ماذا تعرف عن العلاج النفسي باستخدام الواقع الافتراضي؟ وما الاضطرابات التي قد يعالجها؟

4 دقائق
تقنية الواقع الافتراضي
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: محمد محمود)

ملخص: ترتبط تجربة العلاج النفسي عند الكثيرين بالذهاب إلى العيادة والجلوس مع المعالج لسرد تفاصيل المعاناة من اضطراب نفسي معين، ومن ثم تلقّي التوجيهات اللازمة التي يطبقها المريض في حياته بالإضافة إلى الاستعانة بالأدوية أحياناً، لكن تطورات العصر الحديث قد تغير ملامح التجربة التقليدية السابقة؛ فتقنية الواقع الافتراضي دخلت خط العلاج النفسي، وأُجريت العديد من الدراسات التي أثبتت جدواها. كيف حدث ذلك؟ وما الاضطرابات النفسية التي قد تعالجها؟ هذا ما سنتعرف إليه في المقال.

ينتج عن بعض الاضطرابات النفسية مواجهة صعوبات حياتية ذات صلة بالواقع المُعاش، فمثلاً قد يخشى المصاب برهاب المسرح من المواقف التي تجعله يقف أمام جمع من البشر ويحاول تجنبها بمختلف السبل الممكنة. لكن ماذا لو عاش محاكاة افتراضية لنفس الموقف دون أن يكون فيه فعلياً؟ هذا ما يمكن تحقيقه بسهولة عن طريق الاستعانة بتقنية الواقع الافتراضي (Virtual Reality).

مؤخراً، ومع تقدم هذه التقنية، أصبح من الضروري معرفة الكيفية التي يمكن أن تسهم من خلالها في تدعيم صحتنا النفسية ومعالجة الاضطرابات التي تؤرقنا، وهذا ما سنتعرض إليه في مقالنا.

كيف يمكن الاستعانة بتقنية الواقع الافتراضي في العلاج النفسي؟

يشير الطبيب النفسي مأمون مبيض إلى أن العلاج النفسي باستخدام تقنية الواقع الافتراضي يتصل بالعلاج بالتعرض الذي يُعرض فيه المصاب للشيء الذي يخافه من خلال أسلوب الإزالة التدريجية للتحسس، فمثلاً إذا كان لديه رهاب القطط تعرض عليه صورة قطة ومن ثم توضع أمامه قطة في صندوق، وشيئاً فشيئاً يقل الرهاب بداخله ليتعافى لاحقاً، والسيناريوهات العلاجية السابقة يمكن تطبيقها باستخدام نظارة الواقع الافتراضي.

العلاج النفسي باستخدام تقنية الواقع الافتراضي ليس وليد اليوم، فقد استخدم عام 2005 لعلاج أحد المحاربين القدامى في حرب فيتنام من اضطراب ما بعد الصدمة، ونجح في خفض حدة الأعراض التي كان يعاني منها بنسبة 34%.

وتلفت خبيرة العلاج النفسي باستخدام تقنية الواقع الافتراضي، دونا ديفيس (Donna Davis)، النظر إلى جانب مهم، هو أن هذا النوع من العلاج يختلف كلياً عن العلاج النفسي عن بعد، فهو يرتكز على إدخال المريض في عالم افتراضي بتوجيه من المعالج النفسي الذي يحدد القدر الآمن واللازم للجلسات وما يعرض فيها. مثلاً، إذا كان الشخص يعاني من رهاب المرتفعات فقد يساعده خوض تجربة الركوب في مصعد زجاجي ثلاثي الأبعاد للتغلب على خوفه، ومن ثم يتعرض لتجارب أخرى بشكل تدريجي حتى يقل معدل خوفه إلى الحد الأدنى.

وما قد يجعل العلاج النفسي باستخدام تقنية الواقع الافتراضي أكثر فعالية من العلاج النفسي التقليدي هو أن تجربة المحاكاة التي يعيشها المريض ليس من اليسير أن يعيشها على أرض الواقع، ففي حال معاناته على سبيل المثال من رهاب المسرح سيضطر إلى حشد عدد كبير من البشر ليتحدث أمامهم، بينما يمكن حدوث ذلك بكل بساطة عند الاستعانة بتقنية الواقع الافتراضي.

يضيف أستاذ علم النفس بجامعة كيبك الكندية (The University of Quebec)، ستيفان بوشار (Stephane Bouchard)، أن استخدام تقنية الواقع الافتراضي في العلاج النفسي يجعل المعالجين النفسيين أكثر قدرة على التحكم في التجارب العلاجية لمرضاهم ما يؤدي إلى تحقيق نتائج أفضل.

