ملخص: يقول الكاتب الأميركي مارك توين ساخراً: "الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يمكنه أن يحمر خجلاً، أو ربما لأنه الوحيد الذي يفعل ما يُخجِل"! بينما يرى داروين أن احمرار الوجه هو: "التعبير الأكثر غرابة وإنسانية". إذا كنت ممَّن يحمر وجهه عندما يتحدث أمام جمهور، أو عندما يدفع باباً تقول لافتته "اسحب"، فعليك التعرف إلى الأسباب النفسية والعلمية التي تكمن وراء ذلك.
محتويات المقال
يقول الكاتب الأميركي مارك توين ساخراً: "الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يمكنه أن يحمر خجلاً، أو ربما لأنه الوحيد الذي يفعل ما يُخجِل"! بينما يرى داروين أن احمرار الوجه هو: "التعبير الأكثر غرابة وإنسانية".
وضح الاثنان إن احمرار الوجه هو أكثر من مجرد تعبير مرئي عن زيادة تدفق الدم في الرأس؛ إذ يرتبط رد الفعل الجسدي هذا ارتباطاً وثيقاً بعواطفنا، لأنه يجعل مشاعر الخجل أو القلق أو الغضب مرئية. فما هو التفسير العلمي والفلسفي لاحمرار الوجه الناجم عن الغضب أو الخجل؟
احمرار الوجه
الاحمرار (Blushing) أو التورد (Flushing)، هو تلون الخدَّين والجبهة باللون الأحمر كاستجابة نمطية فطرية، وقد يمتد إلى الأذنين والرقبة وأعلى الصدر. يُشاهد بشكل خاص لدى ذوي البشرة الفاتحة اللون، لأن بشرتهم تفتقر إلى صبغات الميلانين التي يمكن أن تخفي الاحمرار، بينما يظهر على تشكل بقع غامقة اللون لدى أصحاب البشرة السمراء.
يختلف التورد عن أشكال الاحمرار الأخرى المرتبطة بحالات الإجهاد البدني أو تناول الطعام الحار. وبشكل عام، يُصنف علماء النفس الاحمرار إلى:
- احمرار الوجه التقليدي (العابر): وهو احمرار مفاجئ يستمر لثوانٍ فقط.
- احمرار الوجه البطيء: وهو الاحمرار الذي يستمر لفترة أطول تصل إلى عدة دقائق، ويظهر على شكل بقع؛ كما يحدث خلال مقابلة للعمل أو تقديم عرض لمجموعة من الناس.
كما يتفاوت مقدار التعبير والتغير الفيزيولوجي بين شخص وآخر؛ لكن البعض قد لا يتغير بالقدر الكافي ليتم كشفه.
اقرأ أيضاً: لا تخجل من خجلك! تعرف إلى أعراض الخجل وكيفية التغلب عليه
أسباب احمرار الوجه
يحدث احمرار الوجه في المواقف التي نعتقد أنها تنطوي على التجاوز الاجتماعي، أو التعرض لاهتمام اجتماعي غير مرغوب فيه. وبشكل عام، اقترح أستاذ علم النفس وعلم الأعصاب بجامعة ديوك الأميركية، مارك ليري (Mark Leary) تقسيم المواقف التي تثير احمرار الوجه إلى:
- تهديدات الهوية العامة وفقدان السيطرة: كما يحدث عندما تطرح سؤالاً على المحاضر عن موضوع كان قد تحدَّث عنه للتو، فيضحك الجميع عليك.
- الوقوف في مركز الاهتمام والتدقيق: كما يحدث لدى البعض عندما يُطلب منه قراءة شيء ما في الفصل الدراسي أمام زملائه.
- الثناء والاهتمام الإيجابي: كأن تتلقى إعجاباً وتقديراً من المدير على عملك.
- الاتهام بالاحمرار: فقد يعاني البعض من المزيد من الاحمرار بمجرد سؤاله عن سبب احمرار وجهه.
التفسير العلمي لظاهرة احمرار الوجه
الجهاز المسؤول عن الإصابة باحمرار الوجه هو الجهاز العصبي اللاإرادي (الودي أو السمبثاوي) الذي لا نستطيع السيطرة عليه. ينشط الجهاد العصبي السمبثاوي في المواقف العصيبة مثل استجابة الكر أو الفر (Fight or Flight Response)، فعندما نتعرض لموقف محرج أو نغضب، يصبح الجسم في حالة طوارئ؛ ما يحفز الغدة الكظرية على إفراز هرمون الأدرينالين.
يُحدث الأدرينالين مجموعة من التغيرات اللاإرادية في الجسم لإعادة توجيه الطاقة إلى العضلات، ويمكن لهذه التغيرات أن تفسر ما نشعر به عند الخجل أو الغضب؛ بما في ذلك:
- زيادة معدل ضربات القلب والتنفس لتوصيل أكبر قدر ممكن من الأوكسجين إلى العضلات.
- توسّع البؤبؤ لاستيعاب أكبر قدر ممكن من المعلومات المرئية، والسماح لأكبر كمية من الضوء بالدخول.
- إبطاء عملية الهضم للمساعدة على إعادة توجيه الطاقة إلى العضلات.
- توسّع الأوعية الدموية وتمدّدها لتحسين تدفق الدم وإيصال الأوكسجين، وهذا هو التغير المرئي؛ إذ يظهر الاحمرار في الوجه كنتيجة لتدفق الدم إلى شبكة الشعيرات الدموية الموجودة في طبقة الأدمة في الخدين؛ وهي أوسع الأوعية الدموية وأقربها إلى السطح من أجزاء الجسم الأخرى.
ماذا يقول علماء النفس عن الاحمرار؟
اختلفت آراء علماء النفس حول سبب احمرار الوجه عند شعورنا بالغضب أو الخجل؛ ومنها:
القلق الاجتماعي
يرى أستاذ علم النفس في جامعة إيست أنجليا في المملكة المتحدة، راي كروزير (Ray Crozier) أن الاحمرار قد تطور كوسيلة تفرض على البشر الالتزام بالقواعد الاجتماعية، حتى تعمل مجتمعاتنا بطريقة ودية.
أي عندما تشعر بالإحراج، تعبر عن اعترافك بخطَئك الاجتماعي، وتدفع الثمن من خلال احمرار الوجه بحيث يمكن للآخرين أن يروا تعبيرك ويفهموا إحساسك بالخجل من الخطأ الذي اقترفته. بعبارة أخرى؛ قد يكون الاحمرار بمثابة اعتذار جسدي غير لفظي عن أخطائك.
وفقاً لكروزير؛ يعبّر الإحراج عن الذكاء العاطفي، ويقول موضحاً: "الشرط الأساسي للإحراج هو أن تكون قادراً على الشعور بما يشعر به الآخرون؛ يجب أن تكون متعاطفاً وذكياً مع الموقف الاجتماعي". كما وضح أن ظهور الذكاء العاطفي يحدث بالتزامن مع دخول الطفل للمدرسة، وانخراطه في الحياة والمواقف الاجتماعية مع الآخرين.
اقرأ أيضاً: كل ما تريد معرفته عن الرهاب الاجتماعي
نقيض الندم: الغضب
من وجهة نظر أخرى، قد يكون سبب احمرار الوجه هو تعرّض أحد جوانب شخصيتك للاعتداء؛ أي الغضب. وفقاً لنظرية الشخصية ذات الجوانب الثلاثة (NPA)؛ تتحكم بالشخصية 3 جوانب رئيسية تحدث في كل شخصية بدرجات متفاوتة:
- النرجسية (Narcissism): يُبنى هذا الجانب على السعي وراء المجد والاعتراف بين الأقران.
- الكمالية (Perfectionism): يميل الفرد الذي يطغى عليه هذا الجانب إلى تقدير الترتيب والإتقان والتناسق، وفي حالات قصوى قد تكون هذه السمة هي سبب سلوك الوسواس القهري أو التوحد.
- العدوانية (Aggression): العدوانية هي السمة الأساسية للقدرات التنافسية؛ حيث يفتقر مَن يتمتع بهذا الجانب مهارات التواصل الاجتماعي كالابتسام والبكاء والخجل.
عندما يخرج أيٌّ من أصحاب هذه الشخصيات عن مساره علناً، فإنه يشعر بالغضب، فيتدفق الدم إلى وجهه ويتعرض لاحمرار الوجه.
اقرأ أيضاً: كيف تكشف المنحرف النرجسي في 3 خطوات
القلق من احمرار الوجه
مَن يريد أن تظهر مشاعره الحقيقية على وجهه؟ على الأغلب لا أحد! لذا كلما زاد الخوف من احمرار الوجه، زادت الاستثارة العصبية، وزاد معها الخجل ومن ثَمّ احمرار الوجه؛ ما يؤدي إلى حلقة مفرغة وقد يتطور إلى رهاب اجتماعي يُعرف بـ "رهاب الاحمرار أو التورد" (Erythrophobia).
نعم، جميعنا مُعرّضون لهذه المواقف التي تسبب شعوراً غير مريح إطلاقاً؛ لكنه سيمر كغيره. فقط تذكر أن جسدك يحاول أن يحميك.