ملخص: يستعرض هذا المقال حكمة صينية قديمة تدعونا إلى العمل عند الضرورة فقط وعدم بذل جهد لا داعي له؛ ومن ثم التفكير في معاني أفعالنا والتوقف عن التفاعل التلقائي مع الأحداث. وفي الحقيقة، أثبتت الأبحاث أن تبنّي هذه الحكمة يؤدي إلى تخفيف القلق والتوتر وزيادة الشعور بالسعادة والرضا، فكيف يمكننا جعلها جزءاً من روتيننا اليومي؟
نسعى جميعاً إلى النجاح في الحياة الشخصية والمهنية، وتحقيق أكبر قدر ممكن من السعادة والرضا الشخصي؛ الأمر الذي يتطلب منا تغيير عاداتنا وأفكارنا الراسخة بقوة في داخل كلٍ منا، وهو أمر صعب لا شك في ذلك لكنه ليس مستحيلاً.
إذا كنت تشعر أنك لا تتقدم في حياتك وأنك ما زلت تجتر الماضي، فقد حان الوقت للتغيير، وفيما يلي يعرفنا مختص علم النفس الأميركي الصيني، الدكتور جون هونغ (Junhong) إلى سر طريقة وو وي (Wu-Wei) الصينية التي ستساعدنا على عيش حياة أفضل، وهي ليست مجرد طريقة جديدة اكتسبت شهرة واسعة؛ إذ أثبتت الأبحاث فعاليتها، وقد تحدث عن ذلك مقال نشرته الدورية العلمية ذا بريتيش سايكولوجيكال سوسايتي (The British Psychological Society)، فما ماهية هذه الطريقة؟ وكيف بإمكاننا ممارستها في حياتنا اليومية؟
وو وي: بذل جهد أقل للشعور بسعادة أكبر
تُمكن ترجمة كلمة "Wu-wei" إلى "اللاعمل" أو "العمل دون جهد"، فهل يعني هذا أن نتكاسل؟ لا ليس الأمر كذلك؛ إذ يوضح الأستاذ جون هونغ قائلاً: "لا تعني طريقة وو وي الاسترخاء وعدم بذل الجهد بل يُراد بها ترك الأحداث تأخذ مجراها الطبيعي وعدم استعجالها أو السعي إلى السيطرة عليها". إذاً يركز هذا النهج على العمل عند الضرورة فقط وعدم بذل جهد لا داعي له؛ ومن ثم فهو يدعونا إلى التفكير في معاني أفعالنا والتوقف عن التفاعل التلقائي مع الأحداث. وقد أظهرت الدراسة أن لطريقة وو وي فوائد عديدة وهي: تقليل التوتر والقلق، وتعزيز مشاعر الرضا الشخصي والرفاهة، فكيف يمكنك تبنّي هذه العقلية؟
3 خطوات لتطبيق طريقة وو وي
وفقاً لمختص علم النفس؛ فإن تبنّي هذه الحالة الذهنية سهل، وفيما يلي نصائح لجعلها جزءاً من روتينك اليومي.
تقبل الأحداث كما هي
مثلاً إذا كنت ترتب حفل عيد ميلاد جدتك الذي ستحضره العائلة كلها، فلا تنشغل بأدق التفاصيل ولا تسعَ إلى أن تكون الحفلة مثالية بل خذ الأمر ببساطة أكثر. تتمحور طريقة وو وي حول تقبُّل أن الأمور قد لا تسير وفق المخطط؛ كما هي الحال حينما لا تحصل على الترقية التي طال انتظارها. يقول جون هونغ: "لا يمكنني التحكم في كل ما يدور حولي لكن بإمكاني تحقيق أقصى استفادة منه".
نصيحة المختص: حينما تواجه تحدياً ما، فكر فيما إذا كان بإمكانك التحكم تماماً بالنتيجة. إذا لم يكن بمقدورك ذلك، تصالح مع الأمر وامضِ قدماً.
تقبَّل عيوبك
حينما تبدأ نشاطاً جديداً مثل تعلم لغة ما أو تعلم العزف على آلة موسيقية، فإنه من الطبيعي أن ترتكب الأخطاء ودون ذلك لن تتعلم، فلا يمكن لأحد أن يتقن ما يفعله من المحاولة الأولى؛ إذ إن الممارسة المستمرة هي التي تحسّن الأداء وتطوره. يقول المختص: "اترك الأمور تأخذ مجراها الطبيعي ولا تستعجل النتائج، واعلم أن الكمال وهم لا يمكن إدراكه".
نصيحة المختص: نحن بشر ومن حقنا جميعاً ارتكاب الأخطاء؛ لذا توقف عن التركيز على أخطائك وجَلد ذاتك لعدم قدرتك على تحقيق المستحيل، وتحلَّ بالمرونة وكن أكثر رفقاً بنفسك، وعلى هذا النحو ستتمكن من تعزيز شعورك بالأمان الداخلي وبناء الثقة بالنفس.
مارِس اليقظة الذهنية
قال الفيلسوف الصيني القديم ومؤسس الطاوية (عقيدة صينية تؤكد أهمية العيش في وئام مع الطاو، والطاو هو مصدر كل شيء موجود في الحياة ونمطه ومضمونه)، لاو تسو (Lao Tzu): "إذا كنت مكتئباً، فأنت تعيش في الماضي، وإذا كنت قلِقاً فأنت تعيش في المستقبل، أما إذا كنت تشعر بالسلام الداخلي فأنت تعيش في الحاضر". اليقظة الذهنية هي أن تعي أفكارك ومشاعرك دون أن تحكم عليها، وتعيش اللحظة الحالية دون أن تفكر في الماضي أو تخاف من المستقبل، وهذا هو سبيلك لتنعم بحياة متوازنة ومُرضية وناجحة أكثر.
نصيحة المختص: مارِس هذا التمرين البسيط: اذهب إلى الطبيعة وتمعّن في التفاصيل الدقيقة المحيطة بك كلها؛ من دفء أشعة الشمس الذي تشعر به على وجهك، إلى أصوات زقزقة العصافير وحفيف أوراق الشجر وألوان الزهور وأشكالها، وركز على المشاعر التي تخلقها هذه التفاصيل في نفسك.
ويختتم الدكتور جون هونغ حديثه قائلاً: "يصبح تطبيق طريقة وو وي أسهل بكثير حينما تنتبه إلى ما يجري في اللحظة الحالية بحب وفضول".