ملخص: الانفصال العاطفي هو مشكلة شائعة يمكن أن تصعّب على الشخص تكوين روابط اجتماعية ذات مغزى. ويمكن أن يظهر ذلك من خلال صعوبة تكوين العلاقات، ونقص التعاطف، وصعوبة التعبير عن المشاعر، وصعوبات العلاقة الحميمية. ومع ذلك، يمكن للأفراد تعلّم كيفية إدارة عواطفهم وتطوير علاقات صحيّة. يمكن أن يساعد كل من تطوير الوعي الذاتي، والمشاركة في أنشطة الرعاية الذاتية، وطلب المساعدة من المعالج النفسي؛ الأشخاص الذين يعانون من الانفصال العاطفي على عيش حياةٍ مرضية.
الانفصال العاطفي هو حالة نفسية ينفصل فيها الفرد عن عواطفه أو يكبح ردود أفعاله العاطفية، فقد يبدو الأشخاص المنفصلون عاطفياً منعزلين أو بعيدين أو غير مستجيبين للاحتياجات العاطفية للآخرين، وقد يجدون أيضاً صعوبة في التعبير عن مشاعرهم الخاصة وتكوين علاقات وطيدة.
في حين أن الانفصال العاطفي يمكن أن يكون آلية للتعامل مع التجارب المؤلمة أو المواقف الشديدة التوتّر؛ إلا أنه يمكن أن يكون أيضاً علامة على وجود حالة نفسية مثل الاكتئاب أو القلق أو الاضطرابات المرتبطة بالصدمات.
ماذا يعني الانفصال العاطفي؟
وبحسب المختصين من معهد بيركلي (Berkeley Well Being Institute)، فإن الانفصال العاطفي يشير إلى عدم القدرة أو عدم الرغبة في التواصل مع الآخرين على المستوى العاطفي. وقد يؤدّي ذلك إلى عدم التفاعل مع المشاعر الذاتية، ويؤثر في العلاقات الاجتماعية والعاطفية وعلاقات العمل سلباً.
وفي حين أنه يمكن أن يكون آلية للتكيف في بعض المواقف؛ إلا أنه يمكن أن يكون أيضاً استجابةً للصدمة أو المشاعر الدفينة التي تعيق القدرة على التعامل مع الصراعات.
وفي المقابل نجد الترابط العاطفي (Emotional Connection) يتّسم بالتواصل العميق في العلاقات؛ بحيث تمثّل التعرُّضِية (Vulnerability) جانباً أساسياً من جوانب الترابط العاطفي لأنها تسمح للآخرين برؤية حقيقتك، وتساعدك على عيش حياة أكثر إرضاءً.
والجدير بالذكر أن الانفصال العاطفي ليس تشخيصاً رسمياً في الدليل الإحصائي التشخيصي الخامس (DSM-5)؛ لكنّه يمكن أن يكون أحد أعراض اضطرابات أخرى مثل اضطرابات التعلّق (Attachment Disorders)، أو قد يكون نتيجة لصدمة سابقة.
وتوضّح مختصة التنمية البشرية منال علاء الدين نوعاً آخر من الانفصال العاطفي أشبه بالطلاق بين الزوجين؛ حيث يعيشان حالة من عدم الاتصال بالمشاعر والنفور وعدم الاكتراث أو اللامبالاة. وقد يستمّر ذلك لشهور وحتّى سنوات، ويجبر الزوجين على العيش تحت سقف واحد بسبب ظروف اجتماعية معينة مثل وجود الأطفال أو الحالة المادية غير المستقلّة للزوجة.
اقرأ أيضاً: لماذا أشعر بالتبلّد العاطفي؟
ما علامات الانفصال العاطفي؟
بحسب الخبراء من هيلث لاين (Healthline)؛ قد يخطئ البعض في الظن بأن علامات الانفصال العاطفي تظهر في الفترات الصعبة من حياة الأفراد؛ إذ إنّه من الممكن أن تظهر هذه العلامات نتيجة تراكمات لم يكن الشخص قد استطاع تجاوزها بعد، ومرّت عليها فترة زمنية معيّنة.
ويشير الخبراء إلى وجود بعض الأنماط المتكرّرة لدى الأشخاص الذين يعانون من الانفصال العاطفي؛ وهي كما يلي:
- صعوبة تكوين العلاقات الشخصية أو الحفاظ عليها.
- قلة الانتباه أو ظهور الشخص وكأنه مشغول الفكر عند وجود الآخرين.
- صعوبة تقديم المحبة والحنان لأحد أفراد الأسرة.
- تجنُّب الأشخاص أو الأنشطة أو الأماكن لأنها مرتبطة بصدمة سابقة.
- صعوبة التعبير عن المشاعر.
- صعوبة التعاطف مع مشاعر شخص آخر.
- عدم مشاركة العواطف أو المشاعر بسهولة.
- صعوبة الالتزام بالعلاقات.
- عدم إعطاء الأولوية للأشخاص الذين يحتاجونها.
