فعل اللاشيء قد يفيد صحتك النفسية، فكيف تُتقنه؟

4 دقائق
فن فعل اللاشيء
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: محمد محمود)

ملخص: فن فعل اللاشيء لا يُقصد به الجلوس على الأريكة ومشاهدة الأفلام، أو الاستماع إلى بودكاست في أثناء التنزه في إحدى الحدائق، نحن نقصد هنا "عدم فعل أي شيء على الإطلاق"!

ثمة إحساس يطغى على معظمنا بأننا يجب أن نفعل شيئاً مثمراً وجديراً بالاهتمام دائماً؛ نهرع إلى العمل في الصباح ثم نعود إلى البيت لنشاهد فيلماً أو نقرأ كتاباً مفيداً، لدينا قوائم مهمات واسعة النطاق، وحين نتوقف قليلاً لالتقاط الأنفاس يداهمنا الإحساس بالذنب والقلق. ولهذا السبب؛ نواصل دفع أنفسنا إلى بذل المزيد بغض النظر عما إذا كانت أجسامنا وعقولنا تحاول إخبارنا بالتباطؤ وأخذ قسط من الراحة، فلا نختار الراحة وكأن العالم سوف يكف عن الدوران إذا توقفنا عن إنجاز الأشياء!

الحقيقة أنه لن يكف عن الدوران؛ ولهذا ربما علينا أن نتوقف ولا نمارس أي نشاط، فما هو فن فعل اللاشيء؟ وما فوائده؟ إليكم الإجابة في هذا المقال.

ما هو فن فعل اللاشيء؟

تعرفت إلى مفهوم "فعل اللاشيء" للمرة الأولى من خلال مشاهدة فيلم "طعام صلاة حب" (Eat Pray Love) المقتبَس من مذكرات الكاتبة الأميركية الأكثر مبيعاً، إليزابيث غيلبرت (Elizabeth Gilbert).

وتدور أحداث الفيلم حول قصة الكاتبة التي تقرر إعادة اكتشاف ذاتها عبر القيام برحلة إلى إيطاليا والهند وإندونيسيا، وخلال مكوثها في إيطاليا تشعر البطلة بالذنب لأنها وطوال 3 أسابيع لم تقم سوى بتعلُّم بعض الكلمات الإيطالية وتناول الطعام. ومن هنا سوف تتعرف البطلة من خلال أصدقائها الإيطاليين إلى مفهوم "La Dolce Far Niente" الذي يعني "حلاوة عدم القيام بأي شيء" (the sweetness of doing nothing). وفي مشهد بديع، تستسلم بطلة الفيلم للمفهوم الإيطالي وتجلس في نور الشمس وتقرر عدم القيام بأي شيء إطلاقاً.

ويُقصد بفن فعل اللاشيء السعي الحثيث إلى الراحة والاسترخاء والوجود بعيداً عن المؤثرات الخارجية؛ إنه فن الانغماس الكامل في محيط من الاسترخاء والتحرر من الواجبات كلها؛ حيث إننا نحتاج بين الحين والآخر إلى التوقف عن الركض والحركة من أجل إعادة الشحن مرة أخرى. وفي أثناء ممارسة هذا الفن، أنت لن تقوم بأي شيء؛ عليك فقط السماح لأشعة الشمس بتدفئة وجهك والاستمتاع بالهواء الطلق والجلوس على الأريكة لمشاهدة الغروب من النافذة.

اقرأ أيضاً: هل يمكن للكسل أن يكون مفيداً؟

فوائد عدم فعل شيء

تؤكد الطبيبة النفسية الإكلينيكية وعضو هيئة التدريس بجامعة كاليفورنيا، فرانسين تودر (Francine Toder) إن ممارسة فعل اللاشيء لها العديد من الفوائد، سواء للصحة العقلية أو البدنية؛ حيث تساعد على خفض ضغط الدم واسترخاء العضلات وزيادة نسبة التركيز.

وتشير الطبيبة تودر إلى أن فن فعل اللاشيء يشبه التأمل، والهدف منه هو احتضان كل لحظة نمر بها وتقديرها، وتنصحنا بالتجول مثل طفل يبلغ من العمر 4 سنوات دون خطة مسبقة؛ فقط علينا أن نملك فضولاً يجعلنا نستمتع بكل ما نراه، وإليكم أهم فوائد فن فعل اللاشيء:

