ملخص: تقول سارة ذات الـ 31 عاماً: "حينما يطلب الناس رأيي أرتبك ولا أجد ما أقوله، فأبدو لمن حولي متحفظة وسطحية ولا مبالية، وفي الحقيقة إذا التقيت شخصاً يشبهني تماماً يوماً ما فلن يثير اهتمامي البتة". كحال سارة؛ يجد الكثيرون أنفسهم عاجزين عن تكوين رأي مستقل أو قناعات شخصية والتعبير عنها، فما الذي يمنعهم من ذلك؟ وكيف يمكنهم التعامل مع هذه المسألة؟
محتويات المقال
تقول سارة ذات الـ 31 عاماً: "حينما يطلب الناس رأيي أرتبك ولا أجد ما أقوله، فأبدو لمن حولي متحفظة وسطحية ولا مبالية، وفي الحقيقة إذا التقيت شخصاً يشبهني تماماً يوماً ما فلن يثير اهتمامي البتة".
يُعد العجز عن تكوين قناعة شخصية مشكلةً شائعة وهي لا ترتبط بجيل الشباب فقط؛ إذ تقول ليلى ذات الـ 53 عاماً: "حينما تناقش صديقاتي الشؤون السياسية ألتزم الصمت لأنني أعجز عن تبنّي وجهة نظر شخصية تجاه الموضوع محل النقاش، وتتفاقم هذه المشكلة معي كلما تقدمت في السن".
ولذلك فإن تجارب المرء والخبرات التي يكتسبها على مر السنين قد لا تكون كافية ليتمكن من تكوين رأي مستقل وقناعات شخصية، وحينما يحاول الشخص المتذبذب تبنّي رأي حول الموضوعات كلها يجد نفسه متأرجحاً بين مختلف الآراء المطروحة. ويقول ماجد ذو الـ 40 عاماً: "حينما أستمع إلى مختصَّين يناقشان أصل الاختلافات بين الرجل والمرأة فإنني أقتنع بحجج المختص الأول، ثم بحجج المختص الثاني بعد أن يأتي دوره في الكلام".
قد تكون وسيلة دفاعية لتقليل الشعور بالقلق
إذا ما سبب عدم القدرة على تكوين رأي مستقل حول موضوع ما؟ تقول مختصة علم النفس الإكلينيكي والتحليل النفسي كاترين ألكولومبري (Catherine Alcouloumbré): "يشير عجز المرء عن تبنّي رأي إلى أنه يحاول حماية نفسه من مشاعر القلق".
ويضيف الطبيب النفسي شارلي كوجي (Charly Cungi): "يعني تبنّي وجهة نظر حول موضوع ما التعبير عن الذات والكشف عنها ومن ثَمّ المخاطرة بارتكاب الأخطاء وإثارة استياء الآخرين، وهذا غير وارد بالنسبة إلى الشخص الذي يتسم بالقلق".
ما الآثار المتوقعة على المدى البعيد؟
تقول سارة: "ترجع مشكلتي إلى عقد نفسية من مرحلة الطفولة، وهي صعوبة التحدث أمام الآخرين وعقدة النقص والافتقار إلى الثقة بالنفس، ولأنني قلَّما كنت أعبر عن نفسي فقد كان تكوين رأي مستقل أو قناعات شخصية أمراً صعباً عليّ".
يؤكد هذا التحليل الذاتي دور العلاقة مع الآخر والقلق الذي ينجم عنها في العجز عن تكوين القناعات؛ ولكن كاترين ألكولومبري توضح من جهة أخرى إن المرء حينما ينساق مع آراء الآخرين يحرر نفسه من المسؤولية التي قد تترتب على كلامه، وعلى الرغم من أن هذا السلوك قد يبدو مريحاً بالنسبة إليه فإنه مؤذٍ على المدى الطويل؛ إذ يقتنع بمرور الوقت أن المسائل محل النقاش ليست من شأنه ولو كان معنياً بها في حقيقة الأمر"، ومن خلال القراءة والتفكر يمكن لكل منا أن يطور ذاته ويكون قناعاته الشخصية التي تعبر عنه لا عما يريده الآخرون أن يكون عليه.
ويوضح شارلي كوجي: "يعزز هذا النهج تقدير الذات والقدرة على تأكيدها، وإضافة إلى ذلك يجب أن يطور المرء معرفته بالعلاقات مع الآخرين لأن الانسجام مع المحيط يساعد على الانسجام مع الذات".
تعلم كيفية تكوين رأيك المستقل والتعبير عنه
الطبيب النفسي، شارلي كوجي
"ترجع صعوبة تكوين رأي مستقل غالباً إلى الخوف من ارتكاب خطأ، وهذا التخوف طبيعي لكن يجب ألا يبلغ الحد الذي يؤدي إلى عجزك عن اتخاذ القرارات، ويمكنك تخفيف قلقك باللجوء إلى ممارسات الاسترخاء على سبيل المثال ومن ثَمّ سيخف حذرك أمام الآخرين وستتمكن من التكلم بأريحية أكبر، وثمة الكثير من الطرائق التي يمكن أن تساعدك على تأكيد ذاتك وتخفيف قلقك الاجتماعي".
مختصة التحليل النفسي، كاترين ألكولومبري
"اسأل نفسك: ما سبب حذري الزائد هذا؟ هل هو آلية دفاعية؟ لمَ أخاف التعبير عن وجهة نظري؟ وهل خوفي هذا فعلي أم رمزي أم مجرد وهم؟ حينما تكتشف الأسباب العميقة لخوفك ستتمكن من السيطرة عليه؛ لأن التعبير عن حقيقة هذا الخوف يسمح لك بوضع يدك على الوهم الكامن خلفه ما يؤدي إلى زواله من تلقاء نفسه".
تجربة شخصية
تقول لمى ذات الـ 29 عاماً: "تحسباً لجلسة مع أصدقائي المهتمين بشؤون السياسة، طالعت الصحافة واخترت أكثر المقالات إقناعاً فيما يخص الأوضاع السياسية الحالية ثم استخرجت منها 4 أو 5 حجج وحفظتها عن ظهر قلب وتدربت على إلقائها أمام المرآة، ونجح الأمر؛ إذ استعدت ثقتي بنفسي ومنذ ذلك الحين أشعر أنني بتّ قادرة شيئاً فشيئاً على تكوين آرائي وقناعاتي الشخصية".
تقول باسمة ذات الـ 37 عاماً: "حتى لو كان لديّ رأي عفوي حول موضوع ما، فإنني بعد التفكير ومن باب التواضع لا أدلي به، فأقول لنفسي أنني قد لا أمتلك المعلومات الكافية التي تخولني إبداء رأيي كما أرى أن لا حقيقة مطلقة وأن الآراء كلها نسبية. بالنسبة إليّ، عدم وجود قناعات شخصية هو حالة إيجابية وليست سلبية".
اقرأ أيضاً: اختياراتنا اليومية تجعلنا أكثر فردية واستقلالية