ملخص: "التشتت يسرق منك سعادتك"، صدقني هذه ليست مبالغة، فعندما تنخرط في ممارسات تقلل تركيزك فأنت بذلك تسهم في خفض مستوى سعادتك بدرجة ملحوظة، ولا نقصد هنا المشتتات الصحية التي قد تزيد قدرتك على مقاومة صعاب الحياة؛ لكننا نعني المشتتات غير الصحية التي تجعلك تهرب من مشكلاتك، فكيف تفرّق بينهما؟ وما الإرشادات العملية التي يمكنك باتباعها السيطرة على هذه المشتتات التي تحاصرك كلها؟ هذا ما سنعرّفك إليه في مقالنا.
محتويات المقال
يحتاج الإنسان بين الحين والآخر إلى أن يكون موجوداً في مساحة اللاشيء حتى يستريح ذهنه، ويمكن أن يتحقق ذلك بمروره على منصات التواصل الاجتماعي أو لعب لعبة إلكترونية أو مشاهدة فيلم لا يحتاج إلى قدر عالٍ من التركيز، والسلوكيات السابقة صحية إذا ما ظلّت في نطاق الحدود المعقولة؛ لكن ماذا لو أصبحت تلك المشتتات تسرق منه يومه وتقلل إنتاجيته؟ بالتأكيد ستصبح هناك مشكلة تحتاج إلى تدخل، وفي هذا المقال نستعرض معاً أسباب التشتت وكيفية مواجهته.
ما هي المشتتات؟
يمكن تعريف المشتتات أو مصادر الإلهاء بأنها تلك الأنشطة التي تصرف انتباه الشخص وتقطع حبل أفكاره، فتمنعه من التركيز في شيء آخر له الأولوية. على سبيل المثال؛ قد تجد نفسك خلال يوم عمل مزدحم بالمهمات المتلاحقة، تمسك بهاتفك الذكي لتتابع إحدى وسائل التواصل الاجتماعي على الرغم من عدم وجود أي عائد أو منفعة من وراء ذلك؛ ما يؤدي إلى انخفاض انتاجيتك بنسبة ملحوظة وضياع وقتك.
ويرى رئيس قسم مهارات الاتصال بجامعة الملك عبد العزيز السعودية، نوح الشهري أننا نعيش في عصر التشتت. حيث يظهر بوضوح أن التشتت أصبح نقطة الضعف الأولى اليوم عند الشباب، وله نوعان: الأول ذهني والثاني عملي؛ ما يجعل أذهان الشباب معظمهم، وفقاً للشهري، غير صافية ومساراتهم المهنية متخبطة، وهذا ينعكس عليهم نفسياً بمعاناتهم أعراض بعض الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب والقلق التي يُعد التشتت أحد أهم أسبابها.
اقرأ أيضاً: ما الذي يؤدي إلى الملل المزمن؟ وكيف تتجنبه؟
كيف تفرّق بين المشتتات الصحية وغير الصحية؟
على الرغم من أن الحديث عن المشتتات عادةً ما يكون في سياق وصفها بأنها تسرق من الإنسان قدرته على الإنجاز والتقدم، فإنها عندما تُستغَل في نطاق محدود يمكن أن تحقق فوائد ثمينة. تحتاج أدمغتنا بين الحين والآخر إلى فترة راحة تستعيد فيها نشاطها، وهذا ما يمكن أن يحققه بعض المشتتات مثل ألعاب الفيديو التي تسهم في التخفيف من الضغوط التي قد نعانيها.
ويظهر ذلك في تجربة علمية استهدفت قياس فعالية لعبة فيديو معينة في تعزيز قدرة المصابين بالسرطان على مواجهة مرضهم، ووجدت أن المرضى الذين لعبوا اللعبة زاد انتظامهم على تناول الأدوية وارتفع شعورهم بالكفاءة الذاتية.
لكن بالتأكيد لا يتمكن الأشخاص جميعهم من توظيف المشتتات في سياقها الصحي؛ ما قد يؤثر سلباً في أولوياتهم ويدفعهم إلى الانخراط في سلوكيات مضرّة. وحتى تتمكن من التفريق بين المشتتات الصحية وغير الصحية، إليك عدة مؤشرات تدل على المشتتات غير الصحية:
- تستخدمها كوسيلة للهروب وقمع مشاعرك؛ فمثلاً عند شعورك بالملل من العمل تندمج في تصفح وسائل التواصل الاجتماعي أو لعب الألعاب الإلكترونية.
