ما الفرق بين العنف والصراع؟ وكيف تدير صراعاتك بذكاء؟

3 دقائق
فنّ الصراع
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: يُعدّ الصراع أمراً لا مفر منه اليوم في مجال العلاقات الاجتماعية التي لم تعد بديهيةً البتة، ولأننا نميل إلى الخلط بينه وبين العنف، فلا نجرؤ على خوضه خوفاً من تفاقمه، ولأننا لم نتعلم "فنّ الصراع"!

تثير المواجهة مع الآخرين والعنف الذي يتولّد عنها الخوف لدى الكثير من الناس؛ لكن تقبّل خوضها يمثل الطريقة الوحيدة لإصلاح العلاقات مع الآخرين حسب نظرية العلاج الاجتماعي.

فنّ الصراع

يُعدّ الصراع أمراً لا مفر منه اليوم في مجال العلاقات الاجتماعية التي لم تعد بديهيةً البتة، فقد تطورت معايير هذه العلاقات حتى أصبحنا عاجزين عن تحقيق التفاهم بالاستناد إلى قواعد مشتركة سواء تعلق الأمر بالعلاقات بين الرجال والنساء، أو بين الآباء والأبناء، أو بين أرباب العمل والموظفين أو بين الجيران، التي تمتلك أنماطاً تختلف مبادئ إدارتها.

يقول عالم النفس تشارلز روجزمان (Charles Rojzman): "تولّد هذه التغييرات كلّها العنف لأننا لم نتعلم فنّ الصراع. لم نتعلّمه لأنه حاجة مستجدة، ولأننا نميل إلى الخلط بينه وبين العنف، فلا نجرؤ على خوضه خوفاً من تفاقمه. وهذا التهرّب من الصراع هو بالضبط الذي يؤدي إلى انفصال الأزواج والنزاع بين الأجيال، ويَحول دون تطور الذكاء الجماعي داخل الشركات ويؤجج الحقد بين العقليات المختلفة". ويتطلب تعلّم فنّ الصراع حسب روجزمان تجاوز 3 مراحل:

معرفة الفرق بين العنف والصراع

أنا أمارس العنف عندما أنظر إلى الآخر الذي أعارضه باعتباره شريراً خالصاً أو أراه دون مستواي، أو عندما لا أعدّه كائناً مساوياً لي في القيمة والحقوق، وعندما أعتدي عليه أو أهينه أو أتهمه أو أتجاهله من خلال كلامي أو سلوكاتي؛ أي أعامله بلا مبالاة أو أتهرّب من التحدث إليه. ويصعب تحديد مفهوم العنف أحياناً لأنه قد يكون خفياً، ويُمارس بهدوء. فقد نهين أحدهم أو نتهمه أو نتجاهله دون أن نرفع أصواتنا؛ بل قد نفعل ذلك أحياناً ونحن نبتسم.

أما الصراع فيكون التعبير عنه بغضب وشراسة، وعبر الصراخ والصياح دون أن يعني ذلك أننا لا نحترم الآخر أو لا نعتبره ندّاً لنا. وإذا فهمنا هذا الفرق بين العنف والصراع، سنتمكن من تحديد العنف الذي يصدر عنّا عندما نحتقر الآخر ونقلّل من شأنه، ونحاول السيطرة عليه وننكر وجوده أو معاناته. وسنعرف أيضاً بالطريقة نفسها إن كان الآخر عنيفاً أو لا، فإذا كان كذلك نستطيع حينها رفض خوض النقاش العنيف معه، وإذا لم يكن كذلك فيمكننا أن نتقبّل خوض الصراع معه؛ أي أن نخالفه.

تحويل العنف إلى صراع

إن التعايش المثالي، الذي يمثل صلب نظرية العلاج الاجتماعي، لا يعني إنهاء الصراع؛ وإنما يفيد التمكن من تحويل العنف إلى صراع. ويمكن التحقق من ذلك في وضعيات الحياة اليومية كلها، فعندما ينتشر العنف بين الناس فهذا يعني أنهم بحاجة إلى خوض صراع معين؛ لكنهم لا يدركون، أو لا يعرفون كيف يفعلون ذلك.

ويتطلب "تحفيز" الآخر على خوض الصراع تعريفه إلى فائدة الخلاف؛ حيث تمثل أيّ وجهة نظر جزءاً من الكل، وتسمح مقابلة بعض وجهات النظر ببعض بفهم المشكلة بمختلَف أبعادها. ولذا من مصلحة أي طرف خوض هذه المواجهة من أجل حلّ المشكلة التي تؤرقه.

إدارة الصراعات بذكاء

لا تتطلب إدارة الصراع جيداً اتباع إجراءات معينة ولا توظيف لغة خاصة؛ بل تستدعي توفير مناخ الثقة الذي يشعر فيه الآخر أن بإمكانه الظهور والتعبير عمّا يدور في باله دون خوف. ويَنتج هذا المناخ عن موقفنا الشخصي وما يعبّر عنه من قناعات؛ مثل الرغبة في الحفاظ على العلاقة مع الآخر، وعدم تجاهله في عزّ النقاش، وعدم التقليل من شأنه أو الاعتداء عليه، والحرص على احترامه حتّى إذا لم نتفق معه أو لم يعجبنا.

ويجب استشعار هذا الموقف فعلياً، والتعبير عنه إن أمكن بالقول: "أرغب في أن نتوصل إلى حلّ"، "أفكارك لها قيمة في نظري، حتى إن لم أكن متفقاً معك". ودون هذا الموقف لن تسود الثقة وسيعمّ العنف، لأننا سنستمر في النظر إلى الآخر كأنه وحش (جلاد، وغد...)، وسينظر إلينا أيضاً النظرة نفسها. تبدو هذه المراحل الثلاث الضرورية من أجل العمل المشترك على حلّ صراع ما بسيطة، لكنها ليست كذلك. فمن السهل تحفيز الآخر، الذي يروقنا، على التعبير عن معارضته عندما نرغب في التوصل إلى حل، لكن عندما يسود العنف وتطول الأزمة ويغيب الحوار، يصبح من الصعب إذاً التقرّب من الشخص الذي نعتبره خصماً في وضعية نعتقد أنها ميؤوس منها.

إن تجاوز هذه المراحل الثلاث بصفة ذاتية يمكن أن يساعدنا على الخروج من حالة التهرّب إلى حالة التقرّب من الآخر من خلال الاعتراف بمظاهر العنف التي نرتكبها (كلامي كان اتهاماً لك، سلوكي كان محتقراً لك، لم أتصرف على نحو لائق)، والتفكير في الفوائد التي نجنيها (تجنّب القطيعة، السعادة المشتركة)، وبلوغ الثقة في النفس من أجل خوض النقاش.

وتفترض هذه النقطة الأخيرة حبّ الذات دون التقليل من شأنها أو تحسيسها بالذنب ممّا يحدث، وقبولها كما هي في تلك اللحظة بحقدها وحيرتها وعجزها. إن حبّ الذات منطلق أساسي لتحويل العنف إلى صراع، لأن ما يدفع غالبية الناس إلى التصرف بعنف ضد الآخرين، أي النظر إليهم كأشرار، هو صعوبة تقبّل ذواتهم بعلّاتها، وحاجتهم إلى تعليق أخطائهم على الآخر، من أجل الاستمرار في الاعتقاد بأنهم منزّهون.

المحتوى محمي