8 مفاتيح للتحرر من الشعور بالذنب

5 دقائق
التعامل مع الشعور بالذنب
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: الشعور بالذنب متأصل في النفس البشرية، ولذلك بدلاً من إرهاق أنفسنا في محاربته، تدعونا المعالجة النفسية كاثرين إيمليه بيريسول (Catherine Aimelet-Périssol) إلى تعلّم كيفية التعامل مع الشعور بالذنب من خلال تذكر أن كل إنسان معرض للخطأ.

الشعور بالذنب يشبه إلى حد ما الشعور بالتوتر، إذ تبدو محاولة التخفيف منه والتحكم فيه والتخلص منه مثل محاولة القضاء على أعراض المرض، وهي معركة خاسرة سلفاً ويمكن أن تزيد الحالة سوءاً. وتقول الطبيبة ومختصة العلاج النفسي ومؤلفة كتاب "ترويض الشعور بالذنب" (dApprivoiser sa culpabilité)، كاثرين إيمليه بيريسول إن التحرر من الشعور بالذنب يتطلب تعلم كيفية التعامل معه، ولذلك تنصحنا المختصة بأن نسبر أغوار المنطق العاطفي لدينا لنتعرف إلى آلياتنا النفسية الأكثر عمقاً، وأن نتقبل مشاعرنا وما نحن عليه بصدر رحب، وهي الطريقة المثلى لتخفيف الألم النفسي الذي قد يثيره فينا الشعور بالذنب، ولنتمكن من الانفتاح بصدق على من نشعر تجاهه بالذنب.

1. حلل الموقف

لا يأتي الشعور بالذنب من لا شيء، فهو يتبع حدثاً معيناً، صدمة عاطفية تثير في نفس المرء انطباعاً بأنه ارتكب خطأ كبيراً، وحينما لا يأخذ الوقت الكافي لفهم الموقف الذي حدث للتو فإنه يتسرع بالحكم على نفسه فيرى أنه لم يبذل ما يكفي من العناية أو على العكس أنه بالغ في تصرفه فيضطرب من الداخل وتنهار ثقته بنفسه.

على المرء أن يعي أن ثمة ما دفعه إلى التصرف على هذا النحو، ومن المهم أن يأخذ الوقت الكافي لفهم ما حدث وأن يسأل نفسه ما الذي فعلته للتو؟ ثم يجيب عن السؤال بدقة، فحينما يحدد الفعل الذي ولّد لديه الشعور بالذنب سيتمكن من النظر إليه بعين المراقب الخارجي، وفي معظم الأحيان سيدرك أنه تصرف بعفوية. إذاً فهل ما قاله أو فعله كان عن غير قصد؟ وما كانت نواياه الحقيقية؟ لا بد أن سبباً وجيهاً كان وراء تصرفه لكن أمراً ما قد فاته، وينجم الشعور بالذنب بسبب عجز المرء عن إدراك السبب الذي دفعه إلى التصرف بالطريقة التي تصرف بها.

2. استمع إلى أحاسيسك الجسدية

يُعد الشعور بالذنب عاطفة ثانوية تتجلى في أحاسيس جسدية في المقام الأول، ومنها الشعور بألم وثقل في المعدة وغصة في الحلق وضيق في الصدر. وإذا حددت الانزعاج الجسدي المرافق للشعور بالذنب، وركزت انتباهك واهتمامك عليه ستتمكن من التفكير في الموقف بهدوء وتخفيف ألمك النفسي. وعلى هذا النحو تذكرنا هذه الأحاسيس بأن الإنسان جسد حي قبل أن يكون عقلاً مفكراً، وتذكرنا أيضاً بحدودنا الجسدية التي ندركها أكثر من حدودنا الفكرية.

وفي مثل هذا الوضع، يمكن أن تساعدك ممارسة بعض تمارين التنفس العميق والتركيز على مكان الانزعاج الجسدي في السيطرة على الألم النفسي والصور الذهنية والسلوكيات السامة الأخرى المرافقة له. وعموماً، تساعد الممارسات التي تعيد لنا الانسجام مع أحاسيسنا (اليوغا، والتاي تشي، والتأمل) على الحد من الشعور بالذنب حينما ينشأ في داخلنا، ومن ثم فإننا لا نسمح لهذا الشعور بأن يسيطر علينا، بل نتعرف إليه من علاماته الأولى ونتقبله برفق ولطف وإنسانية وهي أفضل طريقة للحد من تأثيره.

