لماذا يكره البعض نجاح الآخرين؟ وكيف تتخلص من هذا الشعور؟

6 دقائق
المقارنة الاجتماعية
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: تشير نظرية المقارنة الاجتماعية إلى أن الناس يقدرون قيمتهم الشخصية والاجتماعية من خلال مقارنة أنفسهم بالآخرين. وقد تثير هذه المقارنة في بعض الأحيان شعوراً بالحسد أو الضيق أو الاحباط، وقد تجعل البعض يكره نجاح الآخرين أو يغار منه، فكيف يمكن التصرف في هذه الحالات؟

في عام 1954، اقترح عالم النفس ليون فيستينغر (Leon Festinger) نظرية المقارنة الاجتماعية؛ التي تنص على أن الناس يمتلكون دافعاً فطرياً لتقييم أنفسهم وتقدير قيمتهم الشخصية والاجتماعية في كثير من الأحيان من خلال المقارنة مع الآخرين.

في الواقع، يطلق الناس مختلَف أنواع الأحكام على أنفسهم، وإحدى الطرائق الرئيسة لفعل ذلك هي من خلال المقارنة الاجتماعية؛ أي تحليل الذات وتقييمها وفقاً للآخرين. فإن كانت المقارنة مع الآخرين نابعة من دافع فطري، فمتى تأخذ منحنىً سلبياً وتؤدي إلى كره نجاح الآخرين؟ وكيف تتصرف مع الأشخاص الذين يكرهون نجاحك أو يغارون منه؟

اقرأ أيضاً: كيف تتعامل مع الأشخاص كثيري الانتقاد؟

ما هي نظرية المقارنة الاجتماعية؟

يعتقد فيستينغر أن عملية المقارنة طريقة تساعدنا على إنشاء معيار يستطيع الشخص من خلاله إجراء تقييمات دقيقة لنفسه؛ إذ يمكن لهذا الشخص التعرف إلى نفسه عبر تقييم قدراته وصفاته وأفعاله وآرائه مقارنة بمجموعة من الأشخاص الآخرين الذين غالباً ما يكونون أقرانه أو يتشابه معهم في معظم الحالات.

يكون الدكتور محمد الحاجي الحائز على الدكتوراة في العلوم السلوكية والاجتماعية في تغريدة نشرها على حسابه في تويتر، إن الناس يحسدون الأشخاص الذين يشبهونهم في النشأة والطبقة الاجتماعية، وكلما زاد التشابه زاد الحسد لأن ذلك يجعل المقارنة الاجتماعية صريحة وسهلة.

وثمة نوعان من المقارنة الاجتماعية؛ الأول هو المقارنة الاجتماعية التصاعدية، وهي تحدث عندما نقارن أنفسنا بمن نعتقد أنهم أفضل منا حالاً، وغالباً ما تنطوي على الرغبة في تحسين حالنا أو مستوى قدرتنا وتحقيق نتائج مماثلة مع هؤلاء. أما النوع الثاني فهو المقارنة الاجتماعية التنازلية، وتحدث عندما نقارن أنفسنا بمن هم أسوأ منا حالاً؛ وذلك من أجل جعل أنفسنا نشعر بتحسن تجاه قدراتنا أو صفاتنا؛ أي نشعر أنه على الرغم من أننا لسنا الأفضل فنحن على الأقل أفضل حالاً من الشخص الآخر.

بكلمات أخرى؛ يقارن الناس أنفسهم بمن هم أفضل حالاً عندما يريدون تحسين أنفسهم، وبمن هم أسوأ حالاً عندما يريدون أن يشعروا بتحسن تجاه أنفسهم. جدير بالذكر هنا إن المقارنة الاجتماعية لا تؤدي دوراً في الأحكام التي يصدرها الناس على أنفسهم فحسب؛ بل تؤدي دوراً في الطريقة التي يتصرف فيها الناس؛ إذ قد تؤثر  في إيمان الشخص وثقته بنفسه ودافعه وموقفه، وقد تكون المقارنة الاجتماعية مفيدة للغاية عندما يستخدمها الأشخاص لتحفيز أنفسهم وتحسين ذواتهم، في حين قد يكون لها تأثير سلبي وتسبب نشوء العديد من المشاعر السلبية، وهنا نصل إلى انحياز المقارنة الاجتماعية.

اقرأ أيضاً: 3 نصائح فعالة تساعدك على مواجهة فظاظة الآخرين

ما المقصود بانحياز المقارنة الاجتماعية؟

انحياز المقارنة الاجتماعية هو الشعور بالكره والحسد والتنافسية الشديدة عند المقارنة مع شخص نعتقد أنه أفضل منا جسدياً أو عقلياً. في الواقع، يقع العديد من الأشخاص في فخ التحيز عند المقارنة الاجتماعية، وذلك عندما يقارنون أنفسهم بأشخاص أعلى بكثير بالنسبة إلى مكانتهم أو أقل منها بكثير؛ أي يختارون أهدافاً غير واقعية لمقارنة أنفسنا به.

