كيف تتعامل مع الأشخاص الكثيري الانتقاد؟

الانتقاد
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: كيف تمنع نفسك من إبداء رد فعل غاضب ودفاعي عندما تواجه الانتقاد اللاذع من الشخص ذاته دائماً؟

تخيل معي التالي: أنت في مزاجٍ عالٍ، فلقد سمعت للتو خبراً سعيداً طال انتظارك له. وبكل حماس وسرور تخبر صديقك عن ذلك؛ لكن بينما تسرد له الخبر، يبدو أنه لا يعيرك انتباهاً. والأسوأ من ذلك، يختم الحديث بانتقاد الخبر المهم وحماسك له. فجأة، أنت لم تعد سعيداً؛ بل بدأ الاحباط يتسلل إلى داخلك. للأسف، إن هذا هو السلوك النموذجي لكثيري الانتقاد، فبغض النظر عما تقوله أو تفعله، سيجد الأشخاص المنتقدون دائماً سبباً لانتقادك.

قد يكون التعامل مع شخص ينتقدك باستمرار مرهقاً عقلياً وعاطفياً وجسدياً؛ لذا إليك بعض النصائح للتعامل مع الأشخاص المنتقدين.

ما هو الانتقاد؟

وفقاً لدراسة نُشرت في مجلة بلوس ون (PLoS One)؛ يُعرَّف الانتقاد بأنه رد فعل سلبي من الآخرين تجاه مجهول. وقد لاحظ باحثو الدراسة أن هذه الانتقادات هي جزء من التفاعلات الاجتماعية اليومية بين أفراد المجتمع ولا يمكن تجنبها؛ لذا فهي شائعة جداً. وعادةً ثمة:

  • الانتقاد الهدّام: تعبير عن الرفض، وغالباً ما يكون الهدف الأساسي منه هو الإهانة ومنح الإحساس بعدم اليقين؛ إلا أن المبالغة في الانتقاد السلبي غالباً ما تسهم في تطور بعض الحالات النفسية مثل الاكتئاب والفصام. في دراسة نُشرت في “مجلة الاضطرابات العاطفية” (Journal of Affective Disorders)، تبيَّن أن الانتقاد السلبي من الأمهات يمكن أن يكون مؤشراً إلى إصابة الطفل بالاكتئاب مستقبلاً.
  • النقد البنّاء: تحليل مزايا شيء ما وعيوبه والحكم عليها. أشارت دراسة نُشرت في دورية “فرونتيرز إن سايكولوجي” (Frontiers in Psychology)، إلى أنه يمكن للنقد الإيجابي أن يعزز الكفاءة الذاتية، وإيمان الشخص بقدراته على إكمال المهام؛ ومن ثَمّ يقلل أعراض الاكتئاب والقلق.

اقرأ أيضاً: كيف تنجو من دوامة المشاعر السلبية؟

لماذا ينتقد بعض الأشخاص بشدة؟

لدى سؤالك عن الشخص الكثير الانتقاد، غالباً ما سيكون أول ما يتبادر إلى ذهنك هو ذلك الشخص الذي يلقي الأحكام والتعليقات بطريقة سلبية، ويسلط الضوء على أخطاء الآخرين ونقاط ضعفهم أو عيوبهم، دون مراعاة لجهودهم أو مشاعرهم. وكذلك، فإن مستوى تسامحه مع الأفكار التي تختلف عن أفكاره غير موجود عملياً!

من وجهة نظر أوسكار وايلد (Oscar Wilde)؛ فإن هذا الانتقاد هو نافذة لكشف المنتقد أكثر مما قد يكشفه انتقاده عن الشخص الذي ينتقده، ويتشابه رأي وايلد مع مفهوم “الإسقاط” لسيغموند فرويد؛ وهو جزء من نظريته في التحليل النفسي.

يعتقد فرويد أن الإسقاط آلية دفاعية نستخدمها لحماية أنفسنا من الحقائق غير المريحة عن أنفسنا، من خلال إسقاط أفكارنا ومشاعرنا وسلوكاتنا السلبية على الآخرين، بدلاً من الاعتراف بها في أنفسنا. بعبارة أخرى؛ إذا لاحظت أو تعرفت على سمات أو سلوكات معينة لدى الآخرين، فقد يكون ذلك لأنك تمتلك هذه السمات أو السلوكات بنفسك.

يوضح الدكتور النفسي السعودي محمد القحطاني مفهوم الإسقاط النفسي، بأنه الحيلة الدفاعية التي يحاول فيها الفرد الهروب من لوم نفسه إلى لوم الآخرين، متّبعاً عدة أساليب؛ بما فيها أن ينسب عيوبه إلى غيره بانتقادهم.

