هل يمكن أن يؤدي الخوف إلى الموت المفاجئ؟

4 دقائق
الموت المفاجئ
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: في حين أن الخوف قد لا يُدرج بوصفه سبباً مباشراً للوفاة؛ لكن ثمّة حالات يبدو فيها أن الخوف الشديد كان سبباً للموت المفاجئ. إذاً فكيف يمكن أن تتسبّب مشاعر الخوف في موت أحدهم؟ وكيف يمكن تفادي هذه الحالة؟

بعد أن توفي الطفل اللبناني ذو الست سنوات، محمد اسطنبولي، إثر تعرّضه لصدمة قوية بسبب مشاهدة أشخاص يصوّرون مقلباً لعرضه على تطبيق "تيك توك"، أضحى السؤال: "هل يمكن أن يؤدي الخوف إلى الموت المفاجئ؟" يفرض علينا البحث عن إجابة علمية واضحة.

يمكن أن تكون للخوف الشديد قدرة مميتة وتأثيرات فيزيولوجية خطِرة قد تؤدي إلى الموت المفاجئ. ويعزو العلماء حالات الموت المفاجئ إلى حدوث تلف في القلب؛ إذ لا يمكن أن يتسبّب فشل أيّ عضو آخر في الوفاة فجأة، فحالات الفشل الكلوي وفشل الكبد تؤدّي إلى الموت لكنّها تستغرق بعض الوقت. فهل يمكن أن يكون الخوف الشديد والرعب قاتلاً في بعض الحالات؟

نعم، الخوف يمكن أن يُميتك!

الخوف عاطفة شديدة يمكن أن تجعل الناس يشعرون وكأنهم على وشك الموت، وبخاصة بالنسبة إلى الأشخاص الذين يعانون من نوبات الهلع. ولكن هل يمكن للخوف أن يقتلك بالفعل؟ إنّ تأثير الخوف في الجسم معقّد، ويتضمن استجابات فيزيولوجية مختلفة، وما تزال تأثيراته القاتلة موضوعاً للبحث العلمي. فبالإضافة إلى استجابة "الكرّ أو الفرّ" (Fight or Flight Response) التي سنوضّحها لاحقاً، ثمّة حالة "الجُمود المُتَوتِّر" أو "الهُمُود" (Tonic Immobility) التي يشير إليها مؤلف كتاب: "الخوف الشديد: علمُ عقلك في الخطر" (Extreme Fear: The Science of Your Mind in Danger)، جيف وايز (Jeff Wise).

إذ يوضّح أنّها استجابة تولّدها منطقة في الدماغ، تؤدي إلى توقّفٍ كامل يجعل الجسم يبدو وكأنّه بلا حياة؛ حيث يظلّ مسترخياً ولكنّه يقظٌ استعداداً للتَحرُّك، وتُعّد هذه بمثابة استراتيجية يائسة يلجأ إليها الجسم على أمل أن يُوقف المهاجم هجومه.

ويستخدم بعض الحيوانات هذه الطريقة لأن الحيوانات المفترسة لا تأكل الفريسة التي تبدو ميتة؛ إلّا أن استمرار استجابة الجمود لفترة طويلة قد يتسبّب في انخفاضٍ حادٍّ في معدّل ضربات القلب وضغط الدم مؤدياً إلى الوفاة.

كيف يمكن أن يؤدّي الخوف إلى الموت المفاجئ؟

يمكن أن يحدث الموت المفاجئ للأفراد في أي عمر؛ بمن فيهم أولئك الذين لا يعانون من أمراض قلب موجودة مسبقاً. إذ يمكن أن تكون لاستجابة "الكرّ أو الفرّ" (Fight or Flight)؛ وهي آلية وقائية طبيعية في الجسم، آثار ضارّة عند إفراز هرمون الطاقة أو الأدرينالين (Adrenaline) بإفراط؛ وذلك لأنه يتحكّم في سرعة ضربات القلب وتدفق الدم إلى العضلات والدماغ على نحوٍ كبير، عند تعرض الجسم لضغوط أو أخطار خارجية، وبذلك بهدف إمداده بالطاقة اللازمة لحالات الطوارئ.

وفي حين أن هذه الاستجابة مفيدة في المواقف الخطِرة؛ إلا أن إفراز الأدرينالين بكثرة يمكن أن يؤدّي إلى تلف الأعضاء الداخلية، وبخاصة القلب، وربما يؤدي إلى الوفاة. حيث يمكن أن يتسبّب غمر القلب بالأدرينالين في عدم انتظام دقّاته؛ تماماً كما يحدث في حالة الرجفان البطيني (Ventricular Fibrillation) التي تعيق الدورة الدموية. وليس الخوف فحسب؛ بل المشاعر القويّة الأخرى مثل السعادة أو الحزن، فهي يمكن أن تتسبّب في حالة اضطراب نظم القلب (Heart Arrhythmia) المميتة!

اقرأ أيضاً: هل هو خوف من الموت أم خوف من الفناء؟

هل يمكن أن تكون نوبات الهلع قاتلة؟

على الرغم من أنها مخيفة، فإن نوبات الهلع ليست قاتلة؛ أي أنها لا تمثّل سبباً مباشراً للوفاة. ففي أثناء نوبة الهلع، ينتقل الجسم إلى وضعية الكّر أو الفرّ؛ ما يتسبّب في تغيّرات مؤقّتة مثل زيادة معدّل ضربات القلب ومعدّل التنفس؛ بينما قد يحدث فرط التنفس والإغماء في حالات نادرة.