على سبيل المثال؛ إذا أراد شخص ما أن يقيّم مدى لياقته البدنية، فإنه يقارن نفسه بالمدرب الرياضي، وإذا أراد أن يقيم مدى مهارته في الطهو، فإنه يختار أفضل طباخ مشهور ويقارن نفسه به. هذه المقارنات المتحيزة تسبب الشعور بالإحباط أو الذنب أو عدم الرضا أو الندم  أو الاكتئاب؛ كما أنها قد تسبب الشعور بالحسد أو الاستياء أو الغيرة أو غيرها من المشاعر السلبية، بالإضافة إلى الانخراط في سلوكات مدمرة مثل الكذب أو اضطرابات الأكل.

اقرأ أيضاً: ما الذي يجب أن تفكر به قبل إنهاء صداقة سامة؟

كيف تتصرف إذا كنت تطبّق المقارنة الاجتماعية بانحياز؟

يقول المعالج النفسي أسامة الجامع إن المقارنة الاجتماعية قد تصبح من السلوكات المدمرة للذات، فهي تخلق عدم رضا مستمر ، وشعوراً بالإحباط والذنب، وهي منطلق مشوّه لقياس قيمة النفس، وطريقة تربوية خاطئة لتحفيز الأبناء.

لذلك؛ إليك بعض الخطوات التي من شأنها أن تساعدك على تجنب انحياز المقارنة الاجتماعية:

  • أدرِك أنك تستخدم هدفاً غير واقعي عند تقييم نفسك وعدّله: عندما تريد أن تقيّم نفسك بالمقارنة مع الآخرين، فاختر أفضل 7 أشخاص من محيطك في موضوع التقييم، ثم قارن نفسك بالشخص رقم 7 بدلاً من الرقم 1.
  • ضع في اعتبارك ما تريد تحقيقه عند إجراء المقارنة: لا تركز على نجاح الأشخاص فقط بل ركز على ما فعلوه حتى وصلوا إلى هذا النجاح. على سبيل المثال؛ إذا كنت تحاول أن تصبح طباخاً أفضل، فإن مقارنة نفسك بأفضل الطهاة ستكون مفيدة إذا ركزت على الطرائق التي يمكنك أن تصبح بها مثلهم! فهل يأخذون دروساً أم يستخدمون مكونات طازجة أم يستخدمون طريقة معينة في الطبخ مثلاً؟
  • فكِّر  في الإيجابيات إذا كنت تشعر بالإحباط عند إجراء المقارنة الاجتماعية: على سبيل المثال؛ فكر في مقدار تحسن مهارتك التي تقارنها بمرور الوقت، أو إلى أي مدى كان من الممكن أن يسوء الموقف مما هو عليه في الواقع، أو من هم الأشخاص الذين يرونك قدوة ويقارنون أنفسهم بك.

اقرأ أيضاً: كيف تكشف كذب الآخرين؟ إليك الطريقة من خبراء نفسيين

لماذا يكره البعض نجاح الآخرين؟

يمكننا الاعتراف بأننا نميل إلى حسد الأشخاص المقربين الذين نقارن أنفسنا بهم أكثر مما نفعل بالنسبة إلى الغرباء؛ لأن مجموعة المقارنة الاجتماعية الخاصة بنا هي المجموعة التي نقيّم أنفسنا بناء عليها، فقد نحسد زميلاً أو شقيقاً أو صديقاً أو قريباً، وقد يؤدي الحسد إلى الشعور بالاكتئاب أو الغضب أو القلق.

عموماً، قد يكره الناس نجاح الآخرين عندما يقارنون أنفسهم بهم نتيجة عدة أسباب؛ منها:

  • الغيرة: كما ذكرنا آنفاً، قد يشعر البعض بالحسد والاستياء لأنه لم يصل إلى مستوى النجاح نفسه الذي وصل إليه الآخرون.
  • عدم الأمان والشك بالذات: قد يشعر الأشخاص المشككون بقدراتهم أو انجازاتهم بالتهديد من نجاح شخص آخر، وقد يحاولون تقويضه في محاولة منهم لأن يشعروا بتحسن أكبر.
  • الخوف من التغيير: غالباً ما يتطلب تحقيق النجاح إجراء الكثير من التغييرات والمجازفة، وهو أمر قد يخيف العديد من الناس الذين يشعرون براحة أكبر مع الوضع الراهن، وقد يستاؤون من أن شخصاً قد يعطل هذا الركود ويحقق النجاح فيه.
  • إيجاد أعذار للفشل: يذكرهم النجاح بأن لديهم أحلاماً لم تتحقق ولم يعملوا على تحقيقها؛ ومن ثم عندما يشعرون بأنهم لا يمتلكون أعذاراً كافية لتفسير فشلهم، يحاولون التعبير عن استيائهم من خلال الانتقاص من الشخص الناجح.
  • التحيّز للأنا: يمكن لغرور الناس والتحيزات تجاه الذات أن تشكّل الطريقة التي ينظر فيها الشخص إلى نفسه وإنجازاته؛ ومن ثم يمكن لنجاح الآخرين أن يهدد إحساسه بالذات ويجعله يشعر بالنقص.
  • البؤس يحب الصحبة: وهذا يعني أن الشخص قد يشعر براحة أكبر عندما يكون الأشخاص المحيطون به يكافحون أو أنهم تعساء أو غير سعداء مثله؛ لذلك وعندما يحقق شخص ما النجاح، فهذا قد يخل بالتوازن ويجعل الأشخاص يشعرون بعدم الارتياح.

