ملخص: يمكن أن تتسبّب منصات التواصل الاجتماعي في شعور المستخدمين بعدم الجدارة أو القلق عند مقارنة أنفسهم بالآخرين؛ غير أنّ الاستخدام المفرط لها، وبخاصة استخدام تطبيق تيك توك بين فئة الأطفال والمراهقين، بدأ يثير مخاوف علماء النفس والباحثين المختصين وينبئ بوجود مخاطر محتملة لا توجد معلومات كافية بخصوصها. وقد أدى انتشار مقاطع فيديو للتوعية بالصحة النفسية، إلى اقتناع مستخدمين كُثُر بإصابتهم باضطرابات نفسية خطِرة ونادرة دون الاعتماد على رأي مختص.
يوضّح الطبيب السوري ضي بوارشي (Dai Bowarshi) إنّ السبب الرئيس وراء مضيعة الوقت والاكتئاب والتقصير الدراسي بين فئة الشباب، هو استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لأوقات طويلة.
وعلى الرغم من إيجابيات استخدام هذه المنصات، يضم خبراء وباحثون آخرون أصواتهم إلى صوت الطبيب ضي في التحذير منها، وبخاصة تطبيق تيك توك الذي يُعتبر من أسرع المنصات الاجتماعية نمواً بين المستخدمين الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و29 سنة.
ولا تقتصر هذه الظاهرة على هؤلاء فقط، فوفقاً لرابطة دعم المصابين بالاكتئاب واضطراب ثنائي القطب (DBSA)؛ يستخدم هذه المنصة أيضاً ما يزيد عن 63% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و17 سنة. بينما تشير بيانات من منظمة الصحة العالمية (WHO) إلى أنّ 1 من كل 7 مراهقين حول العالم ممّن تتراوح أعمارهم بين 10 و19 سنة عانوا من تحديّات تخصّ الصحة النفسية عام 2021، وهم يشكلون الجزء الأكبر من جمهور تيك توك.
كيف تؤثّر منصات التواصل الاجتماعي في الصحة النفسية؟
هناك عدة دراسات تؤكّد وجود علاقة قوية بين الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي وزيادة التعرّض للاكتئاب، والقلق، والعزلة، وسلوكيات إيذاء النفس، وحتى التفكير في الانتحار.
6 أسباب تدعوك إلى عدم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكلٍ مفرط
- عدم الرضا عن المظهر: يمكن أن يثير استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ومقارنة الفرد حياته بحياة الآخرين استياءه وحسده، ذلك أنه يخلق حالة من عدم الأمان نتيجة عدم رضا الفرد عن مظهره أو مستوى معيشته، على الرغم من إدراكه أن الأشخاص يشاركون أحسن أحداث حياتهم فقط، ونادراً ما يكشفون عن مشكلاتهم والصعوبات التي تواجههم.
- الخوف من تفويت شيء ما (FOMO): يمكن أن يحث الفومو الأفراد على التحقّق من هواتفهم بانتظام بحثاً عن آخر الأخبار والتحديثات، ولو أدى ذلك إلى المخاطرة في أثناء القيادة، أو الحرمان من النوم، أو إعطاء أهمية أكبر للعلاقات الافتراضية من العلاقات الواقعية. ذلك أن منصات التواصل الاجتماعي قد زادت الشعور بأن الآخرين يعيشون حياة أكثر إثارة وإشباعاً، ويمكن أن يؤثّر هذا الاعتقاد بشكل كبير في تقدير الشخص لذاته، ويثير قلقه، ويزيد استخدامه لوسائل التواصل الاجتماعي حدَّ الإدمان.
- العزلة الاجتماعية: يمكن أن يؤدي الاستخدام المتكرّر لفيسبوك وإنستغرام وسناب شات إلى تضخيم الشعور بالوحدة بدلاً من تخفيفه، بينما يمكن أن يسهم الحدّ من استخدام الوسائط الاجتماعية في تخفيف الشعور بالعزلة والوحدة مؤدياً في النهاية إلى تحسُّن الصحة النفسية.
- الاكتئاب والقلق: يرتبط الاكتئاب والقلق بنقص التفاعل وجهاً لوجه الذي يُعتبر ضرورة ملحّة للحفاظ على صحة نفسية متوازنة؛ حيث يُعدّ التواصل المباشر مع شخص يهتم بك الطريقةَ الأسرع والأكثر فعالية لتخفيف التوتّر وتحسين الحالة المزاجية؛ كما أن إعطاء الأولوية لمنصات التواصل الاجتماعي على العلاقات الشخصية يزيد احتمالية الإصابة باضطرابات المزاج أو تفاقم أعراضها مثل القلق والاكتئاب.
- التنمّر عبر الإنترنت: يبلغ ما يقارب 10% من المراهقين عن حوادث التنمّر الإلكتروني والتعليقات المسيئة على وسائل التواصل الاجتماعي. ويمكن أن تصبح منصات مثل تويتر أرضاً خصبة لنشر الشائعات المؤذية والأكاذيب وسوء المعاملة، ولذلك كلِّه آثار عاطفية طويلة الأمد.