لكن يشير بعض الأبحاث إلى أن نوبات الهلع يمكن أن تؤدّي إلى تفاقم مشكلات القلب لدى الأفراد المصابين بمرض القلب التاجي (CHD)، فتزيد احتمالية حدوث النوبات القلبية، وبخاصة لدى الأفراد الذين تقلّ أعمارهم عن 50 سنة.

كما رُبط القلق والتوتّر المزمنان اللذان يكونان مرتبطَين غالباً بنوبات الهلع، بزيادة مخاطر الإصابة بأمراض القلب، وحالات مثل ارتفاع ضغط الدم والنوبات القلبية. حيث إن التغيّرات الفيزيولوجية الناجمة عن القلق المزمن، إلى جانب سلوكيات التكيّف غير الصحية مثل استهلاك الكحول والتدخين وعدم ممارسة الرياضة، قد تسهم في هذه المخاطر، فتكون سبباً غير مباشر للوفاة. لذلك؛ يصبح كلٌ من إدارة القلق واعتماد أسلوب حياة صحي أمراً مهمّاً لصحة القلب بصفة عامة.

اقرأ أيضاً: ما الأطعمة التي تحارب الخوف والقلق؟

كيف تحارب القلق والخوف لتحافظ على صحة قلبك؟

الخوف ردّ فعلٍ طبيعي على الخطر يؤدّي إلى استجابة الكرّ أو الفرّ، والقلق، من ناحية أخرى، شعور عام بعدم الارتياح أو الانزعاج يمكن أن يستمرّ حتى في حال عدم وجود خطرٍ مباشر.

ومن المهم أن نعرف أن الخوف والقلق لا يسبّبان الموت المفاجئ لمعظم الأشخاص الذين يعانون منهما، حتّى بالتزامن مع حالات أخرى مثل نوبات الهلع؛ غير أنّ الأضرار المباشرة لهما يمكن أن تزيد حدّة أعراض الحالات الصحية مثل أمراض القلب.

لذلك؛ ينصح الخبراء باتباع نظام أكلٍ صحّي والحصول على نومٍ جيّد ومنتظم، إضافةً إلى اعتماد استراتيجيات تكيّف صحية تُبعدك عن المخاطر المحتملة وتساعدك على إدارة الأعراض على نحوٍ فعّال؛ ونلخّص تلك التوصيات كالآتي:

  • تمارين التنفّس: يُعدّ التنفّس العميق أداةً قوية للتحكّم في القلق وتعزيز الهدوء؛ إذ يسمح للشخص بضبط حالته الفيزيولوجية والاستجابة للمواقف الصعبة على نحوٍ أكثر فعاليةً.
  • تمارين اليقظة: إضافةً إلى التنفس العميق، يمكن أن تساعد تمارين اليوغا على تخفيف الأعراض الجسدية للقلق لأنها تمنحك فرصة للهدوء والتركيز على أنفاسك بدلاً من أفكارك المُقلقة.
  • النشاط البدني: تساعد ممارسة التمارين الهوائية (Aerobic) المنتظمة على إطلاق الإندورفين الذي يعمل مثل معزز طبيعي للمزاج ويحسن الصحة النفسية العامة بمرور الوقت.
  • تقنيات إعادة الهيكلة المعرفية: تتمكّن منك مشاعر القلق أكثر بسبب أنماط التفكير السلبية. لذلك؛ يجب أن تتحدّى تلك النوعية من الأفكار وتستبدل بها أخرى أكثر فائدة وإيجابية.
  • استرخاء العضلات التدريجي: تتضمّن هذه التقنية شدّ مجموعات العضلات المختلفة وإرخاءَها مع التركيز على أنفاسك؛ ما سيساعدك على تخفيف التوتّر الجسدي المرتبط بمشاعر القلق ويعزز شعورك بالاسترخاء.
  • الحديث والمشاركة: قد يمنحك وجود شخص آخر يستمع إليك، ويقدم لك الدعم العاطفي، ويقدم نظرة موضوعية لمخاوفك، فهماً أوضح لحالتك النفسية.
  • العلاج الدوائي: يمكن أن تساعد الأدوية في بعض الحالات على تخفيف حدّة الاستجابات المسبّبة للقلق؛ ومن ثَمّ السماح للشخص بممارسة الحياة اليومية بسهولة أكبر وعوائق أقل.

اقرأ أيضاً: كيف تتغلب على الشعور بالخوف؟

وأخيراً، فإن السؤال عما إذا كان الخوف الشديد يمكن أن يؤدّي إلى الموت المفاجئ هو سؤال معقد. وفي حين أنّ الوفيات الناجمة من الخوف تكون نادرة في الأغلب، فإن الآثار الجسدية للخوف يمكن أن تكون مضرّة؛ إذ إن استجابة "الكرّ أو الفرّ" يمكن أن تؤدّي إلى مستويات مفرطة من الأدرينالين قادرة على إلحاق الضرر الشديد بالقلب، ولا سيما لدى الأشخاص الذين يعانون أمراض القلب مسبقاً.

المحتوى محمي