- تخفض معدل إنتاجيتك وقدرتك على الإنجاز بدرجة واضحة.
- تضر بصحتك النفسية والجسدية.
- تقلل قدرتك على المواجهة وحل المشكلات.
في حال وجدت نفسك واقعاً في دائرة معاناة التأثيرات السلبية السابقة والانخراط في المشتتات، فاعلم أنه من المهم أخذ وقفة جادة حتى لا تستنزف حياتك.
اقرأ أيضاً: كيف أتعامل مع حالة عدم القدرة على التركيز؟
مشتتات أقل سعادة أكثر!
توصلت دراسة علمية أجرتها جامعة هارفارد إلى أنه عندما تنحرف عقولنا عن تأدية المهمات المطلوبة منها، يجعلنا ذلك أقل سعادةً مما لو ركزنا تركيزاً كاملاً فيما نفعله. ويرى الباحث الرئيس في الدراسة، ماثيو كيلينغسوورث (Matthew Killingsworth) أنه على الرغم من قدرة عقولنا على التفكير في الماضي والتخطيط للمستقبل وتخيل أشياء لا تحدث أبداً، فإن الوظائف السابقة إذا ما ألهتنا عما نفعله في حاضرنا ستؤدي إلى تقليل سعادتنا بوضوح.
وتتفق عالمة النفس بابرا بيكر هولشتاين (Barbara Becker Holstein) مع هذا الاستنتاج، فهي تشير إلى أنه لتحقيق السعادة الذاتية، يجب أن يمتلك كل منا هدفاً معيناً في حياته يسعى إلى تحقيقه؛ وهو ما يُجبر عقولنا على التركيز في اتجاه محدد، ولا تتقافز طوال الوقت بين المشتتات والملهيات.
اقرأ أيضاً: كيف نصل إلى السعادة؟
4 إرشادات عملية للسيطرة على المشتتات
ربما يصعب عليك الحفاظ على تركيزك في ظل الكثير من المشتتات التي تغريك طوال الوقت؛ لكن يمكنك باتباع بعض الإرشادات العملية، أن تحد من تأثيرها وتزيد تركيز وسعادتك أيضاً؛ ومن أهم هذه الإرشادات:
1. حدّد مهماتك اليومية
الخطوة الأولى حتى تقلل تأثير المشتتات من حولك أن تعرف ما الذي ترغب في فعله خلال يومك، ويمكنك أن تطبق ذلك بكتابة قائمة مهمات متسلسلة لا يمنع أن تخللها فترات راحة؛ لكنها أيضاً محددة بنشاط وتوقيت معين.
2. تعلَّم فن الانغماس في فعل الأشياء
أي أن تحاول عندما تفعل شيئاً ما، ألا تكون حواسك منشغلة بشيء آخر، فحتى لو شاهدت فيلماً، اجعل ذهنك وحواسك مندمجة مع ما يُعرض أمامك، وستجد مع الوقت أن قدرتك على التركيز ارتفعت تدريجياً.
3. تجنَّب تعدُّد المهمات
يمكن اعتبار تعدُّد المهمات العدو الأكبر للتركيز؛ لذا أنصحك أن تتوقف عن قراءة الرسائل النصية وأنت تتناول الغداء، والعكس كذلك؛ لأن قدرة عقلك ستتناقص بالتأكيد عندما تنشغل بأكثر من مهمة.
4. مارِس التأمل
يمنحك التأمل فرصة عظيمة حتى تتمكن من إعادة تنظيم الفوضى الذهنية؛ ما سيجعلك أكثر قدرة على مقاومة المشتتات، ولا يُشترط أن يكون نشاط التأمل لفترات زمنية طويلة، فعشر دقائق أو ربع ساعة يومياً مدة كافية.
اقرأ أيضاً: الماندالا: رسومات منظّمة لإعادة التركيز
أخيراً، دعني أخبرك حتى تعي خطورة التشتت، إن المركب التي لا تعرف طريقها سينتهي بها الأمر على أي مرفأ عشوائي، وأنت كذلك عزيزي القارئ؛ إذا لم تُبعد عنك المشتتات وترسم ملامح طريقك وتسعى وراء ما تطمح إليه، ستجد نفسك غالباً في حال لن تسرّك؛ لذا أدعوك إلى مقاومة المشتتات بقوتك كلها حتى تعيش حياة أفضل.