اقرأ أيضاً: ما الذي قد يسبب فوبيا الذكاء الاصطناعي؟ وكيف تتخلص منها؟

ما الاضطرابات النفسية التي قد تعالجها تقنية الواقع الافتراضي؟

يوجد العديد من الاضطرابات النفسية التي قد تفيد تقنية الواقع الافتراضي في علاجها، مثل:

1. الاكتئاب

يوفر العلاج النفسي باستخدام تقنية الواقع الافتراضي لمريض الاكتئاب تجارب محاكاة في بيئات ممتعة ذات سمات إيجابية تساعده على مقاومة الأعراض التي يعاني منها، لكن لا يكفي استخدامه بمفرده إنما يحتاج إلى دمجه بالأساليب العلاجية الأخرى مثل العلاج المعرفي السلوكي والعلاج الدوائي، كما من المهم الإشارة هنا إلى حاجة مريض الاكتئاب إلى التفاعل مع العالم الحقيقي لا الانعزال في الواقع الافتراضي.

2. القلق والتوتر

يمكن أن يعمل العلاج النفسي باستخدام تقنية الواقع الافتراضي جنباً إلى جنب مع العلاج المعرفي السلوكي في تحسين أعراض القلق والتوتر، فهو يتيحلمرضى مواجهة مصادر قلقهم افتراضياً ومن ثم تقليل خوفهم منها بدرجة كبيرة، ما يسهل عليهم عملية التعافي.

3. اضطراب ما بعد الصدمة

يقدم العلاج النفسي باستخدام تقنية الواقع الافتراضي تجربة محاكاة لمريض اضطراب ما بعد الصدمة توفر له المهارات اللازمة للتعامل مع اضطرابه وتخفف عنه الأعراض التي يعانيها، فعلى سبيل المثال في حالة المحاربين القدامي يرى المريض مشهداً مماثلاً لما مر به في المعارك الحربية، ومن ثم تنخفض حساسيته المرتفعة تجاهه ويقل خوفه وقلقه منه.

4. الرهاب

يتخذ الرهاب أشكالاً عديدة، مثل الرهاب من المرتفعات ورهاب الأماكن المغلقة وغيرها، لكن يمكن صناعة تجارب محاكاة لمعظمها باستخدام تقنية الواقع الافتراضي للتخفيف من حدتها وكسر عقبة الخوف من مواجهة مصدر الرهاب على أرض الواقع.

5. الذهان

اكتشفت دراسة علمية أجرتها جامعة كاتانيا الإيطالية (University of Catania) أن العلاج النفسي باستخدام تقنية الواقع الافتراضي أثبت قدرته على علاج مرضى الذهان وتحديداً الذين يعانون من أوهام الاضطهاد، بل أن قدرته على التخفيف من أعراض اضطرابهم جاوزت قدرة العلاج المعرفي السلوكي.

اقرأ أيضاً: كيف وظفت هيئة أبوظبي للطفولة المبكرة قوة البيانات لتحقيق رفاه الأطفال؟

ما إيجابيات وسلبيات العلاج النفسي باستخدام تقنية الواقع الافتراضي؟

يرى عالم النفس بجامعة أوكسفورد (University of Oxford) دانيال فريمان (Daniel Freeman) أن أهم عائق يقف في طريق انتشار العلاج النفسي باستخدام تقنية الواقع الافتراضي هو أنه ما زال يُعدّ حتى اليوم أداة مساعدة للمعالجين النفسيين لاأسلوباً علاجياً مستقلاً.

لكنه من الناحية الأخرى يؤكد جانبه الإيجابي الذي يتمثل في المرونة التي تتاح للمرضى من خلال العلاج النفسي باستخدام بتقنية الواقع الافتراضي، فهو قد يسهل عليهم الحصول على الجلسات العلاجية أحياناً دون الحاجة للذهاب إلى العيادة، ما يوفر عليهم بعض الوقت والجهد والمال.

كما أنه يمنحهم الشعور بالأمان في أثناء تجارب المحاكاة؛ على الرغم من أن التجربة قد تكون مخيفة بعض الشيء وبها رهبة، فثمة خيار متاح دوماً وهو أن يخلع المريض نظارة الواقع الافتراضي عندما يجد أنه لا يستطيع إكمال التجربة.

اقرأ أيضاً: هل سيساعدك تشات جي بي تي على اتخاذ قرارات مصيرية تخص حياتك العاطفية؟

أخيراً، يمكن القول إن العلاج النفسي باستخدام تقنية الواقع الافتراضي وعلى الرغم من الدراسات العلمية التي أكدت فعاليته ما زال يحتاج إلى المزيد من الانتشار على أرض الواقع لإثبات جدارته وفعاليته، لذا سوف نترقب ونتابع التطورات التي سيمر بها لنحدد: هل يمكن أن يتحول إلى أسلوب علاجي مستقل أم سيبقى في مساحة الأداة المساعدة للأساليب العلاجية الأخرى؟

المحتوى محمي