ملخص: الشخص الانطوائي هو شخص يميل إلى الشعور بالراحة عند قضائه الوقت بمفرده أو مع شخص واحد أو شخصين، بدلاً من المجموعات الكبيرة، وهو يكتسب طاقته من التفكير ويفقدها في التجمعات الاجتماعية. فكيف تفهم الشخص الانطوائي؟ وكيف تتعامل معه؟
الانطوائية ليست كره الناس أو المعاناة بالضرورة من القلق الاجتماعي؛ وإنما هي جزء من الشخصية، وتعني أنّ الشخص يفضّل قضاء الوقت بمفرده ليشعر بالراحة، في حين قد يشعر بالإرهاق والاستنزاف عند التعامل مع أي شخص آخر بخلاف صديق مقرب أو اثنين.
فإذا كنت تملك في حياتك شخصاً انطوائياً مثل صديق أو أخ أو شريك تحب أن تقضي الوقت معه لكنك لا تعلم ما الذي ينبغي لك فعله للتقرب منه، فإليك الدليل الشامل لفهم الشخص الانطوائي وكيفية التعامل معها.
اقرأ أيضاً: ما الفرق بين السوداوية والاكتئاب؟ وكيف تنجو منهما معاً؟
مَن هو الشخص الانطوائي؟
الانطوائية هي سمة شخصية تتميز بالتركيز على المشاعر الداخلية والتفكير بدلاً من التركيز على المصادر الخارجية للتحفيز؛ أي أن الشخص الانطوائي يشعر بالراحة عند التركيز على أفكاره ومشاعره بدلاً من التركيز على ما يحدث في العالم الخارجي، ولا يعني ذلك بالضرورة أنه شخص قلق اجتماعياً أو خجول. في الواقع، غالباً ما يُشار إلى الانطوائية بأنها امتلاك درجات منخفضة من سمة الانبساطية، فما معنى هذا الكلام؟
حسناً، ثمة نموذج فعال وعالمي يُسمَّى "نموذج سمات الشخصية الخمس الكبرى" أو "نموذج العوامل الخمسة"؛ يحدد 5 أبعاد أساسية للشخصية على نحو يساعد في تحديد هوية الفرد وتفضيلاته وسلوكه؛ وهذه السمات هي: الانفتاح على التجربة، والتقبُّل، والانبساطية، والعُصابية، ويقظة الضمير.
تشير الانبساطية إلى الطاقة التي يستمدها الشخص من التفاعلات الاجتماعية، فإذا كنت تمتلك درجة انبساط عالية، فهذا يعني أنك شخص منفتح؛ تستمتع بالاهتمام، وتشعر بأنك في أفضل حالاتك عندما تكون وسط مجموعة كبيرة من الناس، وقد تواجه صعوبة في قضاء فترة طويلة من الوقت بمفردك.
في المقابل، إذا امتلكت درجة انبساط منخفضة، فهذا يعني أنك انطوائي؛ تفضل قضاء الوقت بمفردك أو مع مجموعة صغيرة من الأصدقاء المقربين، وقد تواجه صعوبة في إجراء المحادثات أو تقديم نفسك، وتشعر بالإرهاق ضمن اللقاءات الاجتماعية.
وقد لا يتعلق الأمر فقط بنقص الانبساطية، فقد حددت إحدى الدراسات 4 مناحٍ للانطوائية تتوافق مع الخصائص التي غالباً ما يربطها الناس بهذه السمة الشخصية؛ وهي:
- من الناحية الإجتماعية: الميل إلى قضاء الوقت في مجموعات أصغر من الأشخاص أو بمفرده.
- من ناحية التفكير: الميل إلى قضاء الكثير من الوقت في التفكير والتخيل وفهم الأفكار الذاتية.
- من ناحية القلق: يعكس القلق حاجة الشخص الانطوائي إلى قضاء الوقت منفرداً؛ لأن صحبة الآخرين قد تثير مشاعر الخجل أو الإحراج الاجتماعي أو قلة الثقة. لذلك؛ قد يفكر عندما يكون وحيداً في التجارب السابقة أو يقلق بشأن التجارب المستقبلية.