3. تعرف إلى آلية شعورك بالذنب

يمثل تقبل الشعور بالذنب مرحلة أساسية خلال تعاملنا معه، وهي تنطوي على الاعتراف بالذنب الذي ارتكبناه وفهم ما يكشفه عنا وفهم الموقف الذي نواجهه وعلاقتنا بالآخر وبأنفسنا، فالتعرف إلى الآلية التي تفاعلنا بها (أي الخطأ الذي حدث وكيف استجبنا مثلاً بسرعة لإنقاذ الموقف) هو الطريقة الوحيدة التي يمكننا من خلالها الاستماع إلى الشخص الذي أخطأنا في حقه. أما إذا بقينا في دائرة لوم النفس أو الندم وثنائية القاضي والمذنب في الوقت ذاته، فإننا سننشغل بأنفسنا ولن نتمكن من الانفتاح على الآخر.

يعني تقبل الشعور بالذنب أيضاً تقبل المرء نفسه لظروفه الشخصية وطفولته، وتربيته والعوامل كلها التي دفعته إلى توبيخ نفسه على ما قاله أو فعله وأن يفخر بالضمير الواعي الذي يتمتع به، لأن الآخرين قد يرتكبون فعلاً مماثلاً دون أن يهتز لهم جفن. لا يتعلق الأمر بمحاولة التخلص من المشاعر المؤلمة المرافقة للشعور بالذنب دفعة واحدة، ولكن تقبلها وفهم ما تكشفه عن أنفسنا لنتمكن من تحملها على نحو أفضل.

4. تقبل أن لك قدرةً محدودة

على عكس ما يظهر على المرء، فإن الشعور بالذنب يعد طريقة غير مباشرة يبالغ من خلالها في تقدير ذاته، إذ يشير سعيه إلى أن يكون بلا عيوب وشعوره بأنه الجاني الأكبر والمسؤول عن مصيبة الآخرين، إلى رغبته في التمتع بالقدرة المطلقة، لأن يقينه بأنه كان بإمكانه التصرف بطريقة أفضل في الموقف يعني رفضه فكرة أن كل إنسان يصبح لا حول له ولا قوة تحت ظروف معينة وأننا جميعاً نفعل ما في وسعنا ضمن حدود إمكانياتنا، وهذا بالفعل أكثر من كافٍ.

أظهر علم الأعصاب أن لدماغ الإنسان حدوداً؛ فنحن نتصرف أحياناً وفق غريزة البقاء فنستجيب مثلاً للحاجة إلى الدفاع عن النفس والأفعال التي نلوم أنفسنا عليها تكون غالباً استجابة لضرورات حيوية. وحينما نتحلى بالتواضع الكافي لإدراك هذه المسألة سنتخلص من وهم أنه كان بإمكاننا فعل ما هو أفضل، وسنشعر براحة مطلقة، ولا يمنعنا هذا من تنمية فضائلنا مثل الانفتاح على الآخرين ومعاملتهم بإنصاف واهتمام أكبر والاستماع إليهم، بل على العكس؛ فحينما نتقبل عيوبنا سنتمكن من تحسين أنفسنا لأننا سنعترف بأننا ضعفاء وعرضة لارتكاب الأخطاء.

5. انظر إلى الموقف من زاوية مختلفة

يرتبط الشعور بالذنب بالخطأ الذي ارتكبناه في حق الآخر وحينما نحلل الظروف التي ارتكبنا فيها الخطأ من زاوية الشخص الذي أخطأنا في حقه وليس من ناحية أننا ارتكبناه مجبرين فإننا سنقع في دائرة مفرغة. في حين إذا غيرنا وجهة نظرنا وتساءلنا عن سبب الخطأ الذي حدث ومن ثم عن سبب تصرفنا بطريقة معينة فإننا سنعزز فرصنا في تحسين أنفسنا والمضي قدماً، ولذلك ينطوي العلاج النفسي على الاستماع إلى المريض الذي يركز على ما كان ينبغي له فعله تجنباً للخطأ، وتوضيح الخطأ الحقيقي الكامن وراء ذلك وهو عدم إعطاء نفسه الاهتمام اللازم لرؤية الأمور التي فعلها بطريقة صحيحة أيضاً.

