ملخص: الشلل التحليلي هو حالة الإفراط في التفكير بالقرارات إلى حد التقاعس عن اتخاذها. يمكن أن ينجم عن سمات شخصية مختلفة، والسبب الرئيسي وراءه هو القلق. يساعد استخدام استراتيجيات مثل تقسيم القرارات الأكبر إلى قرارات أصغر في التغلب على هذا الشلل.
محتويات المقال
هل تتخيّل أنّ جواباً صريحاً على دعوتي البسيطة لشرب فنجان قهوة هو مهمّة صعبة عند صديقتي سهيلة! فهي تصرّ دائماً على تحويل جواب بسيطٍ بنعم أو لا إلى ملحمةٍ تستمرّ صباحاً بأكمله. إن حالة الشلل التحليلي تجعل من العلاقة مع صديقتي صعبة، فضلاً عن الصعوبات التي تواجهها هي بشكلٍ شخصي.
في عالم الشخص الذي يعاني من شلل المعلومات التحليلي، كل قرارٍ، سواء كان دقيقاً أم بالغ الأهمية، يتطلّب نفس القدر من التفكير الدقيق في البيانات أو الاختيارات المتاحة. فهو بارع في التفكير بالاحتمالات المختلفة، والتركيز على الجوانب السلبية المحتملة، وتصوّر مجموعة من النتائج. فاختيار الملابس التي سيرتديها في اجتماع الثلاثاء القادم هو أمر محفّز للتوتّر مثل اتخاذ قرار بشأن شراء منزل. أما إن كان يخطّط لقضاء إجازة، فسيقوم ببحث شامل لمدة 6 أشهر! إنها حالة تجعل صاحبها يعيش بحذرٍ شديد، ويخشى باستمرار أن ينطق بكلمة خاطئة أو يسبب أيّ إزعاج.
ما هي حالة الشلل التحليلي؟
يشير الشريك والمدير التنفيذي في ميراك كابيتال، عبدالله التمامي (Abdullah Altamami)، إلى مفهوم الشلل التحليلي (Analysis Paralysis) على أنّه حالة يواجهها أغلبنا بشكل يومي، حين نُفرط بالتفكير بقرارٍ ما، ما يسبّب عدم القدرة على اتخاذ القرار، فتنتج عنه حالة شلل أسوأ من اتخاذ أي قرار متوفّر. وقد تتسبّب هذه الحالة بشللٍ في العمل على سبيل المثال، نتيجة الخوف من الأخطاء المحتملة أو الأخطاء التي قد تنشأ عن القرار المتخذ.
نستخدم التحليل المنطقي أو الإحصائي عادةً لتقييم الخيارات، ما يؤدّي إلى اختيار واضح أو على الأقل إلى الخيارات الأكثر فائدة. لكن إذا كانت معايير البحث غامضة للغاية، فإن الشلل التحليلي يعيق اتخاذ قرارات واضحة. كمثال على ذلك؛ الفرق بين السؤال العام "أي سهم يجب أن أشتري؟" وسؤالٍ ثانٍ أكثر تفصيلاً، بحيث يأخذ بعين الاعتبار معايير محدّدة، مثل: "أي سهم يجب أن أشتري في هذه الفترة من السنة؟".
ويعتبر الأشخاص الذين يعملون في مجالي الاستثمار والتحليل التقني من الأفراد الأكثر تعرّضاً في عملهم للشلل المعلوماتي التحليلي بسبب النظريات والأساليب العديدة المتاحة لاتخاذ القرارات. لكن الجميع معرّض له لأننا نعيش في العصر الرقمي؛ فمجرّد البحث عن أي موضوع بشكل مفرط، يمكن أن يزيد من قابلية الإصابة بالشلل التحليلي. إلّا أن إدراك أن القلق هو السبب الجذري لشلل التحليل هو خطوة نحو التغلب عليه.
اقرأ أيضاً: لماذا نخاف من اتخاذ القرارات؟
كيف تعرف أنك مصاب بشلل المعلومات التحليلي؟
ليس من المستغرب أن يعوق الارتباك المرتبط بقرارات الحياة المهمة مشاعر الرضا عن النفس، بل على العكس، قد تتفاقم مستويات التوتّر لدينا، وندخل في سباق ذهني متواصل من الأفكار التي تسبّب الإحباط، ما يمكن أن يستنزفنا جسدياً. وبالتالي، سنجد أنفسنا نواجه مجموعة من الأعراض المرتبطة بالإجهاد، مثل:
- الاجترار المستمرّ للأفكار.