- من ناحية التحفظ: الميل إلى ضبط النفس أكثر من الاندفاع، والميل إلى الخصوصية والاحتفاظ بأفكاره ومشاعره لنفسه، وعدم السعي نحو الإثارة والأحاسيس الجديدة ريثما يأخذ وقتاً طويلاً للنظر في خياراته.
قد تكون صفة الانطوائية الخاصة بالشخص عبارة عن مزيج متفاوت النسب من هذه العناصر الأربعة. وجدير بالذكر أن بعض الدراسات العربية قد وجدت علاقة بين نوع الشخصية الانطوائية/ الانبساطية وتعلم اللغة الأجنبية، فقد وجدت إحدى الدراسات التي قام بها الباحثان سلام حامد عباس (Salam Hamid Abbas) وخالدة محسن حسن (Khalida Muhsen Hassan) من جامعة بغداد، والتي نشرت في المجلة الدولية للبحوث في العلوم الاجتماعية والإنسانية (International Journal of Research in Social Sciences and Humanities)، إلى أن الأشخاص الأكثر انفتاحاً كانوا أكثر دقة في نطق اللغة الإنجليزية مقارنة بـالانطوائيين، وأن ثمة علاقة وثيقة بين شخصية الطالب والأسلوب الذي يطوره للتعلم والنجاح.
ومن توصيات الدراسة أنه ينبغي على معلمي اللغة الأجنبية معرفة المزيد عن الطلاب وزيادة وعيهم بالاختلافات الشخصية لطلابهم في فصول اللغة، ما قد يتطلب توظيف ديناميكيات وأنشطة واستراتيجيات متنوعة في التعليم من أجل تحقيق الهدف في تعليم اللغة.
اقرأ أيضاً: عقدة الناجي: لماذا نجوت أنا دون الآخرين؟
سمات الشخص الانطوائي
تنشأ الانطوائية، مثل العديد من جوانب الشخصية الأخرى، نتيجة مزيج من عاملَين رئيسَين؛ العامل الجيني والعامل البيئي، فقد تؤدي الجينات وطريقة تربية الأبناء ونوع التعليم الذي يتلقونه والخبرات مع الأقران وتجارب الحياة إلى تطوير هذه الشخصية.
وعموماً، من السمات والسلوكات التي تُمكن ملاحظتها عند الشخص الانطوائي ما يلي:
- يحتاج إلى قضاء الكثير من الوقت بمفرده؛ ما يثير فيه شعوراً بالسلام والراحة وليس الإحباط والتوتر.
- يشعر أن الكثير من اللقاءات الاجتماعية يستنزف طاقته ويُشعره بالإرهاق؛ لكن هذا لا يعني أن الشخص الانطوائي يكره التفاعل الاجتماعي أو يتجنبه تماماً؛ وإنما هو فقط يحتاج إلى قضاء بعض الوقت منعزلاً لإعادة شحن طاقته بين الأحداث الاجتماعية.
- قد يشعر بحساسية شديدة تجاه التقييم والنقد السلبي ويجد صعوبة في مشاركة أفكاره؛ ما يجعله يتجنب النقاشات كلما أمكن ذلك.
- غالباً ما يفضل العمل منفرداً مقارنة بالعمل الجماعي، ليس لأنه يواجه مشكلة في الانسجام مع الآخرين؛ وإنما لأنه يجد سهولة أكبر في التركيز على العمل منفرداً.
- لا يحب أن يكون مركز الاهتمام ويفضل البقاء بعيداً عن الأضواء.
- يفضِل أن يمتلك عدداً قليلاً من الأصدقاء المقربين والحميمين، مقارنةً بامتلاك دائرة كبيرة من المعارف والعلاقات السطحية غير العميقة.