اقرأ أيضاً: كيف تتعامل مع سلوكيات عدم الاحترام؟

كيف تتعامل مع الأشخاص الكثيري الانتقاد؟

عندما تتعامل مع شخص كثير الانتقاد، يمكنك اتباع الاستراتيجيات التالية لمواجهته:

1. لا تأخذ الأمور على محمل شخصي

عادة ما نفترض أن الانتقاد يكون موجهاً لشخصنا، أو يمنحنا اليقين بأننا نستحقه؛ إلا أن هذه الانتقادات تعبّر عن وجهة النظر الشخصية للمنتقد ومعتقداته الشخصية في الحياة؛ إذ غالباً ما يتعامل مع الآخرين على النحو ذاته، مُصدراً أحكامه ومعتقِداً بصحة رأيه!

2. انظر إلى التعليقات بموضوعية وافهم الرسالة الأساسية منها

في حالات عديدة، قد تكون للشخص المنتقد نوايا حسنة، فقد يحاول أن يقدم لك نصيحة إلا أنها تأتي بأسلوب سلبي لافتقاره إلى الأسلوب اللطيف؛ ما قد يتطور إلى سوء فهم. على سبيل المثال؛ قد يصف المنتقد ملابسك التي ترتديها لمقابلة العمل بالقبيحة؛ لكن قبل أن تتسرع بالحكم عليه يمكنك التدقيق في ما ترتديه، ولربما تكون ملاحظته في مكانها، فتعطي انطباعاً سيئاً عن نفسك في المقابلة. حاول التركيز على الرسالة التي يرغب بإيصالها، وليس على الطريقة التي يقولها بها.

اقرأ أيضاً: كيف تتعامل مع شخص يقلل من قيمتك

3. حدِّد مصدر الانتقاد

بعض الانتقادات التي تطالك قد يكون مصدراً للصدق؛ مثل الانتقاد الذي تتعرض لها من أحد والديك أو صديقك المقرب. على سبيل المثال؛ قد تتعرض للانتقاد المستمر لأسلوبك في قيادة السيارة من قبل والدتك أو والدك، وفي الواقع إن هذه الانتقادات تعبر عن خوفه وحرصه عليك بسبب سرعتك العالية في القيادة.

4. عالِج انزعاجك

مثلما يعكس المنتقد بانتقاداته بعضاً من جوانبه المخفية، فإن انتقاداته قد تجد طريقها إلى داخلك، فتنعكس على صورة الشعور بالغضب أو الإحراج أو التعرُّض للأذى، وقد يتطور لديك رد فعل دفاعي يؤدي إلى المواجهة والجدال.

وتجنُّباً للسماح للانتقادات بإثارة مشاعر الغضب أو الشك في نفسك، يمكنك أخذ وقت مستقطع للتنفس والتفكير العميق. قد يساعدك إعفاء نفسك من المحادثة على تجنُّب الجدال، أو ربما تحاول التفكير بالانتقاد من وجهة نظر إيجابية بغرض التحسين.

5. كُن كالصخرة في التجاهل

غالباً ما يكون أحد أهداف الشخص الكثير الانتقاد هو الحصول على رد فعل منك؛ لكن احتواءك له قد يخفف حماسه الانتقادي. لذا؛ لتجنُّب المواجهة معه، يمكنك اتباع تقنية الصخرة الرمادية وعدم الدخول  في أي جدال، وتقديم إجابات مختصرة لأي انتقاد على نحو:

  • “سآخذ ذلك بعين الاعتبار” لكنك لست مضطراً لذلك حقاً.
  • “لقد فهمتك جيداً” أي أنك سمعت كلماته لكنك لست مضطراً للموافقة.
  • “إنها ملاحظة مهمة” أي أنه قد أوضح نقطة لكنها ليست مناسبة لك.

اقرأ أيضاً: ما سبب قلة صبر البعض على تحقيق رغباته؟

6. تعاطَف مع المنتقد

أسلوب آخر قد يؤتي ثماره ويُجنِّبك الجدال او الشعور بالغضب أو الرغبة بإقصاء أحد؛ وهو التعاطف. ولما كان الانتقاد مجرد تعبير عن نقطة ضعف أو أذىً داخلي، فقد يكون من المفيد أن ترى الأمور من وجهة نظر المنتقد، وتحاول فهم الأسباب الكامنة وراء سلوكه. وحالما تستوعب أسباب المتقد، يصبح التعاطف معه ممكناً ومفيداً.

تذكّر، إن حكم الشخص عليك لا يعني بالضرورة أن انتقاده صحيح، أو أن الآخرين قد يعتقدون الشيء ذاته. ومع ذلك، فقد يكون سماع ما نحتاج إليه أهم من سماع ما نرغب به.

المحتوى محمي !!