- اضطرابات النوم.
- سرعة دقّات القلب.
- الإرهاق.
- التعرّق والقلق.
- التنفّس الضحل؛ وهو نمط تنفس بطيء يكون الشهيق والزفير فيه سريعين.
- الإحجام عن اتخاذ القرار.
- صعوبة التركيز .
- انخفاض الإنتاجية.
الشلل التحليلي في اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه
اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD) هو اضطراب نمو عصبي، يتّسم بأنماط مستمرّة من عدم الانتباه والاندفاعية وفرط النشاط. ويمكن أن تظهر أعراضه بطرق أخرى، بما فيها صعوبة اتخاذ القرار. إذ يواجه الأشخاص المصابون به صعوبات في الأداء التنفيذي؛ فهذه مهارة ذهنية تتضمن القدرة على بدء المهام وإنهائها وإدارة الوقت واتخاذ القرارات وتنظيم السلوك. ومن بين هذه المهارات القدرة على اتخاذ القرارات بفعالية وكفاءة. فعندما تتمّ إعاقة هذه المهارة، قد يواجه الشخص صعوبة في اتخاذ القرارات ويسقط في أنماط الإفراط في التحليل أو التفكير الزائد في الخيارات.
وهي حالة مرتبطة بما يعرف بـ "شلل فرط الحركة وتشتت الانتباه" (ADHD Paralysis). فقد يعاني الأفراد المصابون باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه من الكمالية أو الخوف من ارتكاب خطأ حين يفكّرون باستمرار في الخيارات خوفاً من الاختيار غير الصحيح أو عدم العثور على الخيار "المثالي"، ما قد يؤدّي إلى تفاقم حالة الشلل التحليلي.
من الجدير بالذكر أن الشخص المصاب باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه لن يعاني بالضرورة من الشلل التحليلي، وليس كل من يعاني من هذه الحالة سيكون مصاباً باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه. فالاثنان لا يرتبطان بشكل حصري، ولكن يمكن أن يتقاطعا بسبب الصعوبات الأساسية المشتركة في عملية صنع القرار والأداء التنفيذي.
هذه السمات الشخصية تسهم في حالة الشلل التحليلي
الشلل التحليلي هو حالة لا تميّز بين الأفراد، يمكن لأي شخص، بغض النظر عن خلفيته أو نوع شخصيته، أن يجد نفسه متأثّراً بهذه الحالة. لكن بعض السمات الشخصية يمكن أن تضخّم من تحدّيات اتخاذ القرار، وبالتالي تزيد من احتمالية اختبار الشلل المعلوماتي التحليلي. التعرّف إلى هذه السمات هو الخطوة الأولى لفهم هذه الحالة وإدارتها على نحوٍ أكثر فعالية.
- التفكير الصارم: قد يعاني من حالة الشلل التحليلي الأفراد الذين يصنّفون الأشياء في كثير من الأحيان في ثنائيات، مثل الخير أو الشرّ، الكلّ أو لا شيء، الصواب أو الخطأ، عندما لا يتناسب القرار بدقّة مع أحد هذه التصنيفات المحدّدة لديهم مسبقاً.
- الكمالية: يمكن أن يصبح السعي للكمال مشكلة عند التعامل مع القرارات المتعلّقة بالعلاقات الشخصية أو المسارات الوظيفية أو التطلعات المستقبلية أو الأمور العائلية؛ حيث تكون قرارات كهذه محفوفة بالشكوك والنتائج المحتملة غير المتوقّعة التي يمكن أن تؤثّر فينا وفي أحبائنا.
- إرضاء الناس: ينطوي الميل لإرضاء الآخرين على الرغبة في إعطاء الأولوية لسعادتهم التي تكون أحياناً على حساب سعادتنا. فعندما يتوجّب علينا اتخاذ قرار قد يؤثّر في الآخرين، لا سيما أولئك الذين نهتم بهم بشدّة، يمكن أن تكون مسؤولية اختيارنا مرهقة على نحوٍ خاص.