اقرأ أيضاً: متلازمة أليس في بلاد العجائب: الأعراض والأسباب
- يجد صعوبة في التعبير عن نفسه؛ لكنه يستمع إلى الآخرين جيداً، وقد يطور موهبة في فهم مشاعر الشخص الآخر من خلال نبرة صوته ولغة جسده؛ الأمر الذي قد يعزز قدرته على التعاطف وتقديم الدعم العاطفي.
- يحتاج الانطوائي إلى الكثير من الوقت للتفكير ومعالجة المعلومات وتقييم الخيارات عند اتخاذ أي قرار، وقد يجري بحثاً مكثفاً قبل إجراء عملية شراء أو قبول عرض عمل.
- قد يميل إلى الهروب من المواقف غير السارّة أو المجهِدة عبر إطلاق العنان لعقله حتى يفكر في شيء أكثر راحة، وقد يعطي هذا الميل إلى الاستغراق في الأفكار انطباعاً للآخرين بأنه شخص خجول أو مشتت أو غير مهتم.
- يفضل الكتابة على التحدث؛ لأن الكتابة تسمح له بتقييم موقفه بدقة، وتتيح له الوقت الكافي لاختيار الكلمات المناسبة للتعبير عن نفسه بثقة واهتمام.
- يشير بعض الأدلة إلى أن الشخص الانطوائي يعاني من العواطف على نحو أعمق وقد يواجه صعوبة في إدارة هذه المشاعر، وقد تفسِّر هذه الحساسية الكبيرة سبب إصابة العديد من الانطوائيين بالاكتئاب.
اقرأ أيضاً: ما هي الهلوسة الفكرية؟ وما أعراضها؟
كيف تتعامل مع شخص انطوائي؟
الشخص الانطوائي هو شخص يتمتع بقدرة عالية على التركيز والاستماع والتعاطف، وإليك بعض النصائح المفيدة للتعامل معه:
- اختر مكاناً هادئاً للّقاء والتحدث بعيداً عن المساحات المزدحمة التي تحتوي على مجموعات كبيرة من الناس.
- اطرح أسئلة مفتوحة لتشجيعه على الكلام ومنحه فرصة للانفتاح وتبادل الأفكار؛ لأن الانطوائي لا يبادر عادة في التحدث وغالباً ما يبقى هادئاً.
- امنحه بعض الوقت الكافي للرد على الأسئلة أو التعليقات حتى يتمكن من التفكير ثم الرد دون الشعور بالضغط.
- تقبّل وجود بعض الصمت خلال الحديث. في الواقع، قد يشعر الأشخاص المنفتحون أنهم مضطرون إلى التحدث بموضوعات فارغة لملء فترات الصمت خلال اللقاء، على الرغم من أن هذه الأحاديث السخيفة قد تجعل الشخص الانطوائي يشعر بالقلق. لذلك؛ انخرط في محادثة أكثر وضوحاً وعمقاً، أو تقبل وجود بعض الصمت في أثناء الحديث.
- حسِّن مهارات الاستماع لديك؛ لأنك إذا ركزت حقاً على الاستماع إلى الشخص الانطوائي فقد يكون أكثر ميلاً للانفتاح.
- أرسل الرسائل النصية والبريد الإلكتروني إليه بدلاً من إجراء المكالمات الصوتية باستمرار.
- امنحه التقدير والشكر، فحتى ولو كان الانطوائيون لا يحبون أن يكونوا محور الاهتمام، فإن معظمهم يستمتع بالشعور بالتقدير، وخصوصاً من الأصدقاء المقربين. لذلك؛ امدح صديقك أو اشكره على الأشياء الجيدة التي فعلها.
- امنحه بعض المساحة والوقت ليقضيه بمفرده؛ إذ يساعده ذلك على الشعور بالراحة وشحن طاقته.
- احترم اختلافه دون أن تحاول جعله أكثر انفتاحاً، وتذكّر أن الانطوائي يتمتع بالكثير من نقاط القوة مثل التركيز والاستماع والتعاطف، وهو يفضل أن يمتلك صديقاً مقرباً حقيقياً يفهمه ويستوعبه على أن يتعرّف إلى مجموعة كبيرة من الأشخاص.