ملخص: كيف يمكن أن يكون الإنسان عدوّ نفسه؟ توضّح حالة التدمير الذاتي التي يعانيها العديد من الأشخاص كيف يمكن لأنماط التفكير السلبية، سواء بالذات أو بصدمات الطفولة، أن تفعّل في أنفُس الأفراد آلية تدفعهم إلى إعاقة تقدّمهم ونجاحهم.
نواجه جميعاً عقبات وتحديّات في الحياة تُعيق تقدّمنا ونماءَنا الشخصي؛ ولكن ماذا لو كان بعض هذه الحواجز والعراقيل من صنع أيدينا؟ التدمير الذاتي هو آلية نفسية تعمل على جعلنا نُحبط محاولاتنا للتقدّم ونخرّب فرصنا لتحقيق النجاح، بوعيٍ أو غير وعيٍ منّا؛ إنّه حالة نفسية تتجلّى في سلوكاتٍ معيقة ترجع في جذورها إلى عوامل مختلفة منها الاعتقادات السلبية عن النفس والصورة الذاتية المتدنية.
وعلى الرغم من أنه ليس تشخيصاً رسمياً في الطب النفسي، فقد يحتاج الشخص الذي تتعارض حالته هذه مع أبسط أهدافه اليومية إلى استشارة متخصّصة؛ لكن التعرّف إلى الأسباب الكامنة وراء التدمير الذاتي واستراتيجيات التغلّب عليه قد يوفّر فرصة التحرّر منه وبدء رحلة التعافي.
ماذا يُقصد بالتدمير الذاتي؟
يشير مصطلح "التدمير الذاتي" (Self-sabotage) إلى آلية تخريب ذاتية نفسية تتجلّى في السلوكات التي تسبّب صعوبات في الحياة اليوميّة وتعوق تحقيق الأهداف الطويلة المدى؛ حيث يمكن أن يحدث بطرائق واعية أو غير واعية مؤدياً إلى آثار سلبية في أهداف الفرد ورفاهه العام.
وبعبارات بسيطة؛ يمكن فهم التدمير الذاتي على أنه إعاقة الذات، وإقامة العقبات التي تعوق تحقيق النتائج المرجوّة أو المتوقّعة. وتشمل الأمثلة الشائعة لسلوكات التدمير الذاتي: التسويف، وتعاطي المخدرات أو الكحول، والانخراط في سلوكات الأكل العاطفي، أو إيذاء النفس بصفةٍ عامة.
وتنقسم سلوكات التدمير إلى نوعين: التدمير الواعي، ويتجلّى في سلوكات الأفراد الذين يقوّضون جهودهم الشخصية عن قصدٍ. على سبيل المثال؛ شخص يتناول علبة كاملة من المثلجات على الرغم من أنه يتّبع حمية غذائية ما يّبطل أهدافه في إنقاص الوزن.
من ناحية أخرى، يظهر التدمير اللاواعي عندما يقوم الأفراد بإعاقة أنفسهم عن غير قصدٍ بسبب مخاوف عميقة الجذور، فقد يبدو أن شخصاً ما فاته موعد نهائي للعمل قد تأخّر ببساطة؛ لكن في الواقع قد يكون خوفه من الفشل هو ما يدفعه إلى إعاقة تقدمّه الوظيفي.
اقرأ أيضاً: 5 مفاتيح للتوقف عن تدمير الذات
ما الذي يدفعنا إلى سلوكات التدمير الذاتي؟
يحدث التدمير الذاتي عندما يعوق الأفراد تقدّمهم، إما بوعي أو بغير وعي. ويمكن أن تختلف الأسباب الكامنة وراء هذا السلوك المدمّر، فتشمل مشكلات الصحة النفسية الناشئة عن تجارب الطفولة الصعبة، إضافة إلى عوامل أخرى نذكرها كالآتي:
- الطفولة الصعبة: يمكن أن يؤدي كلٌ من الرسائل السلبية والنقد الذي يتلقّاه الأطفال في أثناء التنشئة إلى إعاقتهم لأنفسهم في الكبر؛ نتيجة الاعتقاد الراسخ لديهم بأنّهم دائماً مقصّرون، وبخاصةٍ إذا نشأ الأفراد في أُسَرٍ مختلّة تفتقر إلى أنماط التعلّق الآمن.
- تأثيرات العلاقات السابقة: يشعر البعض عادةً بالضعف وعدم استحقاق الوجود في علاقة صحيّة إذا كان شريكه السابق يقلّل من شأنه باستمرار في أثناء العلاقة التي كانت تجمعهما، وقد يستمّر ذلك الشعور حتى بعد انتهائها؛ ما قد يعزز رغبته في الانفصال حتى في العلاقة الجديدة خوفاً من تكرار التجربة أو التعرّض للأذى مرّة أخرى.