ما الذي يمكن أن يجعل الشخص منفصلاً عاطفياً؟
يمكن أن يكون الانفصال العاطفي ناتجاً من عوامل مختلفة وفقاً للخبراء من معهد بركلي؛ بما في ذلك الإهمال أو الصدمات السابقة، أو حالات الصحة النفسية، أو بعض الأدوية، أو الاختيار الشخصي كآلية للتعامل مع التوتّر أو انتهاكات الحدود الشخصية.
إذ ترتبط صدمات الطفولة والصدمات النفسية في مرحلة البلوغ بالانفصال العاطفي، في حين أن الاضطراب ثنائي القطب والاكتئاب واضطرابات الشخصية واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) يمكن أن يدفعوا الشخص أيضاً إلى أن يكون منفصلاً عاطفياً.
كما أنه قد يكون لبعض الأدوية؛ مثل مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية، تأثير جانبي مرتبط بهذه الحالة. ويؤكّد الخبراء إمكانية أن ينفصل الفرد عاطفياً كنوعٍ من آليات التكيّف الإيجابية للتعامل مع المشكلات المؤقتة؛ إلا أن ذلك يمكن أن يؤثر سلباً في حياته أو علاقاته إذا زاد عن الحد الطبيعي.
هل هناك علاجات يمكن أن يستفيد منها الشخص المنفصل عاطفياً؟
يعتمد علاج الانفصال العاطفي على تحديد السبب الأساسي وراء الإصابة به أو اختباره، فإذا كانت هذه الحالة أحد أعراض حالة نفسية أخرى مثل الاكتئاب أو اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) أو اضطراب الشخصية الحديّة، فقد يكون علاجها عادةً من خلال الأدوية أو العلاج النفسي.
أمّا إذا كانت نتيجة صدمة، فيمكن أن يساعد العلاج النفسي الشخص على تعلّم طرائق جديدة لمعالجة التجارب والقلق اللذان تسببا في انفصاله عاطفياً.
قد لا يكون الانفصال العاطفي مشكلة نفسية تتطلّب العلاج عند الناس جميعهم، ومع ذلك يوصى بالسعي إلى الحصول على العلاج أو الدعم إذا تسبّبت المشكلات المتعلّقة بالتعبير عن المشاعر في حدوث مشكلات أو عوائق أخرى في الحياة الشخصية.
4 طرائق تساعدك في التغلّب على الانفصال العاطفي
يوضّح خبراء معهد بيركلي إنّ هناك طرائق مختلفة لمعالجة الانفصال العاطفي في حال كانت له تأثيرات سلبية في حياة الفرد الشخصية، وهذا بعض تلك الطرائق للتغلب على هذه الحالة وتنمية روابط ذات مغزىً مع الآخرين:
- يعدّ تكوين شبكة من الأفراد الداعمين أمراً بالغ الأهمية عند السعي إلى فهم عواطفك وإدارتها وتطوير الوعي العاطفي.
- تساعد ممارسة اليقظة والتأمل في التركيز على اللحظة الحالية، ويمكن أن تشمل استجابتك العاطفية لحدث ما أو كيف تفكّر عادة في المشاعر بشكل عام.
- يحفز الإبداع الفني والتواصل مع نفسك الإبداعية من خلال الفنون وإتقان بعض المهارات الإبداعية مثل الرسم أو الحياكة أو كتابة الشعر أو صنع الفخّار، إفراز الدوبامين (أحد هرمونات السعادة) كما قد يساعدك على تخفيف أعراض القلق أو الاكتئاب أو الصدمة.
- تساعد التعرّضية (Vulnerability) على بناء تواصلٍ حقيقي مع الذات والآخرين، وخلق رابطة أقوى، وكسر الجدران العاطفية. قد يستغرق تعلّم كيف تكون ضعيفاً عاطفياً وقتاً وصبراً منك ومن حولك، لذلك من المهم أن يكون لديك أشخاص يدعمونك في هذا المسار.
اقرأ أيضاً: كيف يسلبك الفراغ العاطفي استمتاعك بالحياة؟
وفي الختام، يُعتبر الانفصال العاطفي مشكلة شائعة يمكن أن يكون لها تأثير عميق في حياتنا وعلاقاتنا. وسواء كان ذلك ناتجاً من صدمة سابقة أو مجرّد آلية للتكيّف، فإن تعلّم كيفيّة التغلب عليه يُعد خطوة حاسمة نحو عيش حياة مُرضية ومتصلّة.
فمن خلال الاعتراف بمشاعرنا، وبناء عادات صحية، وطلب المساعدة المتخصصة، وبناء علاقات داعمة؛ يمكننا أن نتعلّم كيف نتعايش مع الانفتاح العاطفي والضعف. وتذكّر: في حين أن الطريق إلى الشفاء العاطفي قد تكون صعبة، فإن زيادة الوعي الذاتي وتمكين الروابط الإنسانية لعيش حياة أكثر إرضاءً يستحقون هذا العناء كله.