- الإفراط في مشاركة الخصوصيات على وسائل التواصل الاجتماعي: مثل المشاركة المستمرّة لصور السيلفي والخواطر الشخصية؛ إذ يمكن أن يؤدّي ذلك إلى شعور غير صحّي بالانغماس في الذات والانفصال عن التفاعلات الاجتماعية الحقيقية.
اقرأ أيضاً: كيف يسهم كل من الفومو واجترار الأفكار في الاستخدام المفرط للهواتف الذكية في الإمارات؟
هل هناك أيّ فوائد محتمَلة لتطبيق تيك توك؟
يعتبر البعض تيك توك أكثر من مجرّد منصة اجتماعية لقضاء الوقت والتسلية إذ يمكن أن يساعد -عكس المتوقَّع- على تحسين الصحة النفسية؛ حيث يمكن للمستخدمين الوصول إلى معلومات وحلول عملية لمشكلاتهم النفسية من خلال مقاطع الفيديو القصيرة والحسابات المخصّصة للتوعية بمشكلات الصحة النفسية.
وفي هذا السياق، قام الباحث من قسم الصحة بجامعة أركنساس الأميركية، أليكس راسل (Alex Russell) وزملاؤه بإجراء دراسة نُشرت في مجلة "إدمان المخدرات والكحول" (Drug and Alcohol Dependence) عام 2021.
وأكّدت الدراسة الدور الذي يمكن أن تؤدّيه منصة تيك توك في المساعدة على التعافي من تعاطي المخدرات؛ حيث قام الباحثون بتجميع 82 من مقاطع الفيديو الأكثر شعبية على تيك توك والتي تتعلّق إما بالحدّ من استخدام المواد المخدرة أو الاستغناء عنها أو تعزيز التعافي من اضطرابات تعاطي المخدرات (Substance Use Disorder).
والجدير بالذكر أن مقاطع الفيديو التي تم تحليلها في هذه الدراسة قد حصدت ما متوسطه مليونَين و325,000 من المشاهدات والإعجابات، وقد أظهر أكثر من 40% من المقاطع رحلة أشخاص من تعاطي المخدرات إلى التعافي.
لكن لماذا يحذّر الخبراء من استخدام تطبيق تيك توك؟
بينما يؤكّد بعض الخبراء الفوائد النفسية المحتمَلة لاستخدام تيك توك، يشير آخرون إليه بأصابع الاتهام للأسباب نفسها، فمقاطع الفيديو التي تروّج لقضايا الصحة النفسية وتحظى بمليارات المشاهدات تساعد المشاهدين على "التشخيص الذاتي" (Self-Diagnose) لحالاتهم النفسية، دون الاعتماد على رأي طبيب أو مختص نفسي!
حيث بدأ علماء النفس بملاحظة موجة من الفتيات المراهقات اللواتي يزعمن أنهن يعانين من متلازمة توريت، بالإضافة إلى اضطرابات نفسية من النادر أن يُصاب بها المراهقون مثل اضطراب الشخصية الحدية والاضطراب ثنائي القطب وانفصام الشخصية؛ ما يؤكد تأثُّر هؤلاء الفتيات بالمشاهدتة المفرطة لمحتوى المنصة الذي يعرضه المؤثّرون حول المشكلات النفسية وأعراضها.
وتوضّح ذلك أستاذة علم النفس بجامعة ولاية سان دييغو، جين توينغ (Jean Twenge) في قولها: "من الواضح أنه نسخة حديثة من العدوى الاجتماعية التي كانت دائماً أكثر انتشاراً بين الفتيات المراهقات مقارنة بالفئات الديموغرافية الأخرى".
وتنصح جين الآباء بترك هواتفهم خارج غرفة النوم، والتأكد من أن أبناءَهم يتصرّفون مثلهم؛ كما توصيهم بإبقاء بناتهم بعيدات عن وسائل التواصل الاجتماعي حتى يبلغن 16 سنة إن أمكن ذلك.
ويؤكّد طبيب الأطفال وباحث آثار التكنولوجيا في الأطفال في مستشفى بوسطن للأطفال، مايكل ريتش (Michael Rich) إننا بحاجة إلى المزيد من المعلومات لاتخاذ قرارات مطّلعة حول كيفية مساعدة فئة الشباب من مستخدمي المنصة، على فهم كيفية استخدامها بشكل مدروس ويقظ، أو عدم استخدامها على الإطلاق".
اقرأ أيضاً: ما مخاطر إدمان المراهقين على الهواتف الذكية وكيف يمكن تلافيها؟
وأخيراً، غيّر تطبيق تيك توك ملامح المشهد الرقمي لوسائل التواصل الاجتماعي؛ حيث استطاع بمقاطع الفيديو القصيرة جذب انتباه ملايين المستخدمين حول العالم، وبخاصة جماهير الأطفال والمراهقين. ولأنه لا يمكن إنكار الإيجابيات والفوائد المرتبطة باستخدام منصات التواصل الاجتماعي؛ ينبغي التذكير بمخاطرها المحتملة على الصحة النفسية لهذه الفئة، وهذا ما قدّمه مقالنا حول أضرار تطبيق تيك توك وتأثيراته السلبية في الأفراد.