول الوحيد عن تشكيل هويته؛ إذ يبني المرء هويته أيضاً من خلال علاقاته الاجتماعية وتجاربه الشخصية والوجدانية التي تأتي علاوة على ذلك لتعويضه عما افتقر إليه ضمن أسرته، وهذه هي عملية النضج النفسي.

نفسيتي: هل يكفي قبول عيوب الوالدين لننضج؟

نيكول بريور: إنه أمر ضروري لكن ليس كافياً. يجب على المرء أيضاً التخلي عن الأدوار التي فُرضت عليه وخزّنها في اللاوعي: "لكي أكون ابنة صالحة يجب أن أصبح طبيبة مثل والدتي"، "لكي أكون ابناً صالحاً يجب أن أنجح مثل والدي". ينشأ المرء مقيداً بمخاوف والديه، وحتى لو أراد التحرر منها في مرحلة المراهقة، يجد أنه ليس كبيراً بما يكفي لفعل ذلك. في مرحلة الرشد، عادة ما بين سنَّيّ الـ 25 والـ 30 عاماً، يشعر أنه سيخالف توقعات والديه اللاواعية ويتمرد عليها وتستحوذ الفكرة عليه، وهذه هي المرحلة الأخيرة من الرحلة نحو النضج التي تسمح له بأن يكون على طبيعته.

المحتوى محمي