- انعدام الثقة: يمكن أن تسهم عوامل مختلفة في عدم الثقة بالنفس بشأن اتخاذ القرار. بالنسبة للبعض، قد يكون ذلك ببساطة بسبب نقص الخبرة والممارسة، بينما بالنسبة للبعض الآخر، يمكن أن ينبع من التجارب السابقة في اتخاذ خيارات مؤسفة. وإذا كان الإدراك الذاتي للفرد يتضمّن الاعتقاد بأنه غير قادرٍ على اتخاذ قرارات سليمة، فمن المحتمل أنه سيطلب مشورة الآخرين أو يقضي وقتاً طويلاً بالتفكير في مزايا القرار وعيوبه.
- التعاطف: على الرغم من أن التعاطف هو سمة جديرة بالثناء، فإنها قد تعيق اتخاذ القرار. ففي تقييمنا للخيارات والإيجابيات والسلبيات أو العواقب المحتملة، قد نتصوّر المشاعر التي يمكن أن يشعر بها الآخرون نتيجة لقرارنا. وسواء كانت هذه التوقعات دقيقة أم لا، فإنها يمكن أن تسهم في الشعور بالارتباك والحيرة، ما يؤدّي إلى النفور من اتخاذ القرار.
5 استراتيجيات من خبير للتغلّب على حالة الشلل التحليلي
إن الدافع الأساسي وراء شلل المعلومات التحليلي، وفقاً لمختص الصحة النفسية روبرت طيبي (Robert Taibbi)، هو القلق الناشئ عن التقييم الهوسي للمتغيّرات التي لا حصر لها، وتصوّر العيوب المحتملة في كلّ منها. إذ يوصي طيبي بتقسيم عملية اتخاذ القرار إلى خطوات يمكن إدارتها من خلال اتخاذ سلسلة من القرارات الصغيرة التي تسهم في القرار الأساسي وتنفيذها. وينصح، وهو الأهم، بعدم نسيان أنك تملك القدرة على تعديل قراراتك وصقلها كلما تقدّمت في هذه الخطوات.
- اسْتشفّ متى يبدأ الشلل التحليلي: قد يبدو لك أن الإكثار من التحليل هو طريقة جيدة لتخفيف قلقك. لذلك؛ توقّف عندما تجد نفسك تركّز على القرارات أو المخاوف، واسأل نفسك عمّا إذا كنت تبالغ في التحليل.
- قرّر مدى أهميّة المشكلة: يساعد تعلُّم ترتيب الأولويات وتحديدها في تخفيف القلق. اسأل نفسك: ما حجم هذه المشكلة؟ ما هو أسوأ مخاوفي؟ ما مدى احتمالية حدوث أسوأ سيناريو من الناحية المنطقية؟ وإذا حدث ذلك، ماذا أفعل حياله؟ استخدم أجوبتك كمعلومات للتفوّق على قلقك.
- انتبه للكمالية: لا يساعد السعي وراء الكمال على تحديد الأولويات والتركيز عليها، فهو مجرّد شكلٍ آخر من أشكال القلق، وهو وصفة أكيدة لحدوث حالة من التجمّد الذهني عند اتخاذ القرارات.
- توقّف عن الحذر الشديد: تتباطأ وتيرة الحياة لدى الأشخاص الذين يميلون إلى توخي الحذر الشديد، وتحليل كل فكرة قبل التعبير عنها. ويكمن الحلّ بالنسبة لهم في التحلي ببعض الجرأة والإقدام.
- تدرّب باستمرار: يمكن أن تساعدك التوصيات السابقة في أن تصبح أكثر وعياً بمشكلة الشلل التحليلي، لكنك تحتاج إلى التدرّب المستمر على الحزم واتخاذ القرارات بسرعة وتجنّب الكمالية، إضافة إلى التدرّب على استخدام ردود أفعالك كمعلومات مساعدة.
اقرأ أيضاً: 3 نصائح لمساعدتك على اتخاذ القرار الصحيح وتجنُب الندم؟
وختاماً، في عصرنا الحديث، حيث تتوفّر معلومات غير محدودة بسهولة، أصبح الشلل التحليلي تجربة شائعة، لكنها يمكن أن تتفاقم بسبب سمات شخصية معينة، والتعقيد الذي يميّز عملية اتخاذ القرارات. ولأن السبب الرئيسي يكون في الأغلب هو القلق، يمكن أن يساعد اتخاذ سلسلة من القرارات البسيطة في اتخاذ القرار الأكبر أو الأكثر أهميّة.