- تدني احترام الذات: يميل الأفراد الذين لديهم صورة ذاتية سلبية إلى التصرّف بطرائق تتوافق مع معتقداتهم السلبية؛ ما يجعلهم يشعرون بعدم الارتياح عندما يقتربون من تحقيق النجاح.
- التنافر المعرفي: ويعني عدم التوفيق بين أفكار أو سلوكات أو قيم متضادة مع بعضها بعضاً. على سبيل المثال؛ قد يقوم الشخص الذي نشأ في أسرة مختلّة دون وعي منه بتخريب استعداداته لزفافٍ خطّط أو ورغِب به بسبب معتقداته المتضاربة حول الزواج والعلاقات. وفي سياقٍ متعلّق بالعمل، قد يدمّر الأفراد فرصتهم في التقدّم المهني وزيادة الدخل إذا شعروا أنهم لا يستحقّون النجاح، فقد ينخرطون في سلوكات مدمّرة للذات مثل شرب الكحول وتفويت الاجتماعات المهمة.
كيف تعرف أنك تمارس التدمير الذاتي؟
لا يوجد تشخيص رسمي لحالات الأشخاص الذين يمارسون التدمير الذاتي؛ لكن يمكن أن تساعد الاستشارة النفسية لدى اختصاصي على تحديد سلوكات معينة ومحفّزاتها الرئيسة. وثمة العديد من المؤشّرات إلى ممارسة سلوكات التدمير الذاتي؛ مثل:
- التساؤل الدائم عن سبب عدم سير الأمور كما هو مخطّط لها.
- التشكيك المتكرّر في القدرات الشخصية.
- عدم بذل الجهد في متابعة الأهداف.
- الانخراط في أعمال تؤدّي إلى نتائج معاكسة.
- الاعتقاد بعدم استحقاق التحسّن، والانخراط في سلوكات تعزّز هذا الاعتقاد.
كيف تتوقّف عن إيذاء نفسك؟
يُعدّ إدراك المحفّزات أمراً بالغ الأهمية في تجنّب سلوكات التدمير الذاتي، وبمجرّد تحديد المجالات التي قد يحدث فيها التدمير؛ مثل العمل أو العلاقات، من المهم مراقبة أفكارك وأفعالك وإعادة توجيه نفسك بعيداً عن السلوك الإشكالي. وللتصدّي لتلك السلوكات على نحو استباقي، ننصحك باتباع الاستراتيجيات التالية:
- أنشئ قائمة، مكتوبة أو شفهية، بالأفكار والأفعال التي تعتبرها ذات طابع مدمّر لتقدمّك؛ إذ يوفّر هذا رؤية واضحة لهذه السلوكات ما يتيح زيادة الوعي بها في أثناء رحلة التعافي منها.
- ضع خطّة مفصّلة بخطوات قابلة للتنفيذ نحو أهدافك؛ إذ يساعد ذلك على تعزيز تركيزك على الخطوات اللازمة للتقدّم. وكذلك، يمكن أن تمنحك مشاركة خطّتك تلك والمحفّزات المحتملة مع مجموعة داعمة أو صديق، المساعدة التي تحتاج إليها من أجل الالتزام بخطّتك.
أما إذا كانت آلية التدمير قد ترسّخت بالفعل، فجرّب هذه النصائح للتعافي واستعادة التطوّر والنماء:
- تحدَّ الأفكار السلبية وتخلّص منها بوساطة كتابة اليوميّات لإخراج الأفكار المتطفّلة واستبدال الحديث الذاتي الإيجابي بها.
- ادمج تقنيات الاسترخاء مثل التأمّل أو تمارين اليقظة لتهدئة عقلك والبقاء منتبّهاً في اللحظة الحالية.
وإذا كان سلوك التدمير يتعارض تعارُضاً كبيراً مع حياتك وأهدافك اليومية، فإن طلب المساعدة المهنية يُعدّ خياراً مفيداً. لا تتردّد في طلب الاستشارة والدعم النفسي، فقد يمنحك ذلك فرصة لعلاج سلوكاتك وفهم أسبابها الكامنة، وبالتأكيد سيسهّل عليك التغيير السلوكي الهادف.
اقرأ أيضاً: ما معنى أن تحب نفسك؟ وكيف تطبق ذلك في حياتك؟
وختاماً، يمكن أن يظهر سلوك التدمير الذاتي لدى الأفراد بوعي أو بغير وعي منهم بسبب عوامل مختلفة؛ بما فيها تجارب الطفولة الصعبة، وتدني احترام الذات. غير أن التعرّف إلى هذه المشكلة والوعي بها وبمحفّزاتها يمكّن من البدء في معالجتها والتعافي من تأثيراتها وتحقيق النمو الشخصي.