  1. المساعدة على حل المشكلات: نواجه في حياتنا الكثير من المشكلات، سواء في العمل أو الحياة الشخصية، ووجودنا الدائم وسط صخب العمل وضوضاء الأجهزة الرقمية قد يجعل الحل بعيداً؛ ولهذا فإن أفضل طريقة للمساعدة على حل المشكلة هي بتخصيص وقت من أجل عدم القيام بأي شيء.
  2. الاعتماد على الذات: عندما تكون محاطاً بأشخاص آخرين طوال الوقت سوف تعتمد عليهم على نحو كبير للحصول على المساعدة والمشورة؛ وهو الأمر الذي قد يخلق نوعاً من التبعية. أما حين تقضي بعض الوقت بمفردك في فعل اللاشيء، فإن ذلك سوف يؤكد لك أنك إنسان واثق من نفسه وقادر تماماً على مواجهة مصاعب الحياة.
  3. تعزيز الشعور بالراحة: أجرت شبكة "بي بي سي" (BBC) خلال عام 2016 استبانةً إلكترونيةً بعنوان "اختبار الراحة" على أكثر من 18 ألف شخص، وتوصلت الاستبانة إلى نتيجة مفادها أن فعل اللاشيء يمكن أن يكون وسيلة جيدة من أجل تعزيز الشعور بالراحة وإعادة شحن الطاقة.
  4. تعزيز التعاطف والرحمة: إن قضاء بعض الوقت بعيداً عن المشتتات يمكن أن يعزز لديك التعاطف والرحمة؛ وذلك لأن فعل اللاشيء يساعدك على فهم تجارب الآخرين ومِحنهم على نحو أفضل؛ ما يسمح لك بالتعمق أكثر في جانبك العاطفي بإخلاص حقيقي. ويرى الأستاذ بجامعة لويولا ماريماونت، دوغلاس كريستي (Douglas E. Christie) أن العزلة وفعل اللاشيء يمكن أن يُنتجا شيئاً جميلاً؛ حياة بشرية واضحة ومتعمقة ومليئة بالتعاطف.
  5. زيادة الإنتاجية: بمجرد أن تقضي بعض الوقت في فن فعل اللاشيء، سوف تشعر بالراحة والاسترخاء؛ ومن ثَمَّ سوف تعود إلى مسؤولياتك وأنت أكثر طاقةً وقادر على العمل والإنتاجية. حيث أوضحت الطبيبة النفسية ليزا ماكلين (Lisa MacLean) إن عدم القيام بأي شيء يحسن التركيز؛ ما يجعلنا ننجز مهمات العمل في وقت قصير.
  6. القدرة على الإبداع: قد يبدو الأمر غير منطقي؛ لكن قضاء بعض الوقت مع نفسك للجلوس والاسترخاء وعدم القيام بأي شيء يمكن أن يؤدي في الواقع إلى تدفق قدراتك الإبداعية.
  7. تصفية ذهنك وعقلك: إذا كنت تتواصل مع الآخرين طوال اليوم فلن يكون لدى عقلك الوقت الكافي للاسترخاء الكامل وإعادة الشحن؛ ولذلك فإن الانغماس في فعل اللاشيء دون أي عوامل تشتيت أو مطالب اجتماعية أو مهنية أو عائلية يسمح لعقلك بتنقية نفسه والتركيز على الراحة وتفكيك الخيوط المتعددة التي تشكل حياتك اليومية.
  8. تقليل حدة التوتر: وفقاً لباحثين من جامعة روتشستر؛ فإن اختيار قضاء الوقت بمفردك وعدم القيام بأي شيء على الإطلاق يساعد على تقليل التوتر وتحسين الحالة المزاجية عموماً.

اقرأ أيضاً: كيف تجد الهدوء في نفسك؟

كيف تتقن فن ألا تفعل شيئاً؟

قد يبدو الأمر سهلاً؛ ولكن فعل اللاشيء ليس بالأمر الهين على الإطلاق. خلال عام 2014، أُجريت دراسة بحثية على مجموعة من الأشخاص تُركوا في غرفة مغلقة بمفردهم لمدة 6 إلى 15 دقيقة دون القيام بأي شيء على الإطلاق. وفي أثناء التجربة، وجد الباحثون أن المشاركين أرادو القيام بأي نشاط متاح بما فيه توجيه الصدمات الكهربائية إلى أنفسهم. بالنسبة إليهم، كان الألم أهون من البقاء مع أفكارهم وفعل اللاشيء، وإليكم أفضل الطرائق لإتقان فن فعل اللاشيء:

  1. ابدأ بالخطوات الصغيرة: في البداية، قد تشعر بعدم الارتياح لعدم القيام بأي شيء ولكن العادات تتطلب بعض الوقت حتى تترسخ؛ ولهذا لا تضع هدفك الجلوس على الشاطئ دون القيام بأي شيء لمدة أسبوع كامل؛ بل ابدأ ببضع دقائق كل يوم، وحين تشعر بالاسترخاء وتندمج مع الهدوء زِد الوقت حتى تصل إلى 20 دقيقة يومياً.
  2. اختر مكانك المفضل: ابحث عن مكان لا يوجد فيه الكثير من عوامل التشتت أو الضوضاء أو الأشخاص الذين يزعجونك. إذا كنت تحب الطبيعة فاذهب في نزهة دون تخطيط المسار مسبقاً؛ فقط اذهب حيث تأخذك قدماك، وإذا كنت تنزعج من الأماكن الخضراء فابقَ في البيت واجلس على أريكتك المفضلة.
  3. لا تفعل شيئاً في أثناء الانتظار: سواء كنت تقف في الحافلة أو تنتظر في المطار أو إحدى الطوابير، انتظر دون قراءة صحيفة، أو التحدث على الهاتف، أو التحقق من بريدك الإلكتروني، أو كتابة قائمة مهماتك، أو القيام بأي عمل، أو القلق بشأن ما عليك القيام به لاحقاً؛ فقط لاحظ تنفسك، أو جرب إحدى تقنيات الاسترخاء.
  4. قم بإشراك حواسك الأخرى: إن القيام بفعل اللاشيء يكون رائعاً عندما يكون مصحوباً بإشراك الحواس الأخرى؛ تنفس بعمق وتناول المشروبات الدافئة مثل الكاكاو أو الأطعمة اللذيذة مثل الشوكولا والتوت والخبز الطازج؛ تناول الطعام ببطء وتذوق كل قطمة وأنت تستمتع بها.

أخيراً، لا يمكنك إتقان فن فعل اللاشيء في يوم واحد؛ سيستغرق الأمر ساعات وساعات من التدريب والعمل الجاد. في البداية، سوف تشعر بالكثير من الملل والإحساس بالذنب لأنك لا تفعل شيئاً؛ ولكن مع مرور الوقت سوف تستمتع بكل دقيقة تقضيها مع نفسك لأنك ستنظر إلى الأمر على أنه استثمار في الرعاية الذاتية والرفاهية.