6. كن نفسك

أناس يتسولون في المترو، أطفال جائعون، مشردون ينامون أسفل بناياتنا، في معظم الأحيان نشعر بالذنب والقلق والأسف حينما تقتحم مثل هذه المظاهر هدوء حياتنا، وهي طريقة يعاقب بها المرء نفسه لأنه يعيش حياة مريحة ولا يرى إلا الجانب المشرق من الحياة، إنه يعاقب نفسه بسبب ما هو عليه لكن هذا الشعور بالذنب لا يبعده عن الآخرين فقط بل عن نفسه أيضاً قبل كل شيء.

يتطلب اتخاذ قرار بتولي المسؤولية عن حياتك مزيداً من الشجاعة والعمل الذي يمكن أن يستغرق مدى الحياة،. وتقول فرانسواز دولتو للأطفال (Françoise Dolto): "هذا ليس خطؤكم، إنه واقعكم"، وهي صيغة في محلها تدعونا للخروج من الخيال وتذكرنا بالواقع، فالإنسان لا يشعر بالذنب بسبب ما هو عليه وحينما يزعجنا اقتحام الآخر حياتنا باختلافه، فذلك لأنه يتحدى اختلافاتنا، ولذلك ليس على المرء أن يجلد نفسه بل أن يستعيد تآلفه معها وهي أفضل طريقة ليتمكن من التآلف مع اختلاف الآخرين.

7. ضع الأمور في منظورها الصحيح

ليس المطلوب أن تلقي باللوم على والديك أو المدرسة أو المجتمع حينما ترتكب خطأ ما بل أن تدرك أن الناس كلهم يخطؤون وأن النموذج الثقافي والاجتماعي الذي نعيش فيه يعزز ميلنا إلى الشعور بالذنب، وحينما تدرك ذلك سيخفف ألمك النفسي. إضافة إلى ذلك فإن الضغوط الاجتماعية في عصرنا تعزز شعورنا بالذنب فنتساءل هل نحافظ على البيئة بما فيه الكفاية؟ هل نحن أنانيون؟ هل نتبع أنظمة غذائية غير صحية؟ وماذا لو كنا نربي أطفالنا بطريقة خاطئة؟ وغير ذلك، فالشعور بالذنب لا يأتي من الظروف القاهرة التي نخضع لها أحياناً فقط بل من دورنا الاجتماعي أيضاً وحينما نحدد آلية شعورنا بالذنب ودورنا فيها فإن ذلك سيساعدنا على التحرر منها.

8. اطلب المساعدة النفسية

الألم النفسي هو سبب كافٍ دائماً لطلب المساعدة النفسية، وبصرف النظر عن طبيعة الأحداث التي يمر بها المرء، حينما يصبح شعوره بالذنب مرضياً ويترافق مع غضب وقلق مستمرين فإنه يُنصح باستشارة مختص نفسي؛ إذ يمكنه مساعدته على تجاوز هذه المشكلة. يعد المنطق العاطفي نهجاً علاجياً ملائماً في هذه الحالة، لأنه يعتبر الذنب عرضاً ويسمح لنا بالخوض في أعماق عواطفنا وتأثيرها في أفكارنا وسلوكياتنا تماماً مثل العلاج المعرفي السلوكي الذي يهدف إلى تغيير السلوكيات المرتبطة بالمعتقدات، ومن ثم فإن الغاية هي إدراك السبب وراء سيطرة هذا الشعور المؤذي علينا.

حينما تترافق المشاعر بأحاسيس جسدية قوية يمكن للعلاجات النفسية الجسدية مثل تقنية الحرية العاطفية أو تقنيات التحرر العاطفي، أن تساعد أيضاً، على الاقتراب بأسرع ما يمكن من لب المشكلة. وبصرف النظر عن الطريقة المستخدمة، يؤكد العديد من المعالجين أن المريض يشعر بقدر كبير من الراحة بمجرد بدء العلاج والاعتراف بأن سيطرة الشعور بالذنب عليه هو عرض لمشكلة نفسية تحتاج إلى حل.

المحتوى محمي