اقرأ أيضاً: كيف أتعامل مع زميل العمل الغيور؟

كيف تتعامل مع شخص يحسدك ويكره نجاحك؟

إذاً، قد يقوم الناس بإجراء مقارنات اجتماعية منحازة وقد يشعرون بالدونية أو الإهانة، وغالباً ما يعبرون عن مشاعرهم على هيئة الغيرة منك أو الكراهية لنجاحك؛ ما قد يجعلك تشعر بالسوء تجاه نفسك ونجاحك. إليك كيف تتصرف مع كارهي النجاح:

  • لا تأخذ الأمر على محمل شخصي: اعلم أن المشاعر السلبية للآخرين غالباً ما تكون انعكاساً لانعدام الأمن لديهم، وليست لها علاقة بك شخصياً؛ لذلك لا تدع سلبيتهم تحبطك.
  • كن واثقاً من نفسك: لا تسمح للشخص الغيور أن يؤثر في ثقتك بنفسك أو يثير شكاً فيها؛ بل استمر في فعل ما تفعله، وركز على الأشخاص الإيجابيين وذكّر نفسك أنهم يغارون لأنك تفعل شيئاً جيداً. تذكّر أن نجاحك شيء تفتخر به وتستحق الاحتفال به.
  • تجاهل التعليقات البغيضة والغيورة: على الرغم من صعوبة الأمر، فإن التجاهل يوضح لهم عدم صحة مشاعرهم.
  • قلِّل التفاعلات السلبية مع الشخص الكاره: إذا تمكنت من تغيير بيئتك أو تفاعلاتك الاجتماعية، سيؤدي هذا إلى تقليل قدرة الشخص الغيور على التأثير فيك.
  • تعامل مع الغيورين وجهاً لوجه: عندما لا يكون تجاهل الشخص الكاره أو الغيور خياراً متاحاً، فإن التعامل معه مباشرةً قد يساعدك على التخلص من التوتر. لذلك؛ فكِّر في إجراء محادثة بشأن سلوكه، ووضح أنك تريد علاقة عمل إيجابية وكيف ستسهم في تحقيقها، أو أنك تقدر انتقاداته البناءة على الرغم من قسوته في بعض الأحيان.
  • وضِّح حدودك: اجعله يدرك أنك لا تقدر السلبية وأنك لا ترتاح بالطريقة التي يتحدث بها معك.
  • ساعده في التغلب على غيرته: يمكنك أن تحافظ على تفاعل إيجابي معه، وامدحه على صفاته الإيجابية، وكن لطيفاً واعرض مساعدتك على تحسين مهاراته في الزاوية التي يشعر فيها بالغيرة منك.
  • وضِّح صراعاتك الشخصية: قد يشعر الناس الغيورون أنهم الوحيدون الذين يمتلكون مشكلات أو تجارب سلبية؛ ومن ثم فإن الانفتاح على مشكلاتك الشخصية يجعلهم يدركون بأنهم ليسوا وحدهم، وهذا ما قد يساعد على تحسين العلاقة. لذلك؛ تحدث عن الأوقات التي فشلت فيها، وناقش المهمات التي يصعب عليك أداؤها، واطلب منهم المساعدة أيضاً.
  • ساعد الشخص على تحسين نفسه: قد تنشأ الغيرة نتيجة الشعور بالنقص؛ لذلك فإن تقديم نصائح أو تدريبات لتحسين مهاراته في الزاوية التي يشعر فيها بالغيرة منك، قد يساعد على تخفيف المشاعر السلبية.
  • استخدم الكراهية كوقود لنجاحك: بدلاً من السماح للكراهية بالوصول إليك والتأثير فيك، استخدمها كحافز للعمل بجدية أكبر وتحقيق نجاح أكبر، وتذكر أن النقد والكراهية غالباً ما يكونان الثمن الذي ستدفعه مقابل النجاح.

المحتوى محمي