ما سبب قلة صبر البعض على تحقق رغباته؟

3 دقائق
قلة الصبر
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: لا يطيق البعض صبراً لإشباع حاجاته ورغباته؛ إذ يرسم عالماً مثالياً لا مكان فيه للنقص أو التأجيل، ويدفعه أدنى تأخير في الحصول على ما يريد إلى محاولة تحقيقه في مكان آخر. ويختفي وراء الإلحاح وقلة الصبر هذَين شعورٌ بعدم الثقة بالنفس والحياة، فيعتقد المرء في هذه الحالة أن هذا الاستعجال هو الذي يضمن له تحقيق ما يصبو إليه، ويقول فرانسوا روستانغ مبتسماً: "عندما تسقط القطة فإنها تعلم أنها ستهبط على وسائد أكفّها، ولذلك لا تشعر بالذعر"، ويقصد بذلك ضرورة الثقة بأن ما نريده سيتحقق ومن ثم لا داعي لاستعجاله.

لا يطيق البعض صبراً لإشباع حاجاته ورغباته؛ إذ يرسم عالماً مثالياً لا مكان فيه للنقص أو التأجيل، ويدفعه أدنى تأخير في الحصول على ما يريد إلى محاولة تحقيقه في مكان آخر، فما سبب هذا التعجل؟ وكيف يمكن لهؤلاء الأشخاص أن يتعلموا التحلي ببعض الهدوء والصبر؟

إنهم يرفضون الانتظار، ففكرة التقدم خطوة بخطوة غير مُرضية بالنسبة إليهم، وحاجتهم يجب أن تُلبّى على الفور وإلا فإنهم سيبحثون عما يرضيهم في مكان آخر (وظيفة أفضل أو شريك حياة أكثر تفهماً، إلخ). ويقول عالم النفس ديدييه بلو (Didier Pleux): "يمثل السعي نحو الحصول على الرضا الفوري أحد أهم أمراض عصرنا الحالي، ويرى الشخص في هذه الحالة أن العالم من حوله بأكمله يجب أن يكون طوع رغباته وحاجاته. وعلى الرغم من أن هذا السلوك يمنحه شعوراً بالقوة والسرعة والكفاءة والقدرة على اتخاذ القرارات دون تردد لكنه مصدر قلق أيضاً، فهذا الاستعجال في تحقيق الأهداف يتركه في حالة دائمة من عدم الرضا والإحباط والعذاب النفسي". وتوضح مختصة العلاج النفسي كاترين إيموليه-بيريسول (Catherine Aimelet-Périssol) إن منشأ معاناة هؤلاء الأشخاص جسدي، فهم لا يستطيعون التحكم في أجهزتهم العاطفية؛ إذ ترسل أدمغهم إليهم إشارات طوارئ لإشباع رغباتهم فوراً.

طفولة مدللة

تشير قلة الصبر هذه إلى العجز عن تحمُّل الانتظار، ويُعد التأجيل بالنسبة إلى الشخص العَجول بمثابة فشل في تحقيق ما يتطلع إليه، وهو سلوك يُلاحظ لدى الأشخاص الساعين نحو الكمال الذين يؤمنون بأن عليهم الحصول على الأفضل دائماً، ويوضح ديدييه بلو إنه يرجع أحياناً إلى فرط التدليل في مرحلة الطفولة إذ يقول: "عندما يشبع الوالدان رغبات الطفل باستمرار فإنه يكبر وفي ذهنه فكرة أن العالم سيطيعه، وتحدث المشكلة في سن الرشد، حينما يواجه أول عائق يحول دون تحقيق رغبة ما".

نقص وجوديّ

تقول كاترين إيموليه-بيريسول: "تخفي رغبة هؤلاء الأشخاص في الحصول على ما يريدونه فوراً، خوفاً من ألا تتكرر فرصة الحصول عليه مرةً أخرى". وتوهمهم الإثارة العاطفية المرتبطة بهذا الاستعجال بأنهم ملؤوا نقصاً وجودياً في داخلهم، ولما كان الانتظار يشعرهم بالفراغ فإن عليهم ملأه وبسرعة، فهم يحاولون إثبات أنهم الأفضل بعدد الممتلكات التي يحصلون عليها والإنجازات التي يحققونها. وتتابع المختصة: "وخلال السعي نحو ذلك، لا يطيقون صبراً على العوائق التي قد تواجههم لأن المشاعر التي يحصلون عليها عند تحقيق رغباتهم تعني الحياة بالنسبة إليهم، ولذلك كلما حصلوا على المزيد شعروا بأنهم على قيد الحياة أكثر؛ وكأن رغباتهم هذه ترياق الحياة"!

وهم السيطرة والتحكم

يختفي وراء الإلحاح وعدم الصبر هذَين، شعورٌ بعدم الثقة بالنفس والحياة، فيعتقد المرء في هذه الحالة أن الاستعجال هو الضمان الوحيد لتحقيق ما يصبو إليه. ويقول فرانسوا روستانغ (François Roustang) مبتسماً: "عندما تسقط قطة فإنها تعلم أنها ستهبط على وسائد أكفّها، ولذلك لا تشعر بالذعر"، ويقصد بذلك ضرورة التحلي بالثقة بأن ما نريده سيتحقق ومن ثم لا داعي لاستعجاله. ويضيف المعالج: "عليك أن تتعلم أيضاً كيف تنتظر التغيرات التي تُحدثها الحياة وأن تستمتع بعيشها".

نصائح من المعالجين النفسيين

مختص العلاج بالتنويم المغناطيسي فرانسوا روستانغ: "تعلّم كيف تلتقط أنفاسك: خذ وقتاً كافياً لاستيعاب الإخفاق الذي قد تتعرض له قبل أن تتجه نحو تحقيق رغبة جديدة. عليك أن تفهم ذاتك وتركز عليها، فهذا سيمكّنك من فهم الحياة من حولك ومن ثم النظر إلى رغباتك والإحباطات التي نجمت عن عدم تحققها بطريقة مختلفة".

مختصة العلاج النفسي كاترين إيموليه-بيريسول: "راقب ما يحدث في داخلك حينما تشعر بنفاذ الصبر، وستلاحظ أن مستوى القلق والتوتر والتهيج سيزداد، وهذا مضرّ بصحتك النفسية والجسدية (حينما يضطرب نومك مثلاً)، وبعلاقاتك بأحبائك أيضاً، وحينما تعي هذه العواقب كلها سترغب في تعلُّم الصبر".

كيف تعلمتْ كلٌّ من سمر وسوسن التحلي بالهدوء والصبر؟

تعلمتُ أن أتقبَّل النقص

تقول سمر ذات الـ 43 عاماً: "كنتُ أفرط في العمل وقد حصدت ثمار ذلك وتسلقتُ السلم الوظيفي بسرعة، ثم أخذت الأمور منحىً مبالغاً فيه؛ إذ صار زملائي يشتكون كثرة طلباتي منهم في العمل ونصحني مسؤول الموارد البشرية بأخذ إجازة فشعرت بفراغ كبير في حياتي، ولذلك قررتُ اللجوء إلى طبيب نفسي، وبمساعدته تعلمت أن أتقبل النقص وأركز في سعيي على النواحي الأساسية فقط وأمنح ما لا يمكنني تحقيقه الآن مزيداً من الوقت".

أنتظرُ 24 ساعة قبل أن أُقدِم على خطوة ما

تقول سوسن ذات الـ 30 عاماً: "ساعدني هذا الأسلوب على الحد من ميلي إلى استهلاك طاقتي دون تفكير وإرهاق نفسي بعبء العمل الزائد. كنت أختلق دائماً احتياجات شخصية وأنشغل في محاولة إشباعها؛ كشراء الملابس مثلاً إضافةً إلى الاحتياجات المهنية، أما الآن، فبمجرد أن تخطر ببالي رغبة من هذا النوع أجبر نفسي على الانتظار لمدة يوم والتفكير للتحقق مما إذا كنت بحاجة إليها حقاً، وفي معظم الأحيان أدرك أنني لم أكن بحاجتها".